لا يا سيدتي المتحدثة الرسمية باسم الحكومة الأمريكية ليس هكذا تدار العلاقات بين الدول والشعوب والتي يجب أن تقوم علي الاحترام والثقة المتبادلة فكل الدول الحرة المستقلة لاتقبل التدخل في شئونها الداخلية كما أننا في مصر وخاصة بعد ثورة يناير نريد أن نقيم علاقات طيبة وقوية مع مختلف شعوب العالم علي نفس المبدأ. وكان الإجراء القانوني الذي اتخذته السلطات القضائية والنيابة والأجهزة الأمنية في مصر بمداهمة 17 من مقار منظمات المجتمع المدني يوم الأربعاء الماضي للتأكد من علاقاتها الخارجية وحجم المعونات والمساعدات التي تتلقاها من جهات أجنبية ومدي تورطها في أعمال العنف التي شهدتها البلاد مؤخرا قد أثار ردود فعل واسعة النطاق في الداخل والخارج حيث انبري قادة وزعماء هذه المنظمات في مهاجمة هذا الإجراء الذي أصدره قاضي التحقيقات بحجة أنه يتعارض مع أبسط قواعد الحرية والديمقراطية ويهدف إلي تكميم الأفواه وكبت الحريات وهي المبادئ الأساسية التي قامت من أجلها ودعت إليها ثورة يناير محاولين إثارة الرأي العام العالمي وخاصة الدول والمنظمات التي تقدم هذه المساعدات سواء بحسن أو بسوء نية. والسؤال المطروح الآن هو: هل تقبل الولاياتالمتحدةالأمريكية أو الدول الأوروبية الصديقة التي وجهت انتقاداتها وتحذيراتها بل وربما تهديداتها للحكومة المصرية أن تقام علي أرضها مثل هذه المنظمات بدون علمها أو موافقتها أيا كانت الدوافع والمبررات التي من أجلها أنشئت هذه المنظمات.. ثم أليست هذه هي الولاياتالمتحدةالأمريكية التي سنت قوانين جديدة مقيدة للحريات بهدف مكافحة الإرهاب من أجل الحفاظ علي أمن واستقرار المجتمع الأمريكي وشنت في هذا الإطار حربا ضارية ضد نظام صدام حسين وألحقت بذلك أبلغ الأضرار بشعب العراق وذلك لمجرد الشك في أنه يمتلك أسلحة نووية من شأنها تهديد أمن إسرائيل وأقامت سورا علي حدودها مع المكسيك لمنع أبناء شعب المكسيك من الدخول إلي أراضيها والإقامة فيها بطرق غير شرعية بحثا عن مصدر رزق.. ثم أليست هي دول المجموعة الأوروبية وعلي رأسها فرنسا وإيطاليا وألمانيا التي تتخذ كل الإجراءات القانونية والأمنية لمنع الهجرة غير الشرعية من الدخول إلي أراضيها والإقامة فيها بطرق غير مشروعة وكذلك تشديد الإجراءات الخاصة بالحصول علي تأشيرة الدخول إليها إلا بعد الرجوع إلي الأجهزة الأمنية المختصة في بلادها والحصول علي موافقاتها حتي لو استغرقت عدة أسابيع لايفرقون بين مريض يطلب العلاج أو رجل أعمال يريد متابعة أعماله أو دبلوماسي يتمتع بالحصانة الدبلوماسية، وهو ما اضطر مصر إلي معاملة الدبلوماسيين الأوروبيين بالمثل وأذكر أنه عندما صدر قرار تعييني مديرا لمكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط في ألمانيا كان لزاما علي أن أحصل مسبقا علي موافقة السلطات الألمانية قبل سفري وهما هيئة الاستعلامات الألمانية وشرطة الأجانب التي كانت تطلب من جميع الصحفيين والمراسلين الأجانب ضرورة تجديد إقامتهم كل عام. وأنا هنا لا أريد أن أقارن بين هذه النماذج التي عرضتها وقضية منظمات المجتمع المدني المثارة حاليا خاصة أنني رئيس إحدي الجمعيات الأهلية (جمعية الصداقة المصرية الألمانية) والتي تهدف إلي دعم وتطوير العلاقات بين مصر وألمانيا وإنما أردت أن أؤكد وبكل وضوح حق الدولة المصرية والشعب المصري في أن يعلم طبيعة نشاط هذه المنظمات والأهداف الحقيقية التي تسعي إلي تحقيقها وحجم تمويلها من الخارج وأوجه الصرف المختلفة وقبل كل شيء ألا تزاول هذه المنظمات أنشطتها المختلفة قبل الحصول علي إذن وموافقة السلطات المصرية المختصة ذلك أنه من غير المعقول ولا المقبول أن تزاول بعض هذه المنظمات نشاطها في مصر دون موافقة السلطات والأجهزة المختصة مثلما حدث مع قناة (الجزيرة مباشر) إن الحفاظ علي الأمن القومي المصري ومصالح الوطن العليا أمر ضروري ولايجب تهديده أو العبث به تحت أي مسمي حتي ولو كانت (حقوق الإنسان) ذلك أن حقوق الإنسان لايكون لها معني ولا مضمون إذا ما انتهكت وأضرت بمصالح الوطن العليا.. كما أن اختراق الدولة ووجود دولة داخل الدولة أمر مرفوض تماما ولا تقبله أيضا الدول التي سارعت وانتقدت قرار السلطات القضائية المصرية. نعم لكل الجهود الصادقة والمخلصة التي تهدف إلي تعميق مفاهيم الديمقراطية الصحيحة وآفاق الحرية المسئولة في مصر ولامانع من تلقي أموال ومساعدات لتمويل هذه الأنشطة شريطة أن يتم ذلك بكل وضوح وشفافية وبعلم وموافقة مسبقة من السلطات المصرية حتي لا يتم إساءة استخدام هذه الأموال وتوجيهها إلي أغراض لاتتفق والصالح العام للمواطن المصري. والحقيقة أن قرار السلطات القضائية المصرية بشأن تقنين أوضاع منظمات المجتمع المدني وأسلوب عملها في مصر قد جاء نتيجة الضغوط والاتهامات التي وجهها زعماء هذه المنظمات وبعض نجوم برامج »التوك شو« في الفضائيات المصرية في الآونة الأخيرة لممارسات المجلس الأعلي والحكومة المصرية تجاه أحداث العنف وسقوط قتلي في شارعي محمد محمود ومجلس الوزراء لما أسموه»الطرف الثالث« كما أسمته إحدي نجمات التوك شو »اللهو الخفي« وأنه المتهم بأعمال قتل المتظاهرين في هذه الأحداث خاصة أن تقارير الطب الشرعي قد أثبتت وجود طلقات نارية في ظهر بعض القتلي من المتظاهرين من مسافات قريبة جدا بالإضافة إلي نجاح أجهزة الأمن بمطار القاهرة في القبض علي مواطن نمساوي وآخر ألماني أثنا أمحاولتهما تهريب أسلحة خاصة »بالقناصة« وقيام جهز حرس الحدود بضبط عصابات علي الحدود مع ليبيا وفي سينا أتحاول أيضا تهريب »أسلحة قناصة« إلي داخل البلاد. وبكل تأكيد فإن مصر بحجمها وثقلها ودورها الريادي في المنطقة مستهدفة من الداخل والخارج.. فهناك من الدول الغربية والعربية والإقليمية التي لاتريد لها أن تقوي وتصلب عودها وتكون مؤثرة فاعلة في مجريات الأمور سواء علي المستوي الدولي أو الإقليمي بل أن تظل مستضعفة ومثقلة بهمومها ومشاكلها حتي تظل تابعة متلقية للمعونات والمساعدات. يا سادة في الداخل والخارج : مصر بلد عظيم بلد الحضارة والتاريخ ستنهض من كبوتها بحكم عظمة شعبها ووعيه وقدرته علي تنمية موارده وقدراته وما أكثرها من أجل رفع مستوي معيشة أبنائه ولتحتل مكانها اللائق بها بين مختلف دول العالم. ومع إشراقة العام الجديد 2012 يسرني أن أتوجه بالتهنئة القلبية الخالصة لشعبنا العظيم بكل فئاته وطوائفه متمنيا لهم جميعا كل النجاح والتوفيق والتقدم.. وأن تتحقق فيه كل طموحاتنا من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية في إطار دولة مدنية حديثة وأن يسود الأمن والاستقرار ربوع بلدنا الحبيب وترفرف السعادة والرخاء والطمأنينة علي كل أبنائه.