جموع السلفيين فى انتظار خطبة الشيخ ما أسهل الفتاوي وما أمر ثمرتها في حال خروجها من غير أهلها.. أحاطت الفتاوي بالمواطن أينما ذهب وأينما حل فالفتاوي في كل مكان وعلي كل لسان، القنوات الفضائية تلقي بمئات الفتاوي يوميا، وعالم النت يضخ آلاف الفتاوي كل ساعة، كل هذا ليس بمشكلة طالما أن الفتوي تصدر من أهلها، المشكلة تنبع من سيل الفتاوي التي تحمل طابع البداوة، وتقصي فقه الواقع في الفتوي وتعلي من التقاليد والعادات البدوية والصحراء، فتاوي مغلفة بالجمود بعيدا عن مرونة الدين الإسلامي الحنيف. الخطاب السياسي الإقصائي لهذه التيارات، وعدم مراجعتها لخطابها الديني الرافض للآخر، والآخر هنا ينقسم إلي سياسي( الليبرالي، والقومي، واليساري) والديني (الأقباط)، فضلا عن الفتاوي المخيفة، منها تكفير الديمقراطية، وتحريم دخول البرلمان والتشريع بغير ما أنزل الله، وتحريم عمل المرأة، واعتبار المسحيين أهل ذمة، وعليهم أن يدفعوا الجزية، وضرورة ستر الآثار لأنها عورة، ولبس المرأة للكعب العالي حرام، وفتوي منع قيادة النساء للسيارات، مرورا بفتوي إرضاع الكبير وقضية زواج المرأة من جني، كلها فتاوي تؤكد غياب الرؤية الواقعية للمجتمع المصري في القرن الحادي والعشرين، لدي التيارات السلفية التي ظلت طوال تاريخها تهتم بفقه الدعوة، ولا تهتم بفقه الدولة، باعتبار ان هذه التيارات لم تخرج إلي الشارع إلا مؤخرا وظلت محصورة في الرؤية الضيقة لتلك الجماعات. لم يشهد عام هذا الكم من الفتاوي كما شهد 2011 الذي شهد بزوغ الفتاوي السياسية واحتلالها مركز الريادة في عدد الفتاوي ومردودها، فقد أصدرت دار الإفتاء تقريرها السنوي عن عدد الفتاوي التي تمت الإجابة عليها سواء كانت مكتوبة أو شفهية أو هاتفية وعبر الإنترنت في عام 2010 أنه وصل إلي نحو 465 ألف فتوي، وهو عدد تضاعف في 2011م، علي الجانب الآخر كانت لفتاوي المنتمين للتيار السلفي الوهابي نصيب الأسد، وهي الفتاوي التي تدخل كل بيت من خلال الفضائيات فتكتسب انتشارا أوسع ومن هنا الخطورة. من أخطر تلك الفتاوي تلك التي قال بها الشيخ حازم شومان- الداعية الإسلامي- أثناء محاضرة له بجامعة القاهرة من أن "جامعة القاهرة أُنشئت لتنتج شبابا يقاومون شريعة الله ويرفضونها، لكنه أكد أن الشباب الآن يريد الشريعة ويتجه نحو دينه". مستنكرا في الوقت ذاته الترهيب الذي تمارسه الفضائيات من خلال برامج التوك شو ضد تطبيق الشريعة الإسلامية التي يطالب بها السلفيون معتبرا ذلك نوعا من "التجرؤ علي الله نفسه". وكان شومان قد اقتحم وسط مجموعة من أنصاره حفلة غنائية للمغني هشام عباس في المنصورة وأبطل الحفل بدعوي حصول معصية الله ووجود نساء عاريات علي المسرح. وداخل جامعة المنصورة دعا شومان لشباب الجامعة بالزواج مثني وثلاث ورباع وأن تزوج "أخواتنا ويقعدن في البيت وننهي فتنة النساء". وهي دعوة تأتي في مجتمع يعاني شبابه من البطالة ولا يجد القدرة علي الزواج مرة ناهيك عن المثني والثلاث، وهي دعوة تفهم في إطار مجتمعات البترول فهناك مال كثير يمكن الرجل من الزواج أكثر من مرة أما في مصر فالظروف الاقتصادية والاجتماعية تجعل الزواج مرة واحدة حلما في حد ذاته. ونالت التماثيل والآثار الفرعونية نصيبا من فتاوي الصحراء فهي حرام ويجب تحطيمها وعلينا تغطيتها لأنها "فتنة وفقا لبعض متطرفي السلفيين، أما مستقبل الحركة الأدبية فسيكون مظلما مادام هناك من يري أن أديب نوبل الراحل نجيب محفوظ ملحد، وأنه يكتب عن الأعمال المنافية للآداب، وعن المخدرات والدعارة وفقا لتصريحات الشيخ عبد المنعم الشحات المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية بالإسكندرية. وكان للبورصة نصيب من الهجوم والتحريم فقد أفتي البعض بحرمانية التعالم في البورصة باعتبارها تلاعبا بالأسواق، وهو الأمر الذي دفع الدكتور علي جمعة- مفتي الديار المصرية- إلي التصريح بأن التعامل في البورصة جائر شرعا مادام . بنية التجارة لا التلاعب بالأسواق، علي أن يكون نشاط الشركة مباحا، وأن يكون للشركة أصول وأوراق ثابتة ومعلومة". وأكد الشيخ محمود عاشور وكيل شيخ الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية- علي أن الإسلام دين يسر وسماحة، وقد قال النبي: ادرءوا الحدود بالشبهات، أي أن من يسرق ليأكل، لا تقطع يده، بل يجب أن توفر له كل متطلبات حياته أولا، ثم نطبق عليه الحد إذا أخطأ، فهنا الفهم التشريعي قائم علي روح النص وليس حرفية الشاهد، فعلينا لذلك أن نتفهم ملابسات القضايا الشرعية وأسبابها وظروفها ثم نقيس عليها، لا أن نفتي فتاوي لا نعرف أصلها ولا تتناسب مع طبيعة الحال. وأضاف عاشور: الدين لم يأت ليحقق مصلحة فرد أو جماعة علي حساب بقية المسلمين، بل جاء من أجل سعادة جميع البشر بتحقيق العدل بينهم، وتلك الفتاوي توظف الدين توظيفا غير صحيح لخدمة أغراضهم المذهبية من أجل نصرة مذهب علي مذهب ومن يفعل ذلك فهو جاهل لم يتعلم الدين ولم يدرسه، ويستخدمه طبقا لهواه الشخصي. فمثلا البعض هاجم الديمقراطية وكفر القائلين بها رغم أنها تعتبر من وجوه كثيرة امتداد المفهوم الشوري في الإسلام وهي قاعدة مذكورة في القرآن بقوله تعالي: "وآمرهم شوري بينهم". من جانبه يري الشيخ عبدالحميد الأطرش - رئيس لجنة الفتوي الأسبق بالأزهر أن الفتاوي أصبحت لا صاحب لها ولا رقيب عليها، وهي أمور بعيدة عن الإسلام، فلا يجوز استخدام الدين لتحقيق غرض دنيوي أو مصلحة خاصة. مشيرا إلي أن ما يحدث اليوم سيدمر المجتمع بأكمله بسبب جهلاء يريدون تحقيق مكاسب سياسية خاصة دون النظر إلي المصلحة العامة للوطن. في السياق ذاته قال الدكتور عبد المعطي بيومي - عضو مجمع البحوث الإسلامية والعميد الأسبق لكلية أصول الدين : "بعد أن عمت فوضي الفتاوي من غير المتخصصين الذين يتجرؤون علي الفتوي دون علم في أحيان كثيرة وعلي فضائيات شتي. فقد ظهر لدينا بعض قليلي العلم يتصدون للإفتاء ويتزيون بزي العلماء وما هم بعلماء وما هم بمفتين، ومن هنا يجب أن نعالج الأسباب أولا أن نحيي ضمائر أصحاب الفضائيات بحيث يتقون الله في دينهم ويعرفون أن المال سلعة بائرة وأنها ليست إلي الآخرة، ثم نحيي ضمائر بعض الحكام الذين لا يدققون في اختيار المفتين ولا اختيار العلماء.