طبيبة من الميدان تصف ما حدث في محمد محمود ب »المجزرة« مستشفيات الميدان وفرت الأدوية والمستلزمات الطبية ورفضت التبرعات مستشفي ميداني علي خط المواجهة، ملاصق تماماً لشارع محمد محمود الذي شهد معارك طاحنة بين الشرطة والمتظاهرين منذ يوم السبت 19 نوفمبر. مصابون بالجملة بالرصاص والخرطوش والغاز المسيل للدموع وأيضاً بالغازات السامة...مخاطر بالجملة واجهها مجموعة من الأطباء المخلصين وهجمات تعرضوا لها من الشرطة، ومع ذلك فضلوا البقاء والاستمرار في أداء واجبهم بشجاعة. في الأوقات الساخنة للقتال بين المتظاهرين والشرطة كان هذا المستشفي يستقبل مصاباً كل دقيقة أو دقيقتين إما باختناق أو بإغماء أو برصاص وخرطوش. المصابون كانوا ينقلون للمستشفيات عن طريق "الإسعاف الطائر" أو هكذا كانوا يطلقون علي الموتوسيكلات التي كانت تنزل إلي المعركة لتسحب المصابين من وسط الدخان والطلقات وتعود بهم مسرعة إلي المستشفي. هناك يستقبله طبيان علي الفور ليحددا إصابته إذا كانت بسيطة أم بالغة. وتقول طبيبة الامتياز هبة عزوز والمتطوعة في المستشفي "المكان هنا مقسم لثلاث مناطق، المنطقة الخضراء التي تستقبل الحالات البسيطة كالاختناق والإغماءات. المنطقة الصفراء للحالات الخطيرة التي يمكن الانتظار عليها بعض الوقت، والمنطقة الحمراء التي تضم الحالات التي لاتحتمل الانتظار" المستشفيات الميدانية في ميدان التحرير أعلنت أنها لاتريد استقبال أي تبرعات، وأن لديها مخزونات إضافية من الأدوية والمستلزمات الطبية، وطلبت ممن يريد التبرع توجيه الأموال مباشرة للمصابين للمساهمة في أي رعاية طبية قد يحتاجونها بعد ذلك. وهو ما أكدته هبة حيث تقول: "الناس تبرعت بكل شيء، لم يكتفوا بالأدوية والمستلزمات البسيطة بل تبرعوا بأجهزة تعقيم وأخري معقدة ومرتفعة الثمن. النقص الذي عانينا منه فقط كان في أدوية الAntidots المضادة للسموم الموجودة في الغازات وهي أدوية بداخلها عناصر كيميائية بنسب محددة ولايمكن لأي شخص شراؤها دون روشتة طبيب، لذلك كنا نتأخر بعض الوقت في جلبها" المستشفي الميداني خلف هارديز يقع في ممر لمسجد عباد الرحمن، الدكتورة غادة المرشدي استشاري جراحة وجه وكفين قالت إن المستشفي تم تكوينه في أيام ثورة 25 يناير وتم تجهيزه مرة أخري منذ السبت 19 نوفمبر الذي شهد مواجهات دموية بين الشرطة ومعتصمي التحرير وأضافت أن "ماحدث يوم السبت كان مذبحة، موقعة الجمل بالنسبة لما وقع يومها "كان لعب عيال"، في يناير كان لدينا رفاهية أن نستدعي عربة إسعاف لنقل المصابين إلي المستشفيات، لكننا هذه المرة كنا نستقبل حالات مصابة بالرصاص الحي والخرطوش ونكون غير قادرين علي نقلها" الأطباء في بعض الأحيان كانوا يقفوا عاجزين أمام حالات كانت تعرض عليهم، وهو مافسره أحمد حجازي طالب في كلية صيدلة ومتطوع في المستشفي "المصابون كانوا يأتون لنا في حالات رعشة أشبه إلي الصرع نتيجة لاستنشاقهم غاز لانعرف طبيعته، وبالتالي كل السوائل والبخاخات التي كنا نستعملها في الأيام الأولي صارت عديمة المفعول، لم يكن أمامنا سوي الانتظار حتي تتحسن حالتهم وننصحهم بعدم التعرض للغاز مرة أخري مباشرة، لأن استنشاق كمية كبيرة منه قد يؤدي إلي وفاتهم" الأطباء في المستشفي لم يكتفوا بالبقاء داخله في انتظار توافد المصابين، لكن مجموعة منهم قرروا أن يكونوا فريقاً ينزل إلي أرض المعركة لكي يداوي الجرحي في أسرع وقت ممكن. ويتكون هذا الفريق من 6 أطباء وصيدلي ينزلون إلي أكثر المناطق اشتعالاً في شارع محمد محمود.وقال أحد الأطباء المشاركين في هذه المجموعة إن متبرعين جلبوا لهم أدوات للأمن الصناعي وماسكات للغاز تحمي الوجه بالكامل. وأكد الطبيب أنهم لايخشون الخطر وأنهم أقسموا وتعاهدوا أن ينقذوا أي مصاب سواء إن كان من المتظاهرين أو حتي من عساكر الأمن المركزي. وقال الطبيب إن المستشفي الميداني استقبل بالفعل مصابين من الأمن المركزي وتم تقديم الخدمة العلاجية اللازمة لهم في إطار المتاح. من الممكن أن نختلف مع المتظاهرين في التحرير، مع أهدافهم، مع أسباب اعتصامهم، لكن بالتأكيد من يقترب من التحرير أكثر (خاصة في أيام المواجهات) يعلم تماماً أنه يري وجهاً مغايراً لمصر. يري المصريين في صورة لايراها عادة، يراهم متعاونين، متقاربين، متحدين، كل منهم يساعد الآخر، يضحي ويفعل كل مابوسعه من أجله. في هذا المستشفي هذه الروح موجودة بوضوح، وهو مايجعلنا نتساءل: هل بالفعل المعدن المصري لايظهر إلا في وقت الشدة. لماذا لانري هذا التعاون وهذا التلاحم في كل مكان، لماذا لانراه في شوارعنا وفي مدارسنا وفي عملنا؟ لانعلم لكننا نتمني. نحلم أن تنتقل روح التحرير لكل فرد في أرض مصر، ووقتها سيتغير حالنا ومستقبلنا.