ما إن انتهيت من تأدية مناسك الحج بفضل من الله وتوفيقه حتي شددت الرحال إلي المدينةالمنورة.. مشع نور الرسالة.. ومثوي أعظم مخلوقات الله سيدنا محمد ([). وما إن اقتربت من الحرم النبوي الشريف، وسر ناظري بمشهد القبة الخضراء، ومآذنه العالية الباسقة والتي تعانق السموات، ومشاهد مواكب آلاف الآلاف في الطريق إلي هذه البقعة الزكية التي اختارها الله تعالي لتكون مسجد أكرم رسله وأحبهم إليه، حتي استعادت ذاكرتي مشاهد من السيرة العطرة: من هذا المسجد المبارك انطلقت دعوة الإسلام لتملأ الكون كله نورا، بنور النبي ([) الذي قال الحق تبارك وتعالي عنه: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) ليخرجنا من الظلمات إلي النور، فهو إمامنا الذي دلنا علي القرآن الكريم، ليكون ([) هو النور! وما إن اقتربت قدماي من أعتاب هذا المسجد الشريف الذي ارتفع فيه أول آذان لينتشر صوت الحق ويبلغ آفاق الأرض من مشرقها إلي مغربها، حتي تهادي إلي سمعي ذلك النشيد الخالد: هكذا استقبلت أنور البقاع أحب خلق الله، وهكذا أيضا ملأت أصوات المؤمنين الأنصار الطيبين أرجاء طيبة الطيبة، ترحيبا بقدوم أعظم مخلوق ([)، ليبدأ تاريخ منير مجيد للإنسانية كلها، ولتتحول الواحة الوديعة في صحراء الحجاز إلي قلب العالم النابض ومصدر إلهامه، ولتكون »يثرب« نقطة انطلاق لدعوة الإسلام الخالدة إلي يوم الدين! عندما أذن الله لرسوله ([) بالهجرة، نزل بوادي قباء يوم الأثنين الثاني عشر من ربيع الأول الموافق السنة الأولي من الهجرة (226م) فصلي فيه مؤسسا مسجد قباء، ومكث بها »قباء« أربع ليال، سار بعدها ممتطيا ناقته حيث أمرها الله، وكلما مر رسول الله ([) ببيت من بيوت الأنصار وهموا أن يأخذوا بخطام ناقته لينزل عندهم رسول الله كأكرم ضيف، فيقول لهم رسولنا الكريم: (خلوا سبيلها فإنها مأمورة) وسارت الناقة المباركة تحمل النور الذي أضاء الكون كله حتي وصلت إلي هذه البقعة الطاهرة التي اختارتها السماء، فنزل عنها رسول الله ([) وقال: (هذا هو المنزل إن شاء الله)، وبعدها بدأ المصطفي بتجهيز الموقع، والجميل والرائع أنه ([) بدأ البناء بنفسه.. قمة التواضع.. وارتفعت أصوات أطهر المؤمنين وهم يحملون أولي لبنات المسجد الشريف تردد: لئن جلسنا والنبي يعمل هذا هو العمل المضلل فيجيبهم المصطفي ([): اللهم إن الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة صلوات الله تعالي وتسليمه علي أول المسلمين، وأمير الأنبياء، ونصير الضعفاء.، وأفضل الرسل، وخاتم المرسلين، الذي بلغ الرسالة، وأدي الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وعبدربه حتي أتاه اليقين. هو ([) الذي كافح وجاهد حتي مكن للعقيدة الإسلامية النقية أن تستقر في الأرض، وينتشر الإسلام في دنيا الناس، فكان الضياء الهادي رحمة للعالمين. إن محبة الرسول ([) من حب الله، فلا يكون محبا لله إلا من اتبع سنة رسول الله، لأن الرسول ([) لا يأمر إلا بما يحب الله، ولا يخبر إلا بما يحب الله التصديق به، فمن كان محبا لله لزم أن يتبع الرسول ([) ويتأسي به حتي يصل إلي كمال الإيمان وتمامه، وحب سنة الرسول من حب رسول الله ([) مصداقا لقوله: » من أحب سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة«.
اللهم يامعيدا أعدني إلي بيتك المحرم، وزيارة حبيبك المكرم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين..