ولد سيدنا محمد في مكةالمكرمة.. بجوار البيت العتيق.. من أبوين كريمين.. ولجد عرف بالمروءة والنبل وحب الله واطعام الطعام وأكرام ضيف بيت الله الحرام.. ولد سيدنا محمد في البيت الذي يملكه في مكة في المكان المعروف في مكةالمكرمة بمكتبة المولد النبوي الشريف. هنا ولد رسول الله في هذا البيت المتواضع.. هنا نشأ رسول الله.. ومن هنا دعا الي الله.. هنا أنزل عليه الوحي في مكةالمكرمة, في غار حراء, فوق جبل النور الذي يطل علي مكةالمكرمة وعلي الكعبة المشرفة, الذي كان يتحنث فيه.. هنا في مكة في هذه الربوع نشأ وترعرع, وأكرمه الله وحفظه وصانه:( فإنك بأعيننا).. هنا في هذا البلد الحرام ساق الله اليه اشرف نساء مكةالمكرمة خديجة بنت خويلد التي جعلها الله بهذا الزواج سيدة نساء العالمين.. وهي التي كانت أول من آمن به وصدقته ودثرته, وزملته, ووقفت معه بكل ماتملك ومن تملك.. أنها خديجة الكبري ودارها معروف بمكةالمكرمة.. فهذا النبي الكريم ولد بمكة, ويفرح أهل مكة ويحتفون بمولده طوال العام, ويعقدون لذلك المجالس, ومنذ القدم يشعر أهل مكة ببركات سيدنا محمد التي انهالت علي قومه وعلي الانسانية جمعاء وهو لايزال جنينا في بطن أمه, وذلك عندما رد الله سبحانه وتعالي كيد ابرهة وجيشه عن مكة وعن الكعبة المشرفة, فهزمهم شر هزيمة, وحفظ للمكان المقدس قدسيته, وصان له حرمته. ثم توالت البركات, فأعتق أبولهب ثويبة جاريته الاسلمية عندما وافته ببشري مولده صلي الله عليه وسلم, فكان ذلك بركة للجارية, ورحمة وعتقا وتحررا, وإيذانا بما سوف يتم علي يدي هذا الوليد المبارك من انتهاء كل أنواع استعباد الإنسان لأخيه الإنسان. ولاينبغي أن ننسي بركاته صلي الله عليه وسلم علي حليمة السعدية, التي جاءت من باديتها مع المرضعات يلتمسن الرضعاء في سنة شهباء وعرض عليهن اليتيم فأبين جميعا ان يأخذنه, وأخذته حليمة لأنها كرهت أن تعود بلا رضيع, فكان ماجعلها تقول:( خرجنا الي مكة علي أتان عجفاء, ومعنا ناقة مسنة, والله ماتبض بقطرة, وما ننام ليلنا من بكاء طفلنا الجائع, فلما أخذت محمدا ووضعته في حجري جاد ثدياي بما شاء الله من لبن, فشرب حتي روي, وشرب ولدي حتي روي وناما). ومازال يتقلب في مكةالمكرمة برعاية رب البيت, هذا النبي الكريم ابن مكة, والذي شاء الله له أن يولد بجوار البيت.. بيت الله العتيق, وظل يتقلب في أطوار حياته المباركة فيها حتي تزوج بالسيدة خديجة بنت مكةالمكرمة رضي الله عنها ورزق منها بأولاده فيها, وشهد له الجميع بالأمانة والصدق, فعندما قامت قريش بتجديد بناء الكعبة, واختصموا علي وضع الحجر الأسود, جاء الأمين وقرروا تحكيم أول داخل من الباب, وكان هو سيدنا رسول الله.. سيدنا محمد بن عبد الله الصادق الأمين.. فصاحوا جميعا بارتياح: جاء الأمين.. جاء الأمين. ولهذا عندما نري أهل مكة يحتفون بالمولد فمرد ذلك الي الحب الكبير في نفوسهم, كما نري أن المسلمين في بقاع الأرض يشعرون بسعادة غامرة وهم يحتفون بيوم المولد النبوي الشريف, ويتذكرون ذلك التاريخ العريق, ويقرأون السيرة النبوية, ويعيشون في أجواء من الفرحة بذكري هذا المولد المبارك, والعقلاء من الناس هم من يلتزمون في هذه المناسبات بآداب السيرة ويسيرون علي هدي المصطفي صلي الله عليه وسلم في الاحتفاء بها, فقد بدأ سيدنا وحبيبنا محمد بن عبد الله بالاهتمام بهذه الذكري العطرة, حيث كان يصوم يوم الاثنين لأنه يوم ولادته, وبذلك علم الأمة أن الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف بالصورة التي فعلها صلي الله عليه وسلم أو بصور قريبة منها مثل التجمع لقراءة القرآن أو التجمع لقراءة جوانب من السيرة العطرة أو الفرح بمولده بسماع القصائد التي قيلت فيه صلي الله عليه وسلم وفي ولادته ونشأته وسيرته هو أمر محبب. وأنا في حديثي اليوم أود ان ألقي الضوء علي طريقة احتفاء أهل مكةالمكرمة بالمولد النبوي الشريف لأنه صلي الله عليه وسلم ولد في مكة وهي البقعة التي باركها الله وجعل فيها بيته الحرام واختارها لتكون مولدا لأحب أحبابه وخاتم انبيائه وأقرب رسله منه وصفوة خلقه أجمعين صلوات الله وسلامه عليه, وهي بلدة يهيؤها وضعها وتؤهلها مكانتها للحظوة بهذا الشرف الذي مابعده شرف لأن تكون مطلعا لهذه الشمس التي لم تطلع في سماء الهداية والعرف شمس مثلها ولن, حتي يقوم الناس لرب العالمين, وتتبدل الأرض غير الأرض والسموات. ومن أجدر بهذا الحظوة من مكة التي فيها أول بيت وأعظم بيت وضع للناس إنها وحدها الخليقة أو الجديرة بأن يولد بها خاتم الأنبياء وأعظم الرسل الذي لم يرسل الله رسولا قبله للناس كافة. ومكة هي البقعة المباركة التي اختارها الله ليجعلها حرما مباركا, فلما حرمها إبراهيم أصبحت حرما آمنا بعد ان كان الناس يتخطفون من حولها فهي إذن وحدها الخليقة بأن تكون مولدا لمن اختاره الله وأرسله رحمة للعالمين أجمعين. وقد ارتبطت بميلاده صلي الله عليه وسلمأشياء كثيرة تفوق الحصر: منها: كما ذكرت قصة ثويبة الجارية التي أعتقها أبولهب حين بشرته بولادة ابن أخيه محمد صلوات الله وسلامه عليه وقد كان من الممكن ألا يكون لهذه الحادثة أمر يذكر لولا العداء الذي أظهره أبو لهب وزوجه( حمالة الحطب) لرسول الله صلي الله عليه وسلم, فكانت المقابلة بين هذه العداوة وتلك الفرحة بميلاده صلي الله عليه وسلم معلما بينا يلقي الضوء ساطعا علي مكان الولادة ويثبت ذلك ويرسخه في عقول الناس خاصة بعد أن أصبحت هذه القصة تدور ليس حول شخص عادي وإنما حول رجل غير مجري التاريخ وأحدث في العالم عامة وفي الجزيرة العربية خاصة دويا لم يشهد له التاريخ من مثيل. ومنها: ما ذكره ابن هشام تحت عنوان إعلام جده عبد المطلب بولادته صلي الله علي وسلم قال: فلما وضعته أمه أرسلت إلي جده أن قد ولد لك غلام فأته فانظر إليه فأتاه فنظر إليه وحدثته أمه بما رأت حين حملت به وما أمرت أن تسميه وقد فرح جده وأخذه فدخل الكعبة وقام يدعو الله ويشكره علي ما أعطاه منشدا: الحمد لله الذي أعطاني هذا الغلام الطيب الأردان قد ساد في المهد علي الغلمان أعيذه بالبيت ذي الأركان حتي أراه بالغ البنيان أعيذه من شر ذي شنان من حاسد مضطرب الجنان ورد عبد المطلب الوليد الكريم إلي أمه, ثم أمر بأن تنحر الذبائح وتولم الولائم ويطعم الناس في الحرم. وإن شخصا يفرح بميلاده مثل هذا الفرح وتخرق لوضعه العادة لخليق ألا ينسي مكان ولادته خاصة إذا جمع المجد من أطرافه ودخل التاريخ من أوسع أبوابه وفاق كل من دخلوه قبله ومن يدخلونه من بعده حتي يرث الله الأرض ومن عليها. ومنها: ما روته أم عثمان بن أبي العاص مما شاهدته من العجائب قالت: شهدت آمنة لما ولدت رسول الله صلي الله عليه وسلم فلما ضربها المخاض نظرت إلي النجوم تدلي حتي أني أقول لتقعن علي فلما ولدت خرج منها نور أضاء له البيت الذي نحن فيه والدار فما شيء أنظر إليه إلا نور. وقالت مثل ذلك الشفاء في حديثها المشهور: إنها حضرت الولادة, وأنها رأت نورا يسطع في جميع الدنيا والملائكة ترد علي رسول الله صلي الله عليه وسلم فتقول: رحمك الله. ولا شك أن بيتا يمتلئ بالنور ثم يسطع هذا النور في جميع جهات الدنيا منبعثا من هذا البيت ثم يخيل للحاضرين أن النجوم تدنو وتتدلي حتي لتقول أم عثمان ابن أبي العاص: لتقعن علي إن مولدا ترتبط به دون هذه الأمور بكثير لخليق أن يزداد كل يوم رسوخا في ذاكرة التاريخ, فهل نحتاج بعد ذلك إلي دليل؟! وهناك كما أسلفت ما ذكرته السيدة حليمة السعدية رضي الله عنها خاصة بأنها كما تقول: خرجت في نسوة من بني سعد بن بكر نلتمس الرضعاء في سنة شهباء حتي قدمنا مكة فما من امرأة إلا وقد عرض عليها محمد فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم فهي تذكر أن مكةالمكرمة هي مولد رسول الله صلي الله عليه وسلم, ولقد أسلمت هي وزوجها, كما اسلمت الشفاء, كما كان هناك كثيرون من أقارب النبي صلي الله عليه وسلم ممن عاصروا مولده الشريف ثم دخلوا في الإسلام, فكان لذلك بعد بل أبعاد تزيد من ترسيخ مكان ولادته صلي الله عليه وسلم في العقول وفي التاريخ. ولا شك أن البيت الذي ولد فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم هو بيت والده عبد الله بن عبد المطلب وهو البيت الذي يقع في رباع بني عبد المطلب فليس معقولا أن يولد في دار الندوة لأنها ليست دار أبيه, كما أنها دار لإبرام الأمور وليس معقولا كذلك أن يولد في بيت العباس ما بين الصفا والمروة, ولا في بيت أم هانئ, ولا في بيت خديجة بنت خويلد القريبة من ردم عمر, ما دام لأبيه صلي الله عليه وسلم بيت هو الأولي بأن يولد فيه... ولم يذكر التاريخ سببا يمنع من ذلك. وعليه فالمكان المعروف الآن في مكةالمكرمة بمكان المولد هو مكان ثبت بالتواتر وهو في أول شعب علي وفي مكان المكتبة المعروفة الآن بمكتبة المولد النبوي التي بناها الشيخ عباس قطان في نفس مكان المولد المعروف وهو مكان الدار التي تدعي لمحمد بن يوسف أخي الحجاج, وقول الإمام السهيلي( ولد بالشعب وقيل بالدار التي عند الصفا) يؤكد هذا الكلام, لأن الدار تقع عند بداية الشعب ومطلة علي الصفا وهي أيضا قرب منطقة سوق الليل التي تحدث عنها تقي الدين الفاسي عندما استغرب قول الإمام السهيلي فقال:( مولد النبي صلي الله عليه وسلم بسوق الليل وهو مشهور) فالدار في اسفل الشعب بل في أوله فيما بقي منه الآن, أي ما بقي من أسفل الوادي, وهي في منطقة سوق الليل وعلي مقربة من الصفا ولا يستبعد نسبها الي الصفا لقربها منه وكلام تقي الدين الفاسي ينطبق علي ذلك لأنها في منطقة, سوق الليل أو علي مقربة منها ويؤيد هذا ما تلقته الأجيال جيلا بعد جيل. فهنيئا لمكةالمكرمة هذا الشرف الذي تتيه به علي سائر الأماكن أن ولد فيها سيد الخلق اجمعين صلوات الله وسلامه عليه. وهنيئا للمدينة المنورة أن هاجر اليها صلي الله عليه وسلم.. وهنيئا لها أيضا أن تضم جسده الطاهر الشريف. هنيئا لنا جميعا نحن المسلمين في جميع أنحاء العالم بأن نحظي بشرف اتباعه صلي الله عليه وسلم وأن نكون من أمته.. ونسأل الله أن نرد عليه الحوض إن شاء الله وأن نشرب من حوضه, وأن نحظي بشفاعته.. ونحشر في زمرته صلي الله عليه وسلم.