كنا صغارا نلهو ونلعب.. أيام المدرسة هي أحسن أيامنا استمتاعا ببراءة الصداقة وصدق التماسك في أتوبيس المدرسة ذهابا وعودة نسمع أغاني عبدالحليم ونتبادل النكات والتعليقات علي المدرسات ومديرة المدرسة ومن غابت من الزميلات، أما علياء فقد لاحظت عليها بعد فترة صمت يزداد يوما بعد يوم وكانت من قبل أكثر البنات تهريجا وضحكا مع كل يوم جديد ألمح الدموع تغالب عينيها وتجري مبتعدة كي لاتراها البنات.. أصبح هذا حالها كلما سألتها عما بها لاتنطق وتكتفي بدموع تمسحها فور نزولها وتبتسم ابتسامة صامتة يكسوها الحزن بعد شهور ظل حالها كما هو وفجأة انقطعت عن المدرسة والأتوبيس كان لايمر علي بيتها بداية تصورتها مريضة فانتظرت أياما كثيرة وأخبرت أمي التي نصحتني بالسؤال عنها في إدارة المدرسة وعندما فعلت علمت أنها تركت المدرسة نهائيا لأخري أقرب لبيتها في إجازتي الأسبوعية استأذنت أمي وذهبت إليها.. قابلتني بلهفة وترحاب ودموع غزيرة أخبرتني أن أباها قد تركهم منذ شهور طويلة وظلوا يبحثون عنه محتملين عبء الأضرار المادية التي تعرضوا لها بتركهم.. ولم تسفر كل محاولات بحثهم المستمرة عن معرفة مكانه أو شيء عنه زادت الأعباء المالية عليهم فاضطرت والدتها وهي سيدة رائعة الجمال وذات شخصية جذابة أن تنقلها إلي مدرسة حكومية توفيرا للنفقات.. واستطاعت بصبرها وجلدها أن تساعد أولادها الثلاثة علي تكملة تعليمهم الجامعي فتخرج الأول في كلية الهندسة والثاني الصيدلة وتخرجت صديقتي التي استمرت صداقتي بها قوية متينة في كلية التجارة والتحقوا بالعمل في أماكن هامة وتزوجوا وأصروا علي أن يدخر ثلاثتهم جزءا كبيرا من دخلهم لسفر أمهم التي تحملت هوان تربيتهم والإنفاق عليهم وكانت لهم نعم الأم والأب وكانت صديقتي رغم السنين دائمة السؤال عن أبيها تلمح لأمها بين الحين والآخر عنه هو مفيش أي أخبار.. الأم لاترد وكأنها لم تسمع وتذهب لعمها تسأله نفس السؤال وتعود لعمتها لتكرر عليها سؤالها وتجلس لأخويها تسألهما وتوجه لهما لوما شديدا لتوقفهما عن البحث عنه لأنه أكيد حي لو كان مات لشاع الخبر وعرفنا ومع تزايد إلحاحها لم تجد لعذابها في فقد أبيها إجابة حتي ماتت أمها التي تحملت أقدارها بشجاعة وإيمان وبعد ثلاث سنوات من موتها جاء أحد زملائها بجريدة بها نعي لشخص يحمل نفس اسم أبيها.. كان العزاء بنفس اليوم توجهت إليه هناك عرفت أن لديه أولادا وبنات آخرين وأنه تركهم ليتزوج عاش بإحدي المحافظات النائية وأن أمها كانت علي علم بما فعله لكنها رأت عدم إخبار أولادها حتي لاتملأهم غضبا وكرها علي الذي تركهم وتنكر لوجودهم وحرمهم من حنانه وعطفه ورعايته.