صيف 1958 جمال يقوم بتصوير تحية على الشاطئ فى برج العرب عاشت مع جمال عبدالناصر ثماني سنوات قبل الثورة، وثمانية عشر عاما بعد قيامها في 32 يوليو سنة 2591. تزوجا في 92 يونيو سنة 4491.. أي أنها عاشت معه ستة وعشرين عاما وثلاثة أشهر. تقول السيدة تحية محمد كاظم.. أو تحية عبدالناصر: »لم أفتقد أي شيء بعد رحيله إلا هو.. لم تهزني الثمانية عشر عاما إلا أنه زوجي الحبيب.. أي لا رئاسة الجمهورية ولاحرم رئيس الجمهورية«.. لقد عشت هذه السنين الطويلة قبل رحيل الرئيس (لقد اعتدت أن أقول الرئيس لأني أشعر بأني لا أستطيع أن أقول غير الرئيس).. كانت مليئة بالمفاجآت، بل كانت كلها مفاجآت وأحداثا، لكنها بالنسبة لي لم تكن صعبة، بل كنت سعيدة مرحة.. وفي أصعب المآزق التي كنت أشاهدها كنت أحيانا أضحك من المصيبة التي ربما تحل بي، لكنها والحمدلله كلها مرت علي خير«.. لكن كيف تعرف جمال عبدالناصر بتحية؟.. وكيف تزوجها؟ تقول السيدة تحية »حرم الرئيس«: كانت عائلتي علي صداقة قديمة مع عائلته، وكان يحضر مع عمه وزوجته التي كانت صديقة لوالدتي، ويقابل شقيقي الثاني، وأحيانا كان يراني ويسلم عليَّ.. وعندما أراد أن يتزوج أرسل عمه وزوجته ليخطباني، وكان وقتها برتبة يوزباشي، فقال أخي وكان بعد وفاة أبي يعُد نفسه ولي أمري إن شقيقتي التي تكبرني لم تتزوج بعد، وكان هذا رأي جمال أيضا، وقال: إنه لايريد أن يتزوج إلا بعد زواج شقيقتي.. إن شاء الله يتم الزواج.. وبعد حوالي سنة تزوجت شقيقتي بعدها لم يوافق أخي علي زواجي.. لقد كانت تقاليد العائلة أن لي الحق في رفض من لا أريده ولكن ليس لي الحق في أن أتزوج من أريده، وكنت في قرارة نفسي أريد أن أتزوج اليوزباشي جمال عبدالناصر. بعد شهور قليلة توفيت والدتي فأصبحت أعيش مع أخي وحيدة إذ كان أخي الثاني في الخارج.. وفي يوم زارتنا شقيقتي وقالت: إن عم اليوزباشي جمال عبدالناصر وزوجته زاراها وسألا عني، وقالا لها: إن »جمال« يريد الزواج من تحية، وطلبا منها أن تبلغ أخي.. فرحب أخي وقال: إننا أصدقاء قدماء وأكثر من أقارب، وحدد ميعادا لمقابلتهم، وكان يوم 41 يناير سنة 4491. قابلت جمال مع أخي، وتم تحديد الخطوبة ولبس الدبل والمهر وكل مقدمات الزواج بعد أسبوع.. وفي يوم 12 يناير 4491 أقام أخي حفل عشاء.. دعونا أقاربي، وحضر والده وطبعا عمه وزوجته، وألبسني الدبلة وقال لي إنه كتب التاريخ يوم 41 يناير.. وكان يقصد أول يوم أتي لزيارتي. قال له أخي: إن عقد القران يكون يوم الزفاف بعد إعداد المسكن، علي أن يحضر مرة في الأسبوع بحضور شقيقتي أكبرنا أو بحضوره هو.. وطبعا كان وجود أخي في البيت قليلا فكانت شقيقتي تحضر قبل وصوله.. وقبل جمال كل ما أملاه عليه أخي، وقد أبدي رغبته في الخروج معي طبعا بصحبة شقيقتي وزوجها فلم يمانع أخي. لاحظت أنه لايحب الخروج لنذهب لمكان، مجرد قعدة أو نتمشي في مكان، بل كان يفضل السينما وأحيانا المسرح لاسيما مسرح الريحاني.. وكان كل شيء بالنسبة لي جديدا.. كان لايضيع وقتا هباء بدون عمل شئ.. وكل الخروج كان بالتاكسي.. وكنا نجلس في بنوار أو لوج سواء في السينما أو المسرح.. بعدها نعود إلي بيتنا ونتناول العشاء سويا. بعد خمسة أشهر ونصف تم زفافي لليوزباشي جمال عبدالناصر.. يوم 92 يونية سنة 4491. تقول السيدة تحية عبدالناصر: »بعد سنوات من زواجنا.. أذكر كنا علي السفرة وقت الغداء وكل أولادنا موجودون وجاءت ذكري أخي عبدالحميد فقال الرئيس لأولاده وهو يضحك: الوحيد في العالم الذي أملي عليّ شروطا وقبلتها هو عبدالحميد كاظم.. وضحكنا كلنا« في بيت الزوجية لم أكن رأيت مسكن الزوجية من قبل ولا الفرش أو الجهاز كما يسمونه.. وكان في الدور الثالث.. صعدنا السلالم حتي الدور الثاني، ثم حملني حتي الدور الثالث.. حيث يوجد مسكننا، وكان طابقا بأكمله، وله ثلاثة أبواب.. باب علي اليمين وباب علي اليسار وباب علي الصالة .. الأول يوصل لحجرة السفرة، والثاني لحجرة الجلوس، والثالث.. وهو باب الصالة في الوسط.. وجدنا البيت كله مضاء.. مكونا من خمس غرف.. أمسك جمال بيدي وأدخلني كل حجرات المنزل لأتفرج عليه.. وقد أعجبني كل شيء وكنت في غاية السعادة. بدأت حياتي بسعادة مع زوجي الحبيب، وكنا نعيش ببساطة بمرتب جمال.. وتركت أخي وثراءه، ولم أفتقد أي شيء حتي التليفون.. لم أشعر بأن هناك شيئا ناقصا ونسيته. أول مرة خرجت كانت بعد ثلاثة أيام من زواجنا.. ذهبنا إلي المصور أرمان لنري بروفة الصور، وكانت اثنتين.. قال لي جمال: اختاري التي تعجبك.. واخترت الصورة التي هي معلقة في صالون منشية البكري مع صور أولادنا الآن. وتستطرد السيدة تحية عبدالناصر.. تقول: قبل جلاء الإنجليز عن مصر وقت المباحثات، كان جمال يحضر العشاء مع بعض الأجانب وكنت أدعي معه ويعتذر عن عدم حضوري، ويقول لي بعد رجوعه البيت: إنك كنت مدعوة معي وإعتذرت.. وكانت سيدات أجانب من الضيوف وزوجات السفراء يطلبن مقابلتي ويحدد لهن ميعادا لزيارتي وأتعرف عليهن.. كنت أجد صعوبة في التحدث باللغة الانجليزية، ففكرت في إتقانها وأحضرت كتبا وبدأت أقرأ كثيرا بمساعدة أستاذة في اللغة الانجليزية، كانت تعلمني الطريقة التي أتقدم بها في اللغة.. وكنت مهتمة وأظل أقرأ وأكتب وقت سهر جمال، وكان أحيانا عند رجوعه في ساعة متأخرة يجدني لم أزل مستيقظة.. وطبعا كنا نضحك.. أما اللغة الفرنسية فكنت قد قضيت بضع سنوات وقت الدراسة أتعلمها، ولم أجد صعوبة في التحدث بها وتقدمت فيها بالقراءة أيضا. في صيف سنة 5591 بعد رجوع الرئيس من مؤتمر باندونج زارته في منزلنا بمنشية البكري سيدة أمريكية تدعي »فلوركاولز« وهي زوجة صاحب مجلة »LOOK « الأمريكية ، وكان برفقتها عبدالقادر حاتم، وكان وقتها مديرا للاستعلامات.. وبعد انتهاء الزيارة طلبت مقابلتي ورؤية أولادنا وأخذ صورة لنا مع الرئيس، وقد نشرت الصور في مجلات أمريكية منها »تايم« ومجلات فرنسية.. ومازلت أحتفظ بها.. وكانت أول صورة تنشر للرئيس مع زوجته وأولاده.. وكان عبدالحكيم أصغر أبنائنا يبلغ من العمر وقتها أربعة أشهر. في صيف سنة 5591 ذهبنا إلي الإسكندرية لقضاء الصيف هناك.. كان الرئيس يحضر مرات قليلة إلي الإسكندرية ولا يمكث أكثر من يومين أو يوم، ولم يكن حضوره بهدف الاستمتاع بالبحر، فلم أره ذهب إلي الشاطئ أبدا، وكان يحضر ليمضي معنا بعض الوقت. وبعد انتهاء الصيف.. أي في شهر سبتمبر رجعنا للقاهرة.. وحتي هذا الوقت لم أكن قد خرجت مع جمال أبدا بعد قيام الثورة.. فلم يكن لديه وقت لنخرج سويا.. وكنت أذهب إلي السينما والمسرح الذي أحبه وترافقني إحدي السيدات من أقاربي أو زوجات الضباط.. وكان جمال يشجعني علي ذلك، ويظهر عليه الارتياح والسرور عندما يعرف أني خرجت. زيارة زوجة تيتو في ديسمبر سنة 5591 كما تحكي تحية عبدالناصر حضر الرئيس اليوجوسلافي جوزيف بروز تيتو وزوجته السية »يوانكا« إلي مصر في زيارة لأول مرة.. وكانت السيدات بعد الثورة لا يزلن لا يشتركن في المآدب التي تقام للضيوف، فحضرت السيدة »يوانكا« لزيارتي مع السيدات المرافقات لها في منزلنا في منشية البكري، وأقمت مأدبة عشاء لهن حضرتها زوجات الوزراء. طلبت السيدة قرينة الرئيس تيتو رؤية أولادنا.. وهي طيبة جدا ورقيقة وتحب الأطفال، وطلبت رؤية عبدالحكيم وكان عمره أحد عشر شهرا، وحملته بين ذراعيها وقبلته.. زرتها في قصر القبة بمفردي، وكانت أول ضيفة أزورها في قصر القبة.. وأثناء الزيارة دخل الرئيس تيتو الصالون وصافحني وجلس معنا لدقائق.. ❊ وعن زيارتها الأولي خارج مصر مع الرئيس عبدالناصر.. تقول السيدة تحية: سنة 8591 تمت الوحدة مع سوريا في شهر فبراير.. وزاد شغل الرئيس فوق أعبائه وسافر لسوريا ومكث شهرا وبقيت في القاهرة. في صيف سنة 8591 ذهب الرئيس ليوغسلافيا وأصطحبني معه بدعوة من الرئيس تيتو، وبإلحاح في دعوتي والأولاد.. سافرنا علي المركب »الحرية« وكانت أول مرة يصطحبني معه وأسافر إلي الخارج.. ذهبت مع الأولاد للإسكندرية ووصلنا للمركب ثم حضر بعدنا، وكان يرافقنا في الرحلة الدكتور محمود فوزي وزير الخارجية ومحمد حسنين هيكل وزوجتاهما. عندما وصلنا ميناء دبروفننج كان في استقبالنا الرئيس تيتو والسيدة حرمه.. وكنت أول مرة أشاهد استقبالا رسميا أو أكون في مكان رسمي، وكانت الموسيقي تعزف ونقف ثم نسير وأنا بجانب الرئيس، وكان يلتفت بسرعة ويقول لي هامسا أقف أو أمشي أو أتقدم بضع خطوات حتي لا أغلط.. ومشيت بتوجيهه همسا ولم أرتبك.. غادرنا دبروفننج إلي جزيرة بريوني ومكثنا فيها يومين ثم غادرناها بالعربات وكنا ننتقل في بلاد يوغسلافيا الجميلة بلدا بعد آخر.. وكانت تحصل لي مواقف أرتبك فيها، وفي البلد الذي نصل إليه أو نبيت فيه يستقبلنا رئيس جمهورية من جمهوريات يوغسلافيا كما هو النظام هناك.. وأذكر قبل مغادرتنا بلدا في الصباح قال لي الرئيس: سيكون موجودا رئيس الجمهورية الذي لم يكن قد حضر للبلد بعد عند وصولنا.. فسلمي عليه.. قلت: نعم.. وعندما نزلنا وكنت بجانبه وجدت واحدا واقفا في وسط الصالة في اللوكاندة لم أره من قبل فسلمت عليه، فنظر لي الرئيس وكان الرئيس تيتو مقبلا وبجانبه رجل آخر لم أره أيضا من قبل، وقال هامسا: سلمي علي الرئيس تيتو والذي بجانبه. وفي المساء ونحن بمفردنا قال لي: لقد قلت لك سلمي علي رئيس الجمهورية فوجدتك صافحت المتردوتيل أولا، وكان الرئيس يضحك وهو يتحدث فقلت له: لقد قلت لي إنه يوجد رئيس جمهورية البلد وقد حضر في الصباح فوجدت رجلا لم أره من قبل فقلت في نفسي هذا هو رئيس الجمهورية.. وضحك جدا وضحكت وقلت: سوف لا أغلط مرة ثانية. وتستطرد السيدة تحية عبدالناصر: ذات مرة كنا في استراحة القناطر وكنا راجعين للقاهرة في المساء، وكنت أركب العربة مع الأولاد ويركب الرئيس عربته.. وكان يفضل أن نسبقه.. كنا جالسين في الحديقة وأنتظر دخول العربة.. فقلت: لقد مضت ست سنوات لم أخرج معك في عربة.. فقال لي: فلتركبي معي ونرجع سويا، وكان أحد الضباط يقف بجوار عربة الرئيس وعندما رآني قال: تفضلي .. ومشي لعربتي وظن أني لم أنتبه لها فوجدني ركبت عربة الرئيس، وظهر عليه الارتباك فقلت للرئيس: إنهم مندهشون اليوم فقد مضت ست سنوات لم نخرج سويا في عربة. أول عشاء رسمي مع الرئيس تتذكر السيدة تحية أول عشاء رسمي حضرته مع الرئيس عبدالناصر.. كان ذلك بعد سبع سنوات من قيام الثورة.. تقول: في يونية 9591 حضرت أول عشاء رسمي مع الرئيس وكان لإمبراطور الحبشة هيلاسلاسي.. حضره الوزراء وزوجاتهم والسلك الدبلوماسي. وقفت بجوار الرئيس والامبراطور والمدعوون يمرون لمصافحتنا.. وبعد انتهاء الاستقبال شعرت بسرعة في دقات قلبي وإغماء، وكنت جالسة بجوار الرئيس والامبراطور.. أخبرته بما أشعر به، فقال لي أن أذهب واستريح في حجرة مكتبه.. وكنا في قصر القبة.. غادرت حفل العشاء وأحضر لي طبيبا وظل هو مع الامبراطور والمدعوين حتي انتهي العشاء.. وكنت تحسنت ورجعت لحالتي الطبيعية ورجعنا إلي البيت.. وفي اليوم التالي عمل لي فحص طبي، ولم يكن بي أي مرض إلا أنه مجرد انفعال لحضوري في حفل رسمي وأول عشاء لي وكان مع الامبراطور. وفي سنة 0691.. تلقي الرئيس دعوة من الرئيس تيتو، ودعاني والأولاد لنقضي أياما في جزيرة بريوني أثناء إجازة الصيف.. وكان الرئيس قد تلقي دعوة مماثلة من ملك اليونان ودعيت معه، وتكررت الدعوة فرتب أن نذهب لليونان في طريقنا لبريوني. وسافر كبير الأمناء لليونان قبل سفرنا فأخبره رئيس البروتوكول اليوناني أن العشاء يجب أن يكون بملابس السهرة للرجال والسيدات.. رجع كبير الأمناء وأخبر الرئيس فرد وقال: سوف لا أرتدي ملابس السهرة أو ألغي السفر لليونان.. اتصل كبير الأمناء برئيس البروتوكول في اليونان وأخبره بما قاله الرئيس، فكان الرد أن الملك يرحب بحضور الرئيس جمال عبدالناصر وينتظر زيارته باللبس الذي يريده.. المهم أن يزور اليونان. أقام ملك اليونان مأدبة عشاء حضرها أعضاء الأسرة المالكة والسلك الدبلوماسي ورئيس الوزراء والوزراء،وكان النظام أن يقف المدعوون علي جانبي البهو الكبير ونمر في الوسط لتحيتنا كما هي عادة الملوك.. وقفت الملكة بجوار الرئيس لتتأبط ذراعه وتمشي بجواره فقال لها: سأمشي بجوار الملك وأنت تمشين بجوار زوجتي، فسألته الملكة: وماذا لو تأبط ذراعك؟ قال لها: إني أخجل.. فرجعت الملكة ووقفت بجواري وقالت لي بالانجليزية: أعطيني يدك أو آخذ يد زوجك ومشينا وسط المدعوين يحيوننا.. الرئيس بجانب الملك وأنا بجانب الملكة.