في وقت تتعرض رموز مصر التاريخية لموجة من الهجوم بهدف الانتقاص منها وتشويه دورها التاريخي بهدف اللعب في ذاكرة الأمة وإضعاف روح الانتماء بين الشباب والشبيبة، تعالت الأصوات الرافضة لهذه الموجة وطالبت بضرورة احترام الدور التاريخي لعدد من الشخصيات التاريخية المحفورة في وجدان المصريين مثل عمرو بن العاص وصلاح الدين الأيوبي وسيف الدين قطز ومحمد علي باشا وأحمد عرابي وسعد زغلول، وأن يكون التعرض لمثل هذه الشخصيات في إطار النقد العلمي لا الانتقاص منها بغرض التشويه الذي يخفي أهدافا أخري. وسط الجدل في هذا الإطار جاء مشروع قانون تقدم به النائب البرلماني عمر حمروش، أمين سر لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب، بمشروع قانون تحت القبة تحت مسمي "تجريم الإساءة للرموز الدينية"، والذي يتكون من خمس مواد، تنص علي حظر التعرض بالإهانة لأي من الرموز والشخصيات التاريخية، وحدد الأخيرة بأنها "الواردة في الكتب، والتي تكون جزءًا من تاريخ الدولة وتشكل الوثائق الرسمية للدولة"، مع التشديد علي أن عقوبة من يهين الرموز ستكون السجن ما لا يقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن خمس سنوات، وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد عن 500 ألف جنيه. الدكتور أيمن فؤاد سيد، رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، قال ل "آخر ساعة" إن البحث في الشخصيات التاريخية وإطلاق الأحكام عليهم وتناولها يجب أن يتصدي له المتخصص الذي يمتلك الأدوات التي تعينه علي التصدي لقراءة أعمال الشخصيات، مشددا علي أن بعض غير المتخصصين يتصدون لذلك، مشددا علي أنه لابد من إتاحة حرية الرأي والبحث أمام الباحث، معلنا رفضه لمشروع القانون، قائلا: "الإعلام هو من يعطي للشخصيات غير المتخصصة مساحة للحديث عن الشخصيات التاريخية، هنا نحن لا نحتاج إلي قانون جديد يقلص هامش الحرية في البحث العلمي بل نحتاج إلي تعامل واع من وسائل الإعلام لمنع مثل هؤلاء من الظهور وإعطاء ما يقولونه أي أهمية". بدوره، قال الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس، ل "آخر ساعة" إن فكرة المشروع خاطئة من البداية لأن تحديد المقصود بالرموز التاريخية عملية نسبية وتخضع لاعتبارات عديدة، "فمن هو الرمز التاريخي؟ هل هو الشخصية السياسية أم الفنية أم الأدبية؟ هل يكون الاحتكام إلي معيار الإطلاق بأن كل الشخصيات المعروفة في تاريخ مصر من الرموز التاريخية أم أن الأمر مقصور علي عدد معين من الشخصيات ذات المواصفات المحددة؟". وأضاف الدسوقي: "مشروع القانون يفتح الباب أمام محاكم التفتيش وينهي عملية البحث التاريخي لأن أي بحث يتعرض لفترة تاريخية ويستعرض قرارات شخصيات الفترة قد يجد نفسه تحت طائلة القانون، لذا نرفضه تماما ونطالب بأن يقتصر الأمر علي المطالبة الواضحة والصريحة بأن كل من يتحدث عن شخصية تاريخية أن يقدم أدلته ووثائقه المعترف بها ويتم مناقشتها وتفنيدها من المتخصصين في الموضوع، لأنه لن تجد من يقف مع إهانة الشخصيات التاريخية التي أضافت لتاريخ مصر إلا من في نفسه مرض". "نرفض أي محاولة لتشويه ذاكرة الأمة المصرية واللعب في خريطة تفكير الشباب" هكذا بدأ الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس، حديثه ل "آخر ساعة"، مضيفا: "كنت من أول من هاجموا طريقة يوسف زيدان وغيره من تشويه الرموز التاريخية، عبر الإتيان بمعلومات مغلوطة حول صلاح الدين الأيوبي وأحمد عرابي وغيرهما، لكن رغم ذلك فقد انزعجت من مشروع القانون لأن به الكثير من الثغرات والتشدد والنقاط غير المحددة، فالمشروع يحتاج إلي تعديلات جوهرية تتعلق بمسألة تحديد مفهوم الرموز التاريخية لأنها نسبية فالشخص الذي قد اعتبره رمزا قد لا يجده شخص آخر كذلك". وذهب شقرة إلي أنه لا يري ضرورة إصدار القانون لأنه قد يستغل من قبل البعض في تضييق البحث العلمي، كاشفا عن تصور آخر لمواجهة موجة إهانة الرموز يعتمد علي محاصرة من يتطاول علي الرموز التاريخية وفضحهم عبر وسائل الإعلام أمام الرأي العام، ودعوة كبار المتخصصين لتفنيد هذه الشطحات غير العلمية، مضيفا: "الجمعية المصرية للدراسات التاريخية يجب أن تلعب الدور الأبرز في هذه المسألة، لأنها المسؤولة عن ذاكرة الأمة التاريخية، وقد طالبنا بضرورة عرض المسلسلات التاريخية علي الجمعية لمراجعتها من الناحية التاريخية، والاستعانة بالجمعية التاريخية هنا لا يعني أنها سلطة لكن دورها يؤخذ به من الناحية العلمية لأنها تضم المتخصصين في المسائل التاريخية المختلفة". من جهته، شدد الدكتور صبري العدل، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة مصر الدولية،علي أن مشروع القانون أمر جديد لم نعهده في تاريخ مصر، واقتراحه بالطبع لا يمكن فهمه لاعتبارات متعددة منها: تعريف الإهانة، وهل يشكل النقد الموضوعي إهانة؟ معني الرموز التاريخية؟ وما هو المقصود بالرمز التاريخي؟ فهل هم أشخاص أم مبان أم مؤسسات؟ فهل محمد توفيق باشا رمز أم أحمد عرابي؟ أيهما يعد رمزا تاريخيا لا يجب إهانته؟ وهل وزارة الخارجية مثلا تعد رمزا تاريخياً؟ وأضاف العدل ل "آخر ساعة": "المادة الثانية من مشروع هذا القانون في تعريفها للرمز التاريخي ذهبت إلي أن (المقصود بالرموز والشخصيات التاريخية الواردة في الكتب والتي تكون جزءا من تاريخ الدولة وتشكل الوثائق الرسمية للدولة)، وهذا يعني أن يتساوي أحمد عرابي الذي دافع عن مصر واستقلالها بالخديو توفيق الذي استدعي الإنجليز لاحتلال مصر، ويتساوي مصطفي كامل مع اللورد كرومر حيث وردت الشخصيتان في أحداث تاريخ مصر في مطلع القرن العشرين، وهكذا يمكن أن يكون المقاوم والخائن في نفس الصف". وأشار العدل إلي ما اعتبره تعارضا بين المادة الثالثة والرابعة، ففي حين نصت المادة الثالثة علي الحبس لمن يهين الرموز التاريخية، فيما أعفت من العقاب كل من تعرض للرموز التاريخية بهدف تقييم التصرفات والقرارات، وذلك في الدراسات والأبحاث، وقال: "لكن السؤال المهم من الذي يستطيع التفريق بين أن التعرض للشخصية كان بهدف الدراسة والتقييم أم الإهانة والتجريح؟كما أن هذا القانون من الممكن أن يكون مقدمة للتخلص من أشخاص بعينهم، بهذه الحجة، لكن أؤكد في النهاية أن حرية التعبير تظل هي مفتاح نجاح أي دولة وأن التضييق الفكري بحجج يمكن تفسيرها بأكثر من معني ليست في صالح هذا البلد". في المقابل، رد مقدم مشروع القانون النائب عمر حمروش، علي مخاوف الباحثين، قائلا ل "آخر ساعة": "تم الاستماع لآراء مختلف الأطراف وعليه تم استثناء الدراسات العلمية من مشروع القانون لأن الدراسة العلمية تتميز بأنها موثقة، فالباحث يأتي بالمعلومة ويذكر مصدرها في الهوامش آخر الصفحة"، لكنه شدد علي ضرورة إصدار القانون في أسرع وقت ممكن لوقف الإساءة للرموز التاريخية عبر وسائل الإعلام. وتابع حمروش: "تقدمت بمشروع القانون بعدما لاحظت أن هناك الكثير ممن يسيئون للرموز التاريخية دون سند أو دليل، في وقت تواجه الدولة المصرية تحديات خطيرة، ولقد تأخرنا كثيرا في إصدار مثل هذا التشريع في وقت توجد في عدة دول أوروبية تشريعات تجرم الإساءة للرموز الرياضية والفنية، فهل رموزنا التاريخية والسياسية أقل من رموزهم؟"، وكشف حمروش عن إحالة مشروع القانون إلي لجنة مشتركة من لجنتي "الشؤون الدستورية والتشريعية" و"الإعلام والثقافة والآثار"، لبدء مناقشته، مؤكدا أن جميع الآراء سيتم بحثها خلال جلسات النقاش داخل اللجنة.