تقدم النائب البرلماني عمر حمروش ومعه 59 نائباً آخرين بمشروع قانون لمجلس النواب، يطالبون فيه بتجريم إهانة الرموز والشخصيات التاريخية، وحسب ما نشرته الصحف فإن مشروع هذا القانون يتضمن مادة تقول : » يعاقب بالحبس مدة لاتقل عن 3 سنوات ولاتزيد عن خمس سنوات، وغرامة لاتقل عن مائة ألف جنيه ولاتزيد عن خمسمائة ألف، كل من أساء للرموز والشخصيات التاريخية، وفي حالة العودة يعاقب بالحبس بمدة لاتقل عن خمسة أعوام ولا تزيد عن سبعة، وغرامة لاتقل عن خمسمائة ألف جنيه ولا تزيد عن مليون » وتعامل الدكتور علي عبد العال مع المشروع بالشكل القانوني، فأحاله إلي لجنة مشتركة من لجنتي الشئون الدستورية والتشريعية، والإعلام والثقافة والآثار. وهذا الكلام يستحق الوقوف عنده ومناقشته مناقشة هادئة. تعالوا نسأل من هو الرمز ؟ ماتعريفه ؟ لاأظن أن هناك تعريفاً محدداً جامعاً مانعاً لمعني الرمز الوطني، وبالتالي فكيف يمكن محاكمة شخص وإدانته، وسجنه، وتغريمه لأنه سب رمزاً دون أن نحدد تعريفاً للرمز ؟ سأعتبر أن الشخصيات التي تناولها يوسف زيدان هي المقصودة بالرموز، ولنأخذ منها علي سبيل المثال أحمد عرابي. إن عرابي شخصية خلافية، والرافعي مثلاً وهو من أهم مؤرخي مصر الحديثة يقول عنه في كتابه الزعيم أحمد عرابي ( وأنا أنقل عباراته حرفياً ) إنه لم يكن علي حظ كبير من الكفاية السياسية وبعد النظر.. ومن هنا جاء شططه في كثير من المواطن، ويقول أيضا إنه : لم يكن علي حظ كبير من الكفاية الحربية. ويضيف : مما يؤسف له أن عرابي كان علي جانب كبير من الغرور السياسي. وباختصار فهو يري أن تصرفات عرابي كانت من الأسباب الرئيسية للاحتلال. صحيح أن الدكتور الخفيف كتب كتاباً يدافع فيه عن عرابي، لكن مايهمنا أن عرابي شخصية خلافية. فهل يمكن معاقبة من يري في عرابي رأي الرافعي ؟. لنأخذ شخصية أخري من الشخصيات التي انتقدها يوسف زيدان، وهي شخصية صلاح الدين، هذه الشخصية أيضاً مختلف عليها، فأهل السنة يرون فيه المحرر والبطل، أما الشيعة فرأيهم فيه لايختلف كثيراً عن رأي يوسف زيدان، لأنه هو الذي قضي علي الدولة الفاطمية الشيعية. إنني أختلف شخصياً مع يوسف زيدان في رأيه حول صلاح الدين لكني أعرف أنه ليس أول من هاجمه. هناك شيئ آخر جدير بالاهتمام، وهو أن بعض من يمكن أن نسميهم رموزاً كتبوا عن أنفسهم كلاماً شديد القسوة، فسعد زغلول مثلاً يعترف في مذكراته بأنه كان مقامراً، وشريب خمر، فهل لو ذكر أحد ماقاله سعد عن نفسه يعتبر ممن يسبون الرموز ثم لنترك سعداً إلي جمال عبد الناصر، هل رأينا خلافاً علي أحد مثلما رأينا الخلاف حوله ؟ وكذلك السادات، بعض الكتاب يمجدونه باعتباره القائد المنتصر في أكتوبر، لكن بعضهم يهاجمونه بقسوة لأنه الحاكم المسئول عن كامب ديفيد ؛ وهي في رأيهم خيانة، ولأنه أيضاً أعاد الإخوان للحياة السياسية، وأطلق أيديهم في الجامعات. ومايقال عن ناصر والسادات يقال عن حسني مبارك. ثم نأتي لنقطة أخري في مشروع القانون وهي : الإساءة للشخصيات التاريخية. إن بعض هذه الشخصيات دخلت التاريخ بسبب المساوئ التي ارتكبتها، مثل إسماعيل صديق، أخو الخديو إسماعيل في الرضاع، ووزيره، وشريكه في مصيبة الديون التي تعتبر المقدمة الحقيقية لاحتلال مصر، والمرتشي الأكبر، الذي قتله في النهاية كي يقضي علي الرجل الوحيد الذي يمكن أن يفضح خباياه. هذه الشخصية التاريخية لو هاجمها أحد فلابد أن يحاكم بنص هذا القانون. هل هذا كلام منطقي ؟ بل إننا بحكم هذا القانون نفسه يمكن أن نحاكم لو سخرنا من الحاكم بأمر الله لأنه حرم أكل الملوخية باعتباره شخصية تاريخية. يامجلس النواب الموقر، من فضلك تمهل، لاتضع سيفاً بيدك علي حرية التعبير.