بعد تحرير مدينة الرقة من تنظيم داعش، تتجه الأنظارالآن إلي إقليم دير الزور الواقع جنوب شرق سوريا.. إقليم يقع في قلب منطقة صحراوية يعبرها نهر الفرات، وتتاخم الحدود العراقية، ويسيطر علي نصفها تقريباً جماعات أصولية علي شاكلة داعش والنُصرة. ومنذ شهر ونصف تقريباً تستعد الميليشيات الكردية، من ناحية، والقوات الحكومية السورية، من ناحية أخري، للسيطرة علي المدينة، ويبقي ما بين الجانبين ما بينهما من تنسيق سري وصراع علني، تحت رعاية أمريكية بالنسبة للأكراد، وروسية إيرانية مشتركة بالنسبة للقوات الحكومية الروسية. وسيكون فقدان سيطرة داعش علي تلك المنطقة بمثابة إعلان نهائي عن سقوط "دولة الخلافة" في سوريا، إذ لن يتبقي لتنظيم أبو بكر البغدادي وأصحاب الرايات السوداء سوي بعض الجيوب المتفرقة بالقرب من هضبة الجولان وريفي حمص وحماة. تحرير الرقة تم الاحتفال به في استاد المدينة يوم الجمعة الماضي.. احتفال بطعم التأبين والعزاء، فطبقاً لتقرير صادر عن الأممالمتحدة أصبح 80٪ من المدينة ركاماً بفعل القصف الأمريكي، ويعلق طلال سيللو، المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية، ذات الغالبية الكردية التي خاضت المعركة البرية ضد داعش، علي الحدث بقوله:" نهدي هذا الانتصار إلي الإنسانية جمعاء". ولكن الأكراد كان لهم طريقة أخري في الاحتفال بالنصر، تمثلت في رفع صور عبد الله أوجلان الزعيم المؤسس لحزب العمال الكردستاني المسلح، ذلك الرجل القابع في سجون تركيا منذ عام 2000، والذي يخوض رجاله صراعاً مسلحاً مع جيش أنقرة منذ عام 1979، بهدف انفصال 17 مليون كردي يعيشون داخل تركيا. قوات سوريا الديمقراطية أعلنت إرسال جزء من قواتها إلي مشارف دير الزور استعدادا للمعركة المرتقبة، وهو ما من شأنه التسبب في سباق سرعة مع القوات الحكومية للسيطرة علي المساحة الأكبر من الأرض، وبموجب اتفاق توزيع السلطة الموقع بين موسكووواشنطن فإن من يصل إلي الجانب الغربي من الفرات أولا سيكون له الحق في بدء الهجوم أولاً. علماً بأن الجيش السوري تمكن في السادس من سبتمبر الماضي من الوصول إلي ضواحي دير الزور وكسر حصار داعش عنها، وفي منتصف أكتوبر الجاري أحكم سيطرته علي بلدة الميادين الاستراتيجية الواقعة أسفل نهر الفرات التي يمكن أن تكون نقطة انطلاق هامة نحو قلب المدينة. مواقع استراتيجية في المقابل فإن قوات سوريا الديمقراطية التي انطلقت بتأخر زمني قدره 72 ساعة عن القوات الحكومية السورية، أحرزت تقدماً علي الجانب الشرقي للفرات، واستولت علي وادي الخابور أحد الروافد الهامة للنهر، وكذلك علي عدة مواقع استراتيجية للطاقة، وأهمها حقل كونكو للغاز الطبيعي وهو الحقل الأكبر في عموم سوريا، كما تمكنت من بسط نفوذها علي آبار منطقة الجفرة الواقعة جنوب دير الزور. ورغم الجهود الأمريكية الروسية المشتركة لمنع الاشتباك بين الطرفين، فإن تبادلاً لإطلاق النار وقع بينهما في أكثر من مرة خلال الفترة الماضية، وبلغ التوتر ذروته أواخر سبتمبر الماضي بمقتل جنرال روسي هام، وهنا حمّلت موسكو البيت الأبيض المسؤولية الكاملة، بل واتهمته بالتعاون مع جماعات إرهابية وعلي رأسها داعش. الهدف المشترك للأكراد وللقوات الحكومية السورية، هو السيطرة علي حقل نفط العمر، الذي ينتج في فترة ما قبل اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، نصف إنتاج سوريا من الذهب الأسود، وأكد موقع المصدر المقرب من الحكومة السورية أن القوات النظامية اقتربت بشدة، يوم الجمعة الماضي، من الحقل الواقع بالقرب من بلدة الميادين استعدادًا للسيطرة عليه بالكامل، ونفس الموقع أكد يوم الخميس 19 أكتوبر أن قوات روسية توصلت لتفاهم مع قوات سوريا الديمقراطية للتخلي عن حقل كونكو سلمياً دون قتال، وتعتزم موسكو، وفقاً لنفس الموقع، نقل وصاية دمشق علي الحقل، وفي حال تأكد صحة هذه المعلومات فإن رقعة الصراع في شرق البلاد سيكون لها شكل آخر. آرون لوند الباحث في معهد دراسات القرن بالولاياتالمتحدة والمتخصص في الشأن السوري، يقول لصحيفة لوموند الفرنسية، إن "الأكراد والقوات النظامية أعداء تارة وأصدقاء تارة أخري.. الأكراد واقعيون جداً، وهم يدركون حجم كراهية تركيا لهم لا سيما بعد استفتاء انفصال الأكراد الذي أصر عليه مسعود بارزاني في إقليم كردستان العراق، كما أنهم يدركون أن الولاياتالمتحدة لن تبقي في المنطقة للأبد، وإذا كانوا يريدون بالفعل الحصول علي مناطق للحكم الذاتي في شمال سوريا كما يطالبون فلن يكون أمامهم سوي التفاهم مع دمشق". ومع أخذ ما قاله المحلل الأمريكي في الاعتبار، فإنه من غير المحتمل أن تقوم قوات سوريا الديمقراطية بمنافسة القوات الحكومية للسيطرة علي مدينة البوكمال الواقعة جنوب بلدة الميادين والمتاخمة للحدود العراقية، كما يجب الأخذ في الاعتبار أيضاً أن الجيش العراقي الحليف لدمشق أطلق، في الجهة المقابلة من الحدود وتحديداً في إقليم الأنبار، هجوماً ضد فلول داعش في مدينة القائم العراقية توأم مدينة البوكمال السورية. وإجمالاً يمكن التأكيد أن القوات الحكومية السورية تتمتع بموقف أقوي في معركة السيطرة علي إقليم دير الزور. ولكن لا يمكن تعميم نفس التأكيد بالسهولة علي معركة استعادة وادي الفرات. وما يعزز ذلك هو قيام تنظيم داعش في مطلع الشهر الجاري بهجوم مفاجئ سمح لرجاله بالسيطرة علي مناطق تقع بين دير الزور ومدينة تدمر التاريخية، وكذلك علي مدينة القريتين الواقعة بين حمص ودمشق. وإذا كانت القوات النظامية استعادت جزءًا من الأراضي التي سيطر عليها داعش، فإن هذه الهجمات غير المتوقعة أظهرت أنه رغم انهيار الدولة التي أعلنها البغدادي منذ 3 أعوام، فإن رجاله مازالوا يمتلكون قدرات هجومية بنمط حرب العصابات، كما أن سيطرة الجيوش النظامية علي مناطق صحراوية بشكل دائم ومستمر من الأمور الصعبة والمعقدة، بحسب خبراء عسكريين. غضب تركي قوات سوريا الديمقراطية، المنضوي تحت لوائها أيضاً ما يُعرف بوحدات حماية الشعب الكردي، تقول إن مدينة الرقة ستكون جزءا من سوريا "لا مركزية اتحادية" لتربط بذلك مستقبل المدينة بخطط الأكراد لإقامة مناطق حكم ذاتي في شمال سوريا. وأضافت "سوريا الديمقراطية" في بيان "نؤكد أن مستقبل محافظة الرقة سيحدده أهلها ضمن إطار سوريا ديمقراطية لا مركزية اتحادية يقوم فيها أهالي المحافظة بإدارة شؤونهم بأنفسهم"، علماً بأن العرب هم المكون الغالب علي سكان مدينة الرقة. وذكر البيان "نتعهد بحماية حدود المحافظة ضد جميع التهديدات الخارجية" وتسليم السيطرة إلي مجلس مدني من الرقة. في الوقت نفسه، تقول سلطات يقودها أكراد في مناطق أخري في شمال سوريا إنها تريد نظاما اتحاديا يسمح للمناطق بحكم نفسها دون سيطرة مركزية. وتمضي السلطات في مناطق خاضعة للأكراد في أجزاء أخري من شمال سوريا بالفعل في خطط لإقامة نظام اتحادي بعد أن بدأت عملية انتخابية من ثلاث مراحل الشهر الماضي في المناطق التي تسكنها غالبية كردية. تركيا تعتبر صعود النفوذ الكردي في سوريا تهديدا لأمنها القومي وتري الجماعات الكردية في شمال سوريا امتدادا لحزب العمال الكردستاني. وقالت إن تعليق القوات الكردية، التي تدعمها الولاياتالمتحدة، لافتة ضخمة عليها صورة مؤسس حزب العمال الكردستاني المسجون في وسط الرقة يثبت أن واشنطن تعمل مع إرهابيين. رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم قال للصحفيين خلال مغادرته مسجدا في اسطنبول "إنني أتعجب، هل تريد الولاياتالمتحدة أدلة أخري كي تقبل بأن وحدات حماية الشعب الكردي منظمة إرهابية". وأضاف قائلا "عرض صورة لزعيم إرهابي لحزب العمال الكردستاني يضر العلاقات الأمريكية التركية بشدة. وبهذه الخطوة لا تتعاون الولاياتالمتحدة مع الإرهابيين وحسب بل تهدد مستقبل سوريا". سعادة ترامب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قال في بيان : "يسرني أن أعلن أن القوات الديمقراطية السورية، شركاؤنا في معركة داعش في سوريا، نجحت في استعادة الرقة - عاصمة الجماعة الإرهابية التي نصبت نفسها، وقد قامت "قواتنا معا بتحرير المدينة بأكملها من سيطرة داعش". وأضاف الرئيس الأمريكي، أن تحرير الرقة كان إنجازا حاسما في الحملة ضد "داعش الإرهابي، مضيفا أن "نهاية خلافة داعش في الأفق". تهنئة ترامب وحديثه عن الشراكة مع الأكراد وتحذير واشنطن للحكومة المركزية العراقية من شن حرب علي أكراد العراق إثر استفتاء الانفصال عن بغداد يوم الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي، والقواعد العسكرية الأمريكية المعلن عنها حديثاً في كردستان العراق وفي مناطق سيطرة الأكراد في مدينتي كوباني والطبقة السوريتين، أعاد للواجهة وثائق نشرها مركز "سورية النظر من الداخل"، في مارس الماضي، وتؤكد إقامة دولة جديدة تحت مسمي كردستان العظمي، حيث اتفقت الولاياتالمتحدة والأكراد السوريون علي حدود الحكم الذاتي الكردي ضمن الأراضي السورية الذي من المفترض إنشاؤه عقب الاستيلاء علي مدينة الرقة ومدينة الطبقة الواقعة علي مسافة نحو 55 كم من الرقة. وتؤكد هذه المعلومات خطط الولاياتالمتحدة لتقسيم سوريا وإن الأمريكان رسموا حدود دولة جديدة تحت مسمي كردستان العظمي في سورياوالعراق التي سيتم إقامتها بعد الانتصار علي داعش والانهيار النهائي للجمهورية العربية السورية.