تتجه الأنظار في الوقت الراهن إلى مدينة الرقة السورية، التي كانت تشكل المعقل الرئيسي لتنظيم داعش الإرهابي، حتى تحريرها، حيث استطاعت قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية والمدعومة أمريكيًا من السيطرة على المدينة قبل ستة أيام، الأمر الذي ترك الباب مفتوحًا لتساؤلات عمن سيملأ فراغ داعش في الرقة. حالة من التنافسية على المدينة بين الجيش السوري المدعوم من موسكو، والأكراد المدعومين من واشنطن، فالحكومة السورية ومن موقع الدولة، تريد فرض سيطرتها الشرعية على جميع الأراضي السورية بما فيها الرقة، لكن فيما يخص الأكراد، ليس معروف الآن ما إذا كانوا يملكون نفس الأفكار الانفصالية لأقرانهم في إقليم كردستان العراق، الأمر الذي تسبب في توتر كبير بين الحكومتين؛ المركزية في العراق، وأربيل، ما دفع الأولى لانتزاع كركوك من سطوة مسعود البارزاني، حاكم الإقليم، وأدى إلى انقسامات سياسية حادة داخل النسيج السياسي الكردي أيضًا. وفي حال تكرر المشهد الانفصالي للأكراد في سوريا، فقد لا يقل موقف الحكومة السورية ضراوة عن نظيرتها العراقية، والمعلن من الموقف السوري يشير بوضوح إلى ذلك، فدمشق وعلى لسان وزير إعلامها، رامز ترجمان، قالت إنها لن تعتبر الرقة محررة حتى يدخلها الجيش السوري، ويرفع العلم الوطني فوق مبانيها. موقف الأكراد من الرقة لا يتوافق كثيرًا مع موقف الحكومة السورية، ففي أول تعليق رسمي بشأن مستقبل المحافظة بعد طرد داعش منها، قالت ما تعرف ب"قوات سوريا الديمقراطية": "محافظة الرقة السورية؛ بما فيها مدينة الرقة وريفها، ستكون جزءا من سوريا (لامركزية اتحادية)، وأن مستقبل الرقة سيحددها أهلها". المشهد العسكري بين الأكراد والجيش السوري بات مبهمًا وغامضًا، فحتى الآن لا يزال داعش يقاوم بشراسة هجمات الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية ضدهم في عدة مناطق في محافظة دير الزور، ومع كل هزيمة يمنى بها التنظيم الإرهابي، تتسع مساحة المناطق التي تتواجه فيها قوات الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية، وليس من الواضح كيف سيتم ترسيم مناطق النفوذ لاحقًا في ظل تطورات الصراع حاليًا، خاصة أن جزءًا كبيرًا من تركيبة قوات سوريا الديمقراطية من عرب المنطقة، كما أنه لا تواجد كردي حقيقي في الرقة على غرار تواجدهم في مناطق سورية أخرى كمنبج وكوباني وبعض مناطق إدلب. ولا يتوقع أن تستمر الهدنة الضمنية كثيرًا بين الجيش السوري والقوات الكردية المدعومة أمريكيًا، فالقوات السورية تخوض حربًا شرسة منذ أعوام بدعم روسيا وإيران وحزب الله، واستعادت السيطرة على مساحات كبيرة من البلاد تصل إلى 90% خلال الأشهر القليلة الماضية، كان آخرها مدينة الميادين في دير الزور التي يعتقد أنها لا طالما شكلت مقر القيادة الأمنية والعسكرية لداعش في سوريا، الأمر الذي قد يضع الجيش السوري في مواجهة القوات الكردية، فبعد أن كسبت قوات سوريا الديمقراطية المعركة ضد تنظيم داعش في مدينة الرقة، سعت إلى الإسراع في بسط سيطرتها على مناطق أخرى ذات أهمية اقتصادية كبيرة، حيث أكدت قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل عمادها وحدات حماية الشعب الكردية، أنها سيطرت على حقل العمر أحد أكبر حقول النفط السورية والذي يقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات في مدينة دير الزور، ويبعد نحو عشرة كيلومترات شمالي بلدة الميادين التي سيطرت عليها القوات الحكومية وحلفاؤها هذا الشهر. وأشارت مصادر في المعارضة السورية إلى وجود اتفاق سري أبرم بين مسلحي "داعش" و"قسد" على خلفية نقل مسلحي التنظيم الأجانب من الرقة مقابل تسليم حقل العمر وعدد من المناطق لقطع الطريق على قوات الجيش السوري لمتابعة تقدمه شرق الفرات، كما يتوقع أن تستكمل القوات الحكومية أيضَا تقدمها عند مسار نهر الفرات وصولًا لمدينة البوكمال الحدودية مع العراق، لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة من الصراع بين دمشق وما بات يعرف بفدرالية شمال سوريا. وبالرجوع إلى الخلفية الأمريكية الداعمة للأكراد في سوريا، نجد أن لها مخططات في الرقة، فالحديث يدور عن دور أمريكي أعلنوا فيه أنهم سيساعدون في إعادة إعمار الرقة، والنوايا الأمريكية في استحداث قاعدة عسكرية لها في الرقة تكون بديلة عن قاعدة إنجرليك التركية مازالت قائمة، الأمر الذي من شأنه أن يضيف بعدًا دوليًا وإقليميًا لمدينة الرقة، فمن بين المسائل التي أثارت الخلاف في البيت الأبيض نفسه، إنجاز الاستقرار في سورياالشرقية بعد انقضاء الحرب هناك وتطهيرها من تنظيم داعش، وكذلك منع القوات الإيرانية والقوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد من بسط سيطرتها على هذه المنطقة، الأمر الذي قد يضع واشنطن في مواجهة روسيا كحليف أساسي للنظام في سوريا. تركيا أيضًا، لا تقبل بدور للأكراد في الرقة، الأمر الذي من شأنه زيادة تعكير العلاقات بين أنقرةوواشنطن، ووفقا لمعلومات "إن بي سي"، فإن المستشارين العسكريين والدبلوماسيين يوصون الإدارة الأمريكية باتخاذ التدابير اللازمة المتعلقة بتدهور العلاقات بين الولاياتالمتحدةوتركيا، إذ سيؤدي ذلك إلى ضعف الاتصالات مع أنقرة، ولفتت القناة إلى أن فقدان تركيا كصديق وحليف للولايات المتحدة ستكون له عواقب استراتيجية جدية، علما بأن الطيران الأمريكي ينفذ يوميا غارات جوية على تنظيم داعش من قواعد تركية، وعلى الأرجح، سيواصل عملياته الجوية حتى بعد استعادة الرقة. وحتى السعودية باتت تلعب دورًا في الرقة، حيث رصد مؤخرًا تحركًا فيها لوزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، ثامر السبهان، ويقول فواز جرجس، رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد "الأمريكان استعانوا بالسعودية للتوسط في الرقة بين الأكراد والقبائل العربية، بسبب أن القبائل العربية في الرقة هم امتداد للقبائل في السعودية والعراق، ولذلك، يجب الوصول إلى صفقة جيدة بالفعل في الرقة بين الأكراد والعشائر العربية قبل إعادة إعمارها وإصلاحها سياسيا ونفسيا". ويرى مراقبون أن الوضع في الرقة سيكون محطًا للخلاف الإقليمي والدولي، ففي ظل الأزمة الخليجية بين السعودية وقطر، وتحيز أنقرة لصالح الدوحة، فإن تركيا لن تقبل بدور سعودي داعم للأكراد في سوريا أو غيرها نظرًا للنوايا الانفصالية لديهم، كما أن الحكومة السورية وإيران باتت لهم هواجسهم المشروعة من علاقة الأكراد بواشنطن وتل أبيب التي دعمت استفتاءهم الأخير للانفصال عن العراق، وفي ظل التوتر القائم بين موسكووواشنطن فإن الوضع في الرقة ستكون له تداعياته الخطيرة، في حال قررت واشنطن المضي في سياستها المثيرة للفوضى في المنطقة.