ميشيل الحاج: الحديث الأمريكى عن تحرير الرقة لعبة سياسية عسكرية استخبارية للضغط على موسكو ودمشق
عاكوم: جوانتانامو تنتظر قادة داعش.. والغرب يعتبرها فرصة أخيرة للقضاء على الإرهابيين
أنس القصاص: تنافر مكونات التحالف يهدد بفشل العملية .. والقضاء على داعش يتطلب هجمات مثل حرب فيتنام
جاء إعلان وزير الدفاع الأمريكى آشتون كارتر، عن نية واشنطن شن عملية عسكرية لتحرير مدينة الرقة السورية من قبضة تنظيم داعش خلال أسابيع قليلة، بالتزامن مع معركة الموصل بالعراق، ليفتح الباب حول قدرة التحالف الدولى على مواجهة داعش بسورياوالعراق فى آن واحد. وزاد من توقعات فشل العملية أو صعوبة القيام بها إعلان الوزير الأمريكى، أن قوات حماية الشعب الكردية ستكون رأس الحربة فى مواجهة داعش بالرقة، وهو ما أثار مخاوف من حدوث خلافات شديدة بين أعضاء التحالف الدولى، خصوصا تركيا، التى تعتبر أن قوات الحماية الكردية فصيل إرهابى لا يجوز التعاون معه . وجاء فى مقال بصحيفة "إيزفيستيا" الروسية الصادرة الاثنين، أن مشاركة الأكراد فى تحرير الرقة، هو غطاء خفيف لدعم واشنطن لفكرة اعتبار سوريا دولة فيدرالية، مشيرا إلى أن هذا الرهان الأمريكى على الأكراد فى تحرير الرقة، قد يكون دليلا على نية واشنطن دعم فكرة الفيدرالية فى سوريا. وتعتبر الولاياتالمتحدة وحدات حماية الشعب، حليفا فى المعركة ضد تنظيم الدولة، لكن تركيا تعدها منظمة "إرهابية" بسبب صلاتها بالمقاتلين الأكراد الذين يشنون تمردا منذ ثلاثة عقود فى تركيا. وأعلن رئيس الوزراء التركي، بن على يلدريم، أن بلاده لن تشارك فى عملية الولاياتالمتحدة لطرد تنظيم داعش من الرقة، إذا ضمت العملية مقاتلين سوريين أكراداً. يذكر أن محافظة الرقة التى تقع فى شمال سوريا، تبلغ مساحتها نحو عشرين ألف كيلو متر مربع، وهى مساحة كبيرة ترتبط بحدود إدارية مع خمس محافظات سورية هى "حلب، حماة، حمص، دير الزور، الحسكة". وسيطر تنظيم الدولة على مدينة الرقة فى يناير 2014 بعد معارك مع المعارضة السورية المسلحة، وفى أغسطس من العام ذاته، استطاع السيطرة على كامل محافظة الرقة، وقبلها على الموصل بالعراق فى يونيو من العام ذاته . واعتبر أنس القصاص، الباحث فى العلاقات الدولية، أن شن عملية الرقة فى نفس توقيت عملية الموصل و تزامن العمليتين مع بعضهما يستبطن خطة لإعادة صياغة ديموغرافيا المشرق بكاملها، ولا يستبعد تماما من محاولة إيرانية لايجاد موطئ قدم لها على المتوسط ممتد حتى الأراضى الإيرانية. وأوضح القصاص ل"الأهرام العربي" أن شن عملية الرقة يستلزم دحر تنظيم داعش فى الموصل وهذا لم يحدث مطلقا، فالتنظيم فى عملية انسحاب جزئى تكتيكى يتبعه إعادة تمحور لاسيما فى القطاع الغربى من الموصل، وتكبدت قوات التحالف خسائر ضخمة على الأرض الأيام الماضية. فأين المنطق وراء توسيع العمليات؟ وبحسب القصاص فإن عدم تجانس قوات التحالف يهدد العملية برمتها، فالقوات متنافرة تماما على مستوى الأهداف والإستراتيجيات والخطط ولا يوجد قيادة مشتركة، كما هو معروف فى أدبيات حروب التحالف، مشيرا إلى أننا أمام قوات تركية ترابض بجوار خصومها التقليديين الأكراد فى القطاعات الشمالية من الموصل ثم قوات الحشد الشعبى المدعومة إيرانيا التى تقاتل تحت غطاء جوى أمريكى، ناهيك عن الجيش العراقى والحشد الوطنى الذى دعت إليه تركيا، هذا كله يجعل السيطرة الأمريكية على التحالف ضعيفة ولا يتوقع منها إتمام أهدافها فى المستقبل القريب. وتوقع القصاص عدم مشاركة السعودية فى تحرير الرقة، كما سبق وأعلنت مرجعا ذلك لكون المملكة منهكة عملياتيا وإستراتيجيا من حملة اليمن. وحول مستقبل داعش، أكد الباحث أن التحالف لا يمكنه مطلقا كسر داعش فى الرقة إلا عن طريق عمليات حرب موسعة بغطاء جوى كثيف لاسيما من الهيلكوبتر الهجومية مثلما حدث فى حرب فيتنام، وهذا الخيار غير مطروح الآن أمريكيا مضيفا أن مساعى التحالف فى كسر داعش لن تنجح إلا إذا تم إدراك الخريطة العقائدية والتعبوية بين داعش سوريا وداعش العراق، وتحديدا تقييم كل فرع لأعدائه، لافتا النظر إلى أن داعش العراق معها دعم شعبى كثيف من القبائل بسبب الممارسات الدموية للحشد الشعبى والجيش العراقى، وفطنة أهل الموصل تحديدا للمخطط الديموغرافى الذى بات ينفذ عيانا جهارا. من جانبه يرى فادى عاكوم، الباحث اللبنانى المتخصص فى الشأن السورى، أنه على الرغم من إعلان تركيا عدم مشاركتها فى تحرير الرقة، فإنها قد تدفع ببعض الفصائل المدعومة منها للمشاركة. وأكد عاكوم أن أنقرة تحاول المستحيل للتمدد على الأرض للحد من قدرات القوات الكردية المنتشرة فى الشمال السوري، مشيرا إلى أن مشاركة الفصائل الموالية لأنقرة فى عملية الرقة، ستكون له مضاعفاته الكبيرة والخطيرة نظرا للأوضاع المتوترة بين هذه الفصائل والميليشيات الكردية. واعتبر عاكوم أن سعى أنقرة للمشاركة بمعركة الرقة ليس إلا مناورة واضحة لتحجيم دور القوات الكردية وقوات سوريا الديمقراطية. وتوقع الباحث أن يتم التنسيق بين واشنطن والنظام السورى عبر القوات الروسية المنتشرة بسوريا، مشيرا إلى أن أى عملية تستهدف الرقة لابد أن تمر عبر القوات الروسية، خصوصا أن قوات الجيش النظامى السورى، ليست ببعيدة عن الرقة وهى الآن تقريبا عند حدود المحافظة، وبالتالى فإن غرفة عمليات مشتركة بين روسياوالولاياتالمتحدة من المتوقع أن تلعب دورها خلال حرب الرقة، مع استبعاد دخول الجيش السورى إلى المدينة، وربما تدخل إلى بعض المناطق فى ريف الرقة، وسيقتصر الوجود العسكرى على قوات سوريا الديمقراطية وحدها المدعومة أمريكيا إلى أقصى درجة. ويرى عاكوم أن تأخير معركة الرقة كان مقصودا لجعلها المعركة الأخيرة، لارتباطها بمعركة الموصل ونتائجها وتحرير جميع المناطق العراقية الحدودية التى يسيطر عليها داعش، فمن دون هذا الجانب فمن السهل على عناصر داعش العودة إلى العراق والتوغل مجددا فى عمق الأراضى العراقية، لافتا النظر أن الانسحابات المتتالية لداعش كانت باتجاه الرقة والباب، وبالتالى فإن معركة الباب ستكون على رأس الأولويات فى هذه الفترة لتجميع أكبر عدد ممكن من الدواعش، ومن المتوقع أن يتم القضاء على عدد كبير منهم خلال المعارك، لأنها ستكون الفرصة الأخيرة للتخلص منهم. وأشار إلى أن الدول الأوروبية والولاياتالمتحدة وبعض الدول العربية ترى فى هذه المعارك فرصة ذهبية للتخلص من العناصر الإرهابية، لقطع الطريق أمام عودتها إلى بلدانها، أما عن العناصر الذين قد يستسلمون فقد نشهد معتقلات على غرار معتقلات جوانتانامو، لكشف أسرار التنظيم وخفايا الخلايا النائمة والذئاب المنفردة التى ستكون الشغل الشاغل للعالم فى الفترة المقبلة، علما بأنه لا يجب استسهال ما سيجرى فى الرقة، كون من تبقى من عناصر داعش لم يقدروا على الهروب فى السابق، وباتت المدينة وريفها الملجأ الوحيد لهم، ستكون هذه المعركة من أشرس المعارك، وربما تفوق بشراستها شراسة معركة مدينة كوبانى الكردية. يوسف خالدي، نائب رئيس المركز الكردى للدراسات استبعد فى تصريحات ل "الأهرام العربي" وجود مشاركة تركية أو سعودية أو غيرهم من الدول فى عملية الرقة، مشيرا إلى أنه ربما سيتم السماح لبعض الفصائل التابعة لهم، وهذا لن يكون إلا بموافقة روسيا والنظام ووحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية . وشدد خالدى على أن القيادة فى معركة الرقة ستكون لأمريكا وقوات سوريا الديمقراطية مع تنسيق مع النظام السورى عبر روسياوالعراق. وحول المخاوف من عدم قدرة القوات الكردية على حسم المعركة وحدها، أكد القيادى الكردى بحزب الاتحاد الديمقراطى، أن قوات سوريا الديمقراطية قادرة على تحرير الرقة وحسم المعركة،لكن الأمر سيحتاج إلى توافقات سياسية، وهذا ما يتم العمل عليه حاليا . وكشف خالدى أن هناك دورا لمصر لحل الأزمة السورية يتم العمل عليه من خلال بعض الشخصيات المعارضة الموجودة بالقاهرة، مثل رئيس تيار الغد أحمد الجربا وحسام العواك، المنشق عن الجيش السورى الحر. بدوره يرى ميشيل حنا الحاج، مستشار المركز الأوروبى العربى لمكافحة الإرهاب ببرلين أن الإعلان الأمريكى المفاجئ، أن معركة الرقة قد تبدأ قريبا متزامنة مع معركة الموصل، بل دون انتظار حسمها، يرجح وجود هدف إستراتيجى وراء الاستعجال بتوقيت معركة الرقة. وقالل ل"الأهرام العربي" إن واشنطن تسعى للحيلولة بين مواصلة سورياوروسيا الضغط على حلب، فضلا عن استدراج روسيا للشروع بحرب ضد الدولة الإسلامية التى سيكون قد تضخم حجم وجودها فى مدينة الرقة، وبالتالى باتت تشكل خطرا أكبر على سوريا من خطر جبهة فتح الشام والمعارضة المسلحة، نظرا لاحتمال توسع انتشارها فى مدن سورية أخرى. واعتبر الخبير فى الحركات الجهادية أن واشنطن سعت لتعقيد الأمور وتحقيق مزيد من الاستفزاز للنظام السورى، عندما أعلنت عن توجهها لطلب المساعدة من جيش سوريا الديمقراطى ذى الغالبية الكردية، لمساعدتها كقوة أرضية، فى عملية عزل الرقة. وبطبيعة الحال، كان السياسيون الأمريكيون يتوقعون اعتراض تركيا المعادية للأكراد، على مشاركة قوة الحماية الكردية (المسماة الآن بجيش سوريا الديمقراطى)، وعرضها المشاركة بقوات تركية برية فى عملية تحرير الرقة، الأمر الذى رافقه ترويج غير مؤكد، لاحتمال مشاركة قوات سعودية أيضا فى عملية التحرير . وهو الأمر الذى توقعت اواشنطن أن يستفز الحكومة السورية، معتبرة التدخل التركي، وأى تدخل آخرد كالسعودى مثلا، عدوانا على الأراضى السورية، وعلى السيادة السورية، مما قد يستدرجها للإعلان بأن تحرير الرقة هو مهمة سورية، ومعركة سيخوضها الجيش السورى بمؤازرة روسية. وهذا بالطبع ما تتوقع الولاياتالمتحدة سماعه، لتكتمل خيوط شبكة العنكبوت للاستدراج الروسى إلى ما يتوقعونه أن يكون مستنقعا تغرق فيه روسيا الاتحادية. ويرى الخبير أن الحديث الأمريكى عن تحرير الرقة لعبة سياسية عسكرية استخبارية، تسعى لقلب الأوراق، وإيجاد دور ما للأمريكان، تستخدمه كورقة ضاغطة على كل من سورياوروسيا، استنادا إلى توقيتها غير الملائم لهم بسبب انشغالهما بمعركة حلب.