المشاركة مرتين ثم كانت الأمور ما بين امتناع عن التصفيات أو خروج منها بإحسان.. ذلك هو حال منتخب مصر لكرة القدم مع بطولات كأس العالم منذ عام 1930، وحتي عام 2014..لأكثر من نصف قرن كانت مصر تنسحب من التصفيات، وتحديداً في الأعوام التالية (38، 50، 58، 62، 66، 70) وذلك لأسباب سياسية تتعلق بإيقاف النشاط الكروي تارة، ولبعد أمريكا اللاتينية تارة أخري. مشاركة مصر في كأس العالم عام 1934 بإيطاليا جاءت ضمن 16منتخبًا، وكانت مصر أول دولة أفريقية وعربية تشارك في النهائيات.. قرعة التصفيات المؤهلة لهذه النهائيات جمعت منتخب مصر مع نظيريه الفلسطيني والتركي، ولكن الأخير اعتذر، فتقرر أن تلتقي مصر مع فلسطين ما قبل الاحتلال الصهيوني في مباراتين ذهابًا وإيابًا. في يوم 16 مارس 1934. علي ملعب الأهلي، أقيمت مباراة الذهاب وأدارها طاقم تحكيم من ويلز، وانتهت بفوز منتخب مصر بسبعة أهداف مقابل هدف واحد.. أحرز لمصر مصطفي كامل طه (هدفين) ومختار التتش (ثلاثة أهداف) ومحمد لطيف (هدفين). مثّل مصر: مصطفي كامل منصور علي كاف عبدالحميد شارلي حسن الفار حسن رجب أمين صبري محمد لطيف مصطفي كامل طه التتش عبدالرحمن فوزي جميل الزبير. مباراة العودة أقيمت في 6 أبريل 1934 بالقدس وانتهت بفوز منتخب مصر أيضًا بأربعة أهداف مقابل هدف أحرزها عبدالرحمن فوزي ومحمد لطيف ومختار التتش (هدفين)، لتصعد مصر بمجموع المباراتين إلي المونديال. مثّل مصر: عزيز فهمي علي كاف عبدالحميد شارلي حسن الفار حسن رجب محمد فريد محمد لطيف مختار التتش مصطفي كامل طه عبدالرحمن فوزي محمود هاني لبيب. في الطريق لأول مباراة في المونديال تم الاحتكام إلي القرعة لتحديد أول منتخب يواجهه منتخب مصر بكأس العالم، فجاء منتخب المجر، وكان يوم 27 مايو 1934 يومًا لم ولن ينسي من تاريخ الكرة المصرية. أقيمت المباراة باستاد الملعب جيورجيو أسكاريلي في نابولي بإيطاليا، بقيادة الحكم الإيطالي رينالدو بارلاسينا. وجاءت أحداث اللقاء عامرة بالإثارة والتقلبات الدراماتيكية، حيث لم تمر 7 دقائق حتي تقدم المنتخب المجري عن طريق بال تيليكي تم تكرر نفس الأمر وأحرز المنتخب المجري الهدف الثاني في الدقيقة 21 سجله جيزا تولدي، ولكن سرعان ما تداركت مصر الأمر وأحرزت هدفًا عن طريق عبدالرحمن فوزي في الدقيقة 26 ثم حققت مصر المفاجأة وأحرزت هدف التعادل عن طريق عبدالرحمن فوزي أيضًا في الدقيقة 39 لينتهي الشوط الأول بالتعادل 2/2. في الشوط الثاني كثف المنتخب المجري هجومه ليسجل هدفه الثالث في الدقيقة 53 عن طريق جينو فينتش، ثم أحرز الهدف الرابع بواسطة جيزا تولدي في الدقيقة 61 لينتهي اللقاء بفوز منتخب المجر بأربعة أهداف مقابل هدفين. في تلك البطولة كان يطبق نظام خروج المغلوب فخرجت مصر من دور الستة عشر. كان سبتمبر عام 1988 هو بداية مرحلة جديدة في سعي مصر للتأهل لكأس العالم بعد 56 عامًا من الغياب، قرر اتحاد الكرة بقيادة حسن عبدون في 1988 التعاقد مع مدرب وطني لا يتجاوز الخمسين من عمره، وسبق له تحقيق انتصارات كبيرة كلاعب ومدرب علي الصعيدين المحلي والأفريقي. ولم يكن هناك أفضل من محمود الجوهري الذي كان يدرب وقتها أهلي جدة السعودي، والذي اختار فتحي مبروك ليكون مساعده، وحازم كرم مدربًا للحراس، وسمير عدلي مديرًا إداريًا. لكن هذا التحدي جعل الجوهري يبدأ في تشكيل منتخب شاب يعتمد علي اللعب الجماعي، أكثر مما يعتمد علي النجوم والمهارات الفردية. تلقف الجوهري الطريقة الجديدة، ووضع عليها لمسته الشخصية لترتكز علي الشق الدفاعي 5-3-2 ويكتسب سمعته الدفاعية الشهيرة التي التصقت به علي مدي مسيرته التدريبية. كانت ضربة البداية أمام ليبيريا باستاد القاهرة يوم الجمعة 6 يناير 1989 وفاز المنتخب بهدفين أحرزهما علاء ميهوب ومحمد رمضان تحت قيادة تحكيمية للمغربي عبدالعال ناصري. وبعد 15 يومًا وبالتحديد في 21 من يناير لعب المنتخب مباراته الثانية خارج مصر أمام مالاوي تحت قيادة تحكيمية للتنزاني حفيظ علي طاهر وتعادل 1/1 بهدف هشام عبدالرسول. وفي10 يونيو لعب المنتخب مباراته الأخيرة في الدور الأول أمام كينيا في نيروبي وانتهت بالتعادل سلبيًا، وللمرة الثالثة علي التوالي يلعب المنتخب المصري خارج ملعبه وكانت هذه المرة أمام ليبيريا يوم 25 يونيو 1989 وتأزم الموقف بخسارة المنتخب بهدف. وكانت المباراة الخامسة أمام مالاوي في 12 أغسطس باستاد القاهرة، يحقق المنتخب فوزًا غاليًا بهدفين علي المنتخب الكيني سجلهما هشام عبدالرسول وإبراهيم حسن ليصعد إلي قمة المجموعة ويتأهل للمرحلة النهائية. أوقعت القرعة منتخب مصر للعب مع الجزائر مباراتين فاصلتين الفائز بمجموعهما يصل إلي مونديال إيطاليا، ولصعوبة المواجهة، وقوة المنافس المدجج بكبار المحترفين في أوروبا وعلي رأسهم رابح ماجر وجاء لقاء الذهاب بولاية قسنطينة يوم 8 أكتوبر تحت قيادة تحكيمية للحكم الموريشيوسي الشهير سيدني بيكون ورغم المحاولات العديدة من الجانب الجزائري، انتهي بالتعادل صفر/صفر. وفي 17 نوفمبر 1989 كان لقاء العودة الشهير، والذي لن يغيب عن ذاكرة المصريين. وسط مائة ألف متفرج باستاد القاهرة وأكثر من 40 ألف متفرج لم يستطيعوا الدخول أطلق الحكم التونسي علي بن ناصر صافرته، وجاء الحسم عن طريق حسام حسن بهدف من كرة أحمد الكاس العرضية، ويتأهل المنتخب بمجموع المباراتين، وشهدت المباراة تألق كل من شارك فيها. تضخمت الطموحات والأحلام بعد تعادل مثير ومستحق للفراعنة في مباراتهم الافتتاحية أمام الطاحونة الهولندية أبطال أوروبا في نسخة 1988? بالهدف الشهير لمجدي عبد الغني، ثم تعادل سلبي مع إيرلندا، ليتحصل جنود الجوهري علي نقطتين. كان محمود الجوهري يواجه تحدياً كبيراً في الاستعداد لمباراة إنجلترا، فقد انكشفت كل الأوراق ولم يعد من الممكن استغلال عامل المفاجأة، ولم يبق إلا المواجهة المباشرة لتحقيق الهدف والخروج بنقطة التعادل علي الأقل. كان قرار الجوهري واضحاً خلال المباراة، فقد فضل اللعب علي النقطة الموجودة في اليد، باعتبارها أفضل من النقطتين علي الشجرة، لذا فقد بدأ بنفس التشكيل الذي لعب مباراة هولندا، وبطريقة 5/3/2 الدفاعية. مع بداية المباراة وضح أن الفريق الإنجليزي مرتبك ويخشي من الفريق المصري بفضل الأداء السابق، وبفضل النتائج التي قدمتها الفرق الصغيرة في البطولة، لكن الفريق المصري فضل عدم الانجرار خلف الهجوم وفضل الاحتفاظ بالكرة لأطول فترة والتصدي للهجمات الإنجليزية. لكن في الدقيقة 59 من المباراة احتسب الحكم السويسري ضربة حرة مباشرة يرفعها بول جاسكوين داخل المنطقة، في وجود أربعة لاعبين إنجليز وسط ستة لاعبين مصريين إضافة إلي الحارس، ونظراً لإصابة هاني رمزي لم يتمكن من الارتقاء لإبعاد الكرة، مما اضطر أحمد شوبير للخروج لكن المدافع الإنجليزي مارك رايت سبقه ولعب الكرة في المرمي الخالي وعبثا حاول هشام يكن إبعاد الكرة إلا انها لمست رأسه وأكملت طريقها للمرمي ، وسط فرحة غامرة للاعبي المنتخب الإنجليزي. وصلت الأخبار فوراً إلي ستاد بالرمو، حيث تستمر مواجهة إيرلندا مع هولندا، وبعد عشر دقائق كانت إيرلندا تدرك هدف التعادل لتنتهي المباراة بشكل فعلي، حيث أفرط الفريقان في إضاعة الوقت لضمان تأهلهما معا، أو خوفاً من الهزيمة والخروج. كان الجمهور المصري يتمني أن يتكرر سيناريو مباراة هولندا، وأن تهبط عدالة السماء علي ستاد كالياري، وأن تدرك مصر التعادل، إلا أن صافرة الحكم سبقت ذلك، وفوجئ الجميع أن مغامرة مصر في كأس العالم قد بلغت خط النهاية يبقي في الذاكرة مشهد أيمن شوقي الجالس علي مقاعد البدلاء، وهو يحدق في اللاشيء غير مصدق أن المباراة انتهت، ومن ثم يفزع من مكانه فور أن يربت أشرف قاسم علي كتفه، فيهب مفزوعاً من مكانه. وعلي أرض الملعب كان إبراهيم حسن يبكي بحرقة حتي دخل إليه الجوهري واصطحبه إلي الخارج.