أكد اللواء الدكتور شوقي صلاح عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة والخبير في مجال مواجهة الإرهاب، أن التطرف الديني "مرض معدٍ"، مطالباً في حوار مع "آخر ساعة" بإجراء مناظرات مع الإرهابيين، معتبراً أن تأثيرها قوي في تغيير قناعاتهم والتخلي عن الفكر المتطرف، وكشف اللواء صلاح، صاحب العديد من المؤلفات والأبحاث العلمية المتخصصة في مواجهة الإرهاب، عن استحداث وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار، دبلوماً لمواجهة الإرهاب والتطرف في أكاديمية الشرطة. وإلي نص الحوار. • ما هو مفهوم التطرف؟ - التطرف بمفهوم عام هو البعد عن الوسطية في أي أمر؛ فإذا كان التطرف دينياً نكون أمام فهم متشدد للدين يأخذ صاحبه بعيداً عن الوسطية؛ وغالباً يكون هذا الفكر بعيداً أيضاً عن الصواب وصحيح الدين، بل ويكون الدافع الخفي من ورائه استخدام الدين وسيلة لتحقيق أهداف أخري؛ فيصبح الأمر »اتجاراً بالدين». ما علاقة التطرف الديني بظاهرة الإرهاب؟ - الإرهابيون الذين ينتمون لتنظيمات إرهابية كالقاعدة وداعش وبوكوحرام وغيرها من التنظيمات التكفيرية خرجوا من رحم التطرف؛ أي أنهم مروا بمرحلة تطرف في فهمهم للدين؛ ووصل بهم الأمر إلي دخولهم لدائرة الإرهاب؛ وهي المرحلة التي يحمل فيها الإرهابي سلاحاً أو يلتمس أي وسيلة من شأنها ارتكاب جرائم إرهابية مستهدفاً ممثلي الدولة تارة، والأفراد العاديين تارة أخري، وهدف هؤلاء عموماً الإضرار بالمصالح الأساسية للمجتمع؛ وصولاً لهدم الدولة اعتقاداً منهم أنهم قادرون علي إعادة بنائها، في ظل دولتهم المزعومة للخلافة! وبالتحديد ليس كل متطرف إرهابياً لكن معظم الإرهابيين متطرفون. هل تري أن مواجهة التطرف تلقي الاهتمام الكافي من أجهزة الدولة كما هو الحال بالنسبة للإرهاب؟ - لا تلقي نفس درجة الاهتمام، لكن يجب أن نتوقف هنا أمام توجيهات الرئيس السيسي المتكررة بمواجهة الفكر المتطرف وتصحيح الخطاب الديني، وقد أكد الرئيس هذا في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ حيث أشار إلي أنه »يجب علينا في العالم الإسلامي أن نواجه الحقائق بصراحة، فنعمل سويا علي تصويب المفاهيم الخاطئة التي باتت منبعاً أيديولوجياً للإرهابيين وفكرهم الظلامي الهدام»، وجدير بالذكر أن مواجهة الفكر المتطرف هي مهمة تضطلع بها المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية والثقافية. ما أهم سبل مواجهة الفكر المتطرف؟ - التنشئة السوية للطفل منذ سنوات عمره الأولي، هي الأساس الذي نواجه به الفكر المتطرف؛ وللأسرة والمدرسة بالطبع دور جوهري في هذه المسألة، فإذا تعود الطفل منذ نشأته علي أن يفكر في أموره ثم يختار بحرية، علي ضوء النصح الذي تقدمه الأسرة أو المدرسة، ستكون له شخصية قادرة علي أن تقول فيما بعد بكل قوة وإصرار »لا» لأي فكر منحرف؛ حيث تتكون له شخصية قادرة علي المواجهة والرفض لكل ما لا يتفق مع الصواب. لاحظنا وجود حالات كثيرة ينتقل فيها المجرم الجنائي لدائرة التطرف ثم الإرهاب.. وضح لنا أبعاد هذا الأمر؟ - متابعتنا لقضايا التطرف والإرهاب تؤكد وجود هذا التحول، لكنه ليس ظاهرة، وأذكر عندما عملت في فترة التسعينيات من القرن الماضي في مواجهة الإرهاب بمديرية أمن أسيوط حيث كانت المديرية بمثابة بؤرة الإرهاب الأخطر في مصر رصدنا حالات تحول فيها لص تافه من دائرة الإجرام الجنائي التقليدي لدائرة الإرهاب، فقام بتغيير شكله وأطلق لحيته وارتدي زياً يشبه ملابس عناصر تنظيم القاعدة، ثم حفظ بعض الآيات والأحاديث واحتج بهم لضحالة علمه في تكفير المسؤولين بالدولة، ثم ارتكب جرائم قتل شرطيين، وبالتالي أصبح مهاباً من أهل قريته، فنادوه بلقب »يا شيخ» فبعد أن كان وضيعاً أصبح شيخاً! ثم فرض إتاوات علي بعض المواطنين؛ وسرق بالإكراه محال للمسيحيين بدعوي أنهم كفار، وبهذا وجد في ادعائه التدين الزائف ملاذاً للتطهر من سجله الإجرامي السابق؛ بل وحقق من خلاله مكانة ومهابة لم تكن له من قبل فما فعله هذا الإرهابي اتجار بالدين. مؤخراً علمنا بتطوير المنظومتين العلمية والتدريبية بأكاديمية الشرطة ما من شأنه مكافحة التطرف والإرهاب، ما ملامح هذا التطوير؟ - بالتأكيد وجه وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار بتطوير المنهجية العلمية والتدريبية بالأكاديمية ليصبح العلم والتدريب في خدمة القضايا الأمنية المعاصرة، بل ولم يقتصر توجيهه علي تعليمات شفوية، بل اجتمع بقيادات الأكاديمية، لمناقشة آليات تطبيق هذا التوجيه، ولعل أهم أوجه هذا التطوير تمثلت في استحداث كلية الدراسات العليا بالأكاديمية لدبلوم خاص بمكافحة التطرف والإرهاب، حيث تم إعداد منهاجيته بشكل علمي احترافي غير مسبوق، حيث شارك في هذا الإعداد بجانب قطاعي الأمن الوطني والأمن العام؛ وقيادات الأكاديمية وكلية الدراسات العليا؛ لفيف من أرفع القامات القانونية والأمنية في مصر، ويهدف هذا الدبلوم إلي الارتقاء بمستوي الأداء الفكري والعملي للضباط المعنيين بمواجهة التطرف والإرهاب؛ ليس في مصر فقط بل وللدول العربية الشقيقة أيضاً. ما أهمية المعالجات الفكرية كمحور من محاور مكافحة الإرهاب؟ - المعالجات الفكرية للتطرف الديني أضحت ضرورة لمواجهة الإرهاب، فالفكر الديني المتطرف بمثابة مرض فكري معدٍ يؤثر علي سلوك المتطرف، وليس بمستغرب فشل فرنسا، مثلاً في هذا الشأن، حيث أعلن مجلس الشيوخ الفرنسي في فبراير الماضي فشل برنامج »إنهاء التطرف وإبطال التجنيد وإعادة دمج المسلحين في أوروبا». الأمر يحتاج لخبرة، غالباً يفتقدها القائمون علي وضع وتنفيذ منهاجيتها، لكن يجب أن نعرف أن نسبة نجاح تلك المعالجات إذا وصلت إلي 10٪ فيعتبر ذلك نجاحاً، فالمهمة بالغة التعقيد، ولعلنا في أشد الحاجة لإنشاء مصحة فكرية لمحاورة ذوي الفكر المتطرف، خاصة للتعامل مع فئات أهمها العائدون من أماكن الصراعات والمتهمون الذين حصلوا علي أحكام بالبراءة في قضايا إرهابية، وجدير بالذكر أن تطبيق نظام المعالجات الفكرية يتطلب بالضرورة تعديلات تشريعية للقانون المصري لمكافحة الإرهاب والتطرف، وبالتأكيد المتطرفون والإرهابيون فئة منغلقة علي نفسها لا يسمعوننا؛ فهم لا يشاهدون القنوات التليفزيونية المصرية سواء التابعة للدولة أم الخاصة؛ ولا يتحاورون مع علماء الإسلام الوسطيين. إذا كان لمواجهة التطرف هذه الأهمية، فلماذا تأخرنا في تطبيق آليات تلك المواجهة؟ وكيف نصل للمتطرفين وقد أكدت أنهم لا يسمعوننا؟ -لا شك أن هناك جهودا كثيرة تبذل في هذا الصدد تقوم بها المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية والثقافية لكن استهداف المتطرفين ومن باب أولي الإرهابيون أمر لم يحظ بالعناية الواجبة، والمعضلة تتمحور في اعتقادهم أنهم علي صواب، ويكفرون من يختلف معهم والسؤال الذي يطرح علي بساط البحث: كيف نصل إلي المتطرفين وإن وصلنا فما السبيل لتصويب اعتقاداتهم الخاطئة؟ لنطرح نموذجاً تطبيقياً لهذا: واقعة القبض علي ستة عناصر من خلية الإسكندرية الإرهابية قبل عيد الفطر الماضي، وكانوا في سبيلهم للقيام بتفجير انتحاري مزدوج أمام إحدي الكنائس بالإسكندرية صباح أول أيام العيد، ونشر بعدها فيديو لاعترافات كاملة للمتهمين الستة، وقد استُهجنت هذه التسجيلات بالطبع من قبل المروجين للإرهاب؛ مدعين أن المتهمين تعرضوا لإكراه معنوي، لذا نري أن استخدام أسلوب المناظرة معهم خاصة المتهمين الانتحاريين أفضل؛ فالمناظرة من شأنها حث الإرهابيين والمتطرفين علي مشاهدتها؛ خاصة إذا تمت في إطار ضوابط عادلة أهم ملامحها أن تتم في حضور رئيس نيابة مختص لضمان عدم وجود أي إكراه يمارس علي المتهمين أو اتخاذ أي موقف من شأنه الإضرار بحقوقهم الأساسية، ومن ناحية ثانية يناظر المتهمين من منظور شرعي اثنان من شباب الدعاة الأزهريين، فلا يناظرهما كبار علماء الأزهر؛ لتتحقق بهذا العدالة متمثلة في التقارب المتعلق بالعمر والخبرة، كما يشارك في المناظرة عنصر قانوني أمني لطرح الخلفيات المتعلقة بالقضية والمتهمين أمام الجمهور، وأخيراً يدير المناظرة إعلامي يتسم أداؤه بالحيادية، ولعل المناظرة التي تتم بضوابط عادلة تكون خير دافع للمشاهدة علي المستويين المحلي والدولي بعد إجراء ترجمة مصاحبة لها.