يظل غياب الصيانة أحد الأسباب الرئيسية التي تهدد ملايين الوحدات السكنية وتعرِّض أرواح الملايين من المواطنين وممتلكاتهم للخطر. يمثل انهيار الوحدات السكنية معاناة لكثير من المواطنين البسطاء من محدودي الدخل الذين باع الكثير منهم كل ما يملك أو سافر للخارج ووضع تحويشة عمره لامتلاك وحدة سكنية، فإذا بهذه الوحدة مهددة بالانهيار بسبب عدم تنفيذ بند الصيانة! اللافت للنظر أن انعدام الصيانة الدورية للمباني، وتردي حالة المرافق من مياه وصرف صحي، وتآكل المواسير ما يؤثر بالسلب علي صحة المبني، وسوء استخدام العقارات في غير الغرض السكني، والتكدس السكاني في العقارات فضلا عن التقادم وسوء الاستخدام ومرور مدة زمنية أطول علي المبني وعدم وجود صيانة دورية كل هذا يؤدي إلي ضعف شديد في البنية الخرسانية للعقارات ويعرضها للانهيار. ووفقا للأرقام يوجد في مصر 18 مليون وحدة سكنية تمثل نحو 85 في المائة من الوحدات السكنية تقدر قيمتها ب 750 مليار جنيه مهددة بالانهيار علي سكانها بسبب عدم صيانتها وأن الوحدات التي جري صيانتها يبلغ عددها نحو3 ملايين وحدة سكنية فقط تمثل 15٪ من الثروة العقارية في مصر الغالبية العظمي منها تقع في المدن الجديدة، وكشفت دراسة بجامعة القاهرة أن 50٪ من العقارات تحتاج للصيانة، وأن 90٪ من العقارات في مصر مخالفة وأن نحو »2» مليون عقار آيلة للسقوط. والعقارات المهددة بالانهيار في حي وسط القاهرة، وتضم مناطق الحسين والجمالية والدرب الأحمر والحمزاوي والأزهر والباطنية وباب الخلق، وهي تلك المناطق التي تشكل مصر الفاطمية، وتضم 38 ألف عقار، منها عقارات أثرية يقع أسفلها 55 ألف محل تمثل ثروة لسكانه وشاغليه، وهي أقدم عقارات أحياء القاهرة؛ حيث مرَّ علي معظمها أكثر من 150 عاما. في دراسة للدكتورة منار حسني عبد الصبور، مدير عام المكتب الفني بمديرية الإسكان محافظة القاهرة ورئيس قسم الهندسة المدنية بالمعهد العالي للهندسة، تحت عنوان »عيوب المباني السكنية»، كشفت أن الصيانة هي العنصر المحافظ علي المبني السكني من الزمن والضامن لبقائه سليماً متماسكاً طوال فترة عمره الافتراضي. وطالبت الدراسة بالبدء في صيانة المباني مباشرة بعد الانتهاء من تنفيذها وفقاً لبرنامج علمي هندسي يبدأ بالمعاينات الدورية لكل عناصر المنشأ التي يجب أن تتم بواسطة خبراء متخصصين في هذا المجال ليكونوا مسئولين وقادرين علي تحديد مدي خطورة ما يلاحظونه من تدهور في المنشآت ويحددون الأسلوب للعلاج والسرعة المطلوبة له في التوقيت المحدد. وأكدت الدراسة أن للصيانة أنواعاً عديدة أهمها الصيانة الوقائية التي تلزم المرور الدوري علي فترات زمنية مناسبة علي كافة عناصر المبني بهدف الاكتشاف المبكر لأي خلل ومعالجته قبل أن يستفحل خطره. أما الصيانة العلاجية فهي تعني القيام بإصلاحات الخلل والعيوب التي تظهر في عناصر المبني ومكوناته. وأشارت إلي ضرورة الاهتمام بالجوانب التشريعية والإدارية والاجتماعية والتمويلية حماية للأرواح وحفاظاً علي الثروة العقارية؛ ووصولاً لعلاج جذري وشامل بإنشاء نظام إداري متكامل لصيانة المنشآت السكنية ليكون أداة جيدة في مجال الصيانة ومن ثم تحسين الخدمات الإسكانية سواء في الإصلاح والترميم والصيانة استرشاداً بالدول المتقدمة لغير القادرين وأولوية للطوارئ من تدهور مفاجئ وحالات عاجلة للصيانة مع إنماء الوعي المعرفي بأهمية الصيانة وتأثيرها ومؤثراتها السلبية علي حياة السكان في حال إهمالها. يؤكد الدكتور حسين محمد علام الرئيس السابق لجهاز التفتيش علي أعمال البناء بوزارة الإسكان وأستاذ ترميم المنشآت الخرسانية بالمركز القومي لبحوث الإسكان، أن الصيانة كما عرّفها قانون البناء رقم 106 لسنة 1960 الذي كان ساريا حتي 2008 عبارة عن بندشكلي حيث كانت هناك جهة إدارية منوط بها القيام بأعمال الصيانة، لكن هذه الجهة كانت تفتقد الإمكانات للقيام بأعمال صيانة ومن هنا ظهرت المشاكل، فضلا عن أن القانون لم يحدد من الذي يتحمل تكاليف الصيانة سواء كان المالك أو المستأجر، لافتا إلي أن هذا الوضع استمر حتي العام 2008 حتي صدر »قانون البناء الموحد» رقم »119» الذي نص علي بند تنفيذ الصيانة وجعل اتحادات الشاغلين، المسؤولين عنها، لكن دون وجود آليات ملزمة، حتي أصبحت صيانة المبني تتم بالاتفاق، وهذا الأمر لا يتم إلا نادرا، خاصة في اللحظات الأخيرة لإنقاذ ما يمكن انقاذه، أو بعد فوات الأوان، مما جعل اتحاد الشاغلين مغلول اليدين، وهذا ما يؤدي في النهاية إلي أن الصيانة لا تتم بشكل جاد وفعلي، وربما في الوحدات الجديدة التي يبلغ عددها نحو »3» ملايين وحدة سكنية تقع في المدن الجديدة، حيث يقوم مالك العقار بتحصيل مبلغ معين من مشتري الوحدة السكنية أثناء عملية البيع والقيام بإيداعه في أحد البنوك تحت بند اوديعة الصيانةب للعقار وهذه الوحدات لا تمثل إلا جزءا بسيطا تصل لنحو 15٪ من الثروة العقارية في مصر. يوضح أن المشكلة الخطيرة والأزلية التي تقف أمام أعمال الصيانة تكلفة الصيانة ومن يتحمل تكلفة هذه الصيانة خاصة المباني القديمة هل يتحملها المالك أم المستأجر؟، ومن هنا نلاحظ أن القانون لم يحدد، من يتحمل التكلفة، لذلك يستلزم إدخال تعديل تشريعي يضع حدا وحلا جذريا لهذه المشكلة، وليكن الحل بشكل تدريجي من خلال إيجاد أشكال مختلفة لصياغة العقود، والبحث في تعديل العلاقة بين المالك والمستأجر، وهذا يتم بشكل جزئي يبدأ - علي سبيل المثال - من الوحدات المؤجرة المغلقة،من خلال اتفاق بين المالك والمستأجر علي صيانتها وإعادة تأجيرها بأسعار مرتفعة وتقسم الحصيلة مناصفة بينهما . يضيف الرئيس السابق لجهاز التفتيش علي أعمال البناء: يجب عند وضع صياغة القوانين بالشكل الصحيح الاعتماد علي الواقع والإحصاءات التي تصدرها الأجهزة الرسمية كالجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء بحيث يتم معالجة مشاكل الغالبية العظمي للمواطنين، موضحا: يجب عند إجراء تشريعات البناء في اللائحة التنفيذية مراعاة كل منطقة وكل نوعية من الإسكان علي حدة سواء إسكان محدود الدخل أو متوسطا أو إسكانا راقيا. بينما يري الدكتور رأفت شميس أستاذ العمارة بمركز بحوث الإسكان أنه عندما تم وضع القانون الخاص للعلاقة بين المالك والمستأجر لم تكن قيمة الإيجار وقتها تكفي لتنفيذ بند الصيانة. وأن هذا الوضع استمر حتي صدر قانون البناء الموحد عام »2008» الذي نظم ما عرف ب»اتحادات الشاغلين»، ولأن مالك العقار لايعنيه بند الصيانة فالساكن المعني بالأمر، الذي يقوم بتشكيل اتحاد الشاغلين أو الجمعية العمومية للشاغلين التي من مهامها تحديد الرسوم والأعمال المطلوبة بناء علي تقارير المكاتب الاستشارية الهندسية التي يتم الاستعانة بها ومن هنا تحول السكان إلي مسئولين فعليين عن الحفاظ علي الثروة العقارية بعد أن كان المالك هو المسئول، ولكن الكارثة تتمثل في عدم تنفيذ القانون لاعتماده في عمليات الصيانة بشكل أساسي علي الجهات الإدارية التي تعجز في إلزام المواطنين بإجراء عمليات الصيانة باستثناء الوحدات في المدن الجديدة »الكمبوند» التي تتبع إدارتها في الغالب القطاع الخاص حيث تقوم بإنشاء شركات متخصصة في إدارة وصيانة تلك الوحدات حيث تنص عقودها مع المشترين علي التزامهم بسداد قيمة الصيانة المتوقعة، لافتا: لتعميم هذه الفكرة يتطلب من الجهات الإدارية المعنية تطبيق القانون وحث اتحادات الشاغلين وإلزامهم بالقيام بأعمال الصيانة وضمان مشاركة المستفيدين بكل ما تحتاجه الصيانة من أموال وإيداعات بنكية. يضيف أن أعمال الصيانة هدفها الحفاظ علي أرواح السكان والحفاظ علي الثروة العقارية، أسوة بما هو متبع في الدول المجاورة والمتقدمة حيث يوجد نظام صارم يلزم الجهات الإدارية بتشكيل لجان متخصصة تتولي تقييم أعمال الصيانة المطلوبة وتقدير تكلفتها وتلزم السكان بإجراء أعمال صيانة للوحدات في وقت محدد وأن من يمتنع تطبق عليه غرامات. أما الخبير الفنّي المهندس محمد سامي فرج، فيري أن النقطة الأساسية التي يجب أن نتّجه إليها لحل هذه المشكلة المُزمنة، تتلخَّص في مشروع الرقم القومي للعقار والمُدوَّن فيه كل بيانات العقار من تاريخ إنشائه، ومواصفاته وأعمال الصيانة التي أجريت عليه، لافتا إلي أن كل هذا يجب أن يكون متوافرا في قاعدة معلومات قومية ضخمة لجميع العقارات الموجودة علي مستوي الجمهورية.