الصمت، والنظر إليك بحذر، عادة بدوية لا يمكنك تجاهلها وأنت في طريقك إلي التحدث مع أحدهم.. يكشف لك البدوي أسراره تباعا، وهو يتابع أثر ما يقول علي وجهك.. بينما الامتناع عن الكلام بابتسامة مرحبة ثم الفرار من أمامك وسيلته للتخلص من خطر قادم تعود عليه من النظام السابق. مازالوا هناك لا يصدقون أن أمن الدولة قد تم تقويضها، الرعب الذي يكسو وجوه لاقت من الإذلال ما لا تطيق علي أيدي ضباط العادلي وزبانيته جعلها تشك في أن وراء كل حجر مخبراً!. الصورة الذهنية التي رسخ لها إعلام مبارك وهو يصور البدوي علي أنه بلطجي يحتمي في خيمة، ويعيش داخل صحراء منعزلة، لا تمنحه سوي الجهل والقسوة وتفقده الانتماء للوطن، جعلت منه هدفا للسخرية، ونالت من كرامته وحريته لكنها لم تفقده القدرة علي الصمود وإثبات وطنيته فكان الدرع الوافية علي الحدود ليشارك بدور رائد في ثورة تخطت دهشتها كل الحدود. بينما تشير الحقيقة إلي أن البدو الآن يمتلكون قصورا علي أحدث الطرز المعمارية،في الوقت الذي لا يستطيعون التخلي فيه عن خيام يضجعون فيها علي رمال ناعمة تسمح لهم بالتأمل كما يرغبون. تختلف البيوت في سيناء، لكن الخيم تتشابه، تعطي انطباعا بتقارب الأذواق والميول ورغبة كأنها مازالت كامنة ترغب في الترحال والتنقل. وفي ضيافة الناشط السياسي محمد حمد وزميلنا الصحفي محمد ماضي قضينا قرابة اليومين في شمال سيناء، ونحن نحاول التعرف علي طبيعة الإنسان البدوي وأحواله بعد 37 عاما من زوال الاحتلال الإسرائيلي عن أرض الفيروز. "احتلال نظام مبارك كان الأسوأ" إنها جملة أحد كبار مشايخ البدو التي وجدنا من يدلل علي صحتها في كل مكان نذهب إليه. لا تخلو مدن الحدود من مشاكل عديدة أهمها علي الإطلاق البطالة التي ترغمهم علي تكسب رزقهم بطرق غير مشروعة مثل الاتجار في: المخدرات والأسلحة، والأنفاق.. بينما افتقار المحافظة لمشاريع التنمية يفقد الأمل في حلها. أما ضبط الحدود والتعامل مع عصابات تهريب البشر إلي إسرائيل فهو أمر كارثي لا يجد من يلتفت إليه باهتمام حقيقي. لا يختلف إنسان البدو اليوم عن إنسان الحضر فهو يتحدث نفس اللغة ويحمل عين الهم إلا أنه مازال يتمسك بعاداته وتقاليده التي تكسبه الأصالة وترسخ بداخله قيما ثابتة قد لا نجدها في المدن. "لم أجد في شمال سيناء رجلا واحدا يسير خلف غنم وهو يعلق يديه علي عصاه الممدودة فوق كتفيه".. إنها ملاحظة زميلنا المصور خالد عبد الوهاب ونحن نجتاز بالسيارة كوبري السلام أثناء عودتنا في طريقنا إلي القاهرة..