لا أحد ينكر أن هناك بعض الصور التي تفضح وجود تسيب في بعض المصالح الحكومية لدي قطاع عريض من الموظفين، بما يُشير إلي عدم إدراك هؤلاء للظرف الراهن الذي تمر به البلاد، ويتخلون عن التحلي بالأمانة التي وضعت في يد كل موظف وعامل في موقعه. من أهم تلك الصور المسيئة، التغيب المتعمد عن العمل أو التعلل بأسباب مختلفة والانصراف عنه مبكراً، مما يؤدي إلي اهمال العمل وتعطيله وعدم إنجازه بشكل مقبول متجاهلين ما قد نبه عليه ديننا الحنيف من أهمية العمل. طوابير لا آخر لها بالمصالح الحكومية لمواطنين يرغبون في إنجاز مصالحهم، مشهد متكرر يوميًا بمعظم المصالح الحكومية، وهو نتيجة لتغيب الموظفين عن عملهم. جمال عبد العليم المستشار المنتدب من وزارة التخطيط لوزارة الصناعة لشئون المتابعة الإدارية والتوظيف، أكد أن هناك 872 ألف موظف يتغيبون في اليوم الواحد بسبب الحر مما أثار حفيظة البعض لأنه فتح الباب أن المصريين وخاصة بالقطاع الحكومي يتغيبون بشكل شبه يومي ولأسباب مختلفة عن العمل وهو ما يكبد الدولة خسائر فادحة تعوقها من التقدم والتطور وبالتالي يخلق تغيب المصريين عن أعمالهم أزمة تضع الدولة في عنق الزجاجة. المستشار جمال عبد العليم أكد أن إجازات الموظفين تصطدم مع خطط الحكومة لإعادة تنظيم الجهاز الإداري للدولة حيث إن الموظفين في حرص دائم للحصول علي إجازت اعتيادية وعارضة ومرضي، حتي تغيب في يوم واحد بسبب الحر 872 ألفا و242 موظفاَ، فيما حصل 22 ألفاً و343 موظفاَ علي أذونات انصراف مبكرة من العمل بسبب الارتفاع في درجات الحرارة مشيراً إلي أن التغيب عن العمل يكلف الدولة خسائر تقدر بمليار وربع المليار لليوم الواحد. والسؤال، إذا كان هذا العدد من الموظفين قد تغيبوا عن وظائفهم في يوم واحد بسبب الحر، وهو ما كبد الدولة خسائر كبيرة، فكم قد تكون الخسائر التي تتكلفها الدولة نتيجة لغياب موظفيها في شهر أو سنة؟ وما الأسباب التي يتغيب المصريون بسببها عن وظائفهم؟ وللحصول علي إجابات فكان لابد من مناقشة هذه المشكلة التي تكبد الدولة خسائر فادحة وتعطل العمل ومصالح المواطنين، وتعرقل الاقتصاد، وبسؤال مجموعة من الموظفين وجدنا تعدد أسباب المصريين للغياب من العمل فمع الحر وجدنا أن المصريين يتغيبون عن العمل بسبب ظروفهم العائلية مرة وعدم قدرتهم علي النهوض باكراً مرة أخري، أو بسبب الملل و الروتين وضغوط العمل والمرض، حيث تقول انتصار أحمد- موظفة بقطاع الصحة- إن القانون يأمن إجازات اعتيادي ومرضي ومن حق الموظف اللجوء لها طوال أيام السنة، ولكن عند الضرورة كاستخدامها عند المرض أو عند الظروف القهرية التي تمنع من الذهاب للعمل، وهي الأمور التي قد تمنعني أيضاً شخصياً من الذهاب للعمل. أما جيهان فكري- 44 سنة- موظفة مسئولة بإحدي المصالح الحكومية تقول أن مرض أطفالها أو تعرضهم لمشكلة ما بالدراسة أو الظروف الخاصة بالأسرة هو ما يمنعها من الذهاب للعمل، وبالطبع قد تكون الظروف المناخية سبب أيضاَ كشدة الحر أو البرد، خاصة أن التصرف والاستعدادات والتصدي للظروف المناخية غير متواجدة، فعلي سبيل المثال عند نزول المطر تغرق الشوارع وتقل وسائل المواصلات وتنعدم الخدمات وتغلق المحلات أبوابها، لذلك نجد أن عدداً كبيراً جداً من الناس يلتزمون منزلهم عند الظروف المناخية الصعبة، وليس الموظفين فقط. فيما يقول إبراهيم محمد- 52 سنة موظف إن الغياب المتواصل عن العمل بالطبع يسبب خسائر لجهة العمل التي يعمل بها الموظف وللدولة والموظف نفسه لأنه يعرض نفسه للخصومات وقتها، أما فيما عدا ذلك فيمكن استخدام الإجازات الممنوحة لنا حسب القوانين سواء مرضياً أو عارضة أو اعتيادياً كما يمكن استخدامهم في حدود المعقول وبما لا يعطل مسيرة العمل أو الإنتاج، مؤكدا انه بالفعل يوجد عدد من الموظفين وقد يتواجدون بمعظم القطاعات لا يحرصون علي التواجد في أوقات عملهم وقد يكون أكثرهم العنصر النسائي. يقول محسن عبدالله - 36 سنة مدرس أن هناك بعض الناس لا يبالون بأعمالهم وواجباتهم التي لابد أن يقوم بها بأكمل وجه وبالتالي دائما يظهر خلل في منظومة العمل، يترتب عليه تعطيل للمصالح وإهدار للوقت. ومن جانبه يري محمد شريف أستاذ القانون المدني، أنه لابد من تفعيل الدور الرقابي علي المؤسسات الحكومية التي يزداد بها نسب التسيب وحصر الإجازات التي يقطعها العاملون بجدية، وخاصة بقطاعات الصحة والتعليم، وضرورة عمل زيارات مفاجئة لهذه القطاعات لمتابعة سير العمل لأن المعظم يعلم بالزيارة قبلها فيتواجد الجميع علي مكاتبهم في شكل تمثيلي. يضيف، أن غياب الموظفين أو العاملين بالقطاع الحكومي من أهم مظاهر التسيب التي تحدث بالقطاع الحكومي لأنه يؤدي إلي عدة نقاط قد تذهب بالفرد والمجتمع والدولة إلي القاع، فغياب الموظفين عن العمل يؤدي إلي عدم إنجاز الأعمال المطلوبة، وخاصة بالقطاعات التي من المفترض أنها لخدمة المواطنين، حيث يكره المواطن اليوم الذي ذهب فيه لتأدية مصلحة في هذه الأماكن ويسعي للحصول علي الخدمة بأي طريق حتي لو اضطر إلي دفع الرشاوي، في حين أن تردده علي مكان ما للحصول علي الخدمة التي يريدها يضطره ذلك إلي ترك عمله هو الآخر والتغيب عنه وبالتالي نجد أنفسنا في دائرة غايتها تعطيل العمل وإحباط المواطن وحركة العمل. أشار إلي أننا إذا نظرنا إلي تقدم المجتمعات الأخري سنجد أن الازدهار الاقتصادي الذي ينعمون به ناتج عن إخلاصهم للعمل والمداومة عليه وإنجازه، لافتا إلي أن الحرص علي العمل لا يقتصر علي قطاعات دون غيرها أو أشخاص دون غيرهم، فلابد من الحرص علي العمل من أكبر مسئول إلي صغار العاملين لضمان أن الفائدة ستعود علي الجميع. من جانبها، تعلق شادية قناوي أستاذ علم الاجتماع، أن العمل من أسس المجتمع ودعائمه خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، فمن المعروف أن الأشخاص لابد أن يعملوا ويبذلوا الجهد لكسب لقمة العيش والحصول علي ما يكفيهم للمعيشة وبالتالي يستفيد الأفراد، والدولة فهو عقد مبرم لمنفعة جميع الأطراف، كما تعود المنفعة علي الجميع فالخسارة أيضاً تعود علي جميع الأطراف، لذلك فالاستهتار بالعمل والحصول علي إجازات لغير الضرورة القصوي سيعود بالسلب علي الأفراد والمجتمع. توضح أن العمل قامت عليه حضارات، وعلي رأسهم الحضارة المصرية التي اشتهرت بالعمل الزراعي والمعماري وغيرهم، لذلك نجد أن الاهتمام بالعمل يزيد من إيرادات الدولة ويزيد الإنتاج لانتعاش الأسواق وازدهار الاقتصاد، تشير إلي أهمية تقديس كل فرد للعمل وعدم التهرب منه لأن الإهمال في العمل وترك كل شخص لمهامه التي يقوم بها والتغيب عنه يؤدي إلي عواقب وخيمة بالمجتمع كزيادة نسب الجريمة بسبب الشعور بالفراغ وعدم وجود أهداف محددة، وانعدام الأمن وانخفاض المستوي المعيشي. تتابع، أن جميع الكتب السماوية أوضحت قيمة العمل والحرص عليه فقال الله تعالي "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله "فالعمل في الأرض لإقامة الدين عن طريق الحرص عليه والاجتهاد فيه، وعن طريق العمل يمكن التخلص من الفساد والاستقلال بالنفس والمجتمع.