الموصل.. تحررت هكذا أعلن حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي في تصريح نقلته كل وكالات الأنباء العالمية، مضيفا أن مسألة تحرير الجيوب الباقية فيها التي لم يعد يتحصن بها سوي عشرات من الدواعش، هي مسألة وقت ليس إلا، وبالتحديد مسألة أيام بل ساعات قليلة.. وتصريح العبادي حقيقي علي أرض الواقع، فالموصل عاصمة محافظة نينوي ومعركتها قد حسمت، ولم يعد الكلام الآن ومنذ فترة هو عن كيفية تحريرها، بل عن سيناريوهات ما بعد تحريرها والأجندات الداخلية والإقليمية والدولية، التي ستتحكم كلها ليس في مصير المدينة العريقة فقط، بل في العراق كله. والسؤال: ماذا بعد معركة تحرير الموصل أكبر مدن محافظة نينوي؟ - جاءت إجاباته من عدة أطراف متناحرة في العراق، وبالتحديد الأكراد والسنة والشيعة ومن ورائهم حلفاؤهم من قوات التحالف الدولي وإيران وحزب الله وبلدان مجاورة علي رأسها إيرانوتركيا.. والجدل ضروري لمدينة تعد ثانية أكبر المدن العراقية وتعد عاصمة محافظة نينوي، وعدد سكان الموصل حسب شبكة ال»NN الإخبارية الأمريكية هو نحو 3 ملايين مواطن من أصل 5 ملايين نسمة يسكنون نينوي كلها، أما أغلبهم ففي الموصل الواقعة علي نهر دجلة الذي يدخل نينوي من تركيا، وتبعد نينوي عن العاصمة بغداد بنحو 500 كيلومتر وتعدُّ من أقدم المدن العراقية وكانت في وقت ما عاصمة للإمبراطورية الآشورية، وتم بناؤها نحو عام 6000 قبل الميلاد، وسميت نينوي نسبة لمؤسسها الملك الأشوري "نينوس". ومساحة المحافظة نحو 32 ألف كيلومتر مربع، ومن مدنها إضافة للموصل: الحضر والقيروان وتل عزيز وبعشيقة، كما أنها تضم "قبورا" لعدد من الأنبياء ومنهم النبي يونس وشيت وجرجس، إضافة لكنائس تاريخية ومنها: مريم وسيدة النجاة والأرمن والكاثوليك، وكلها (كنائس وقبور) دمرها داعش، أما سكان المحافظة فأغلبهم من العرب (نحو 80 بالمائة) ودياناتهم: الإسلامية والمسيحية والآشورية، والقوميات ما بين عربية وكردية وتركية. هذا عن نينوي وعاصمتها الموصل.. ومكانتها في العراق - وهو الأمر الذي يجعل لها أهمية تاريخية قد تضاهي العاصمة بغداد نفسها، ومن هنا كان طرح السؤال: وماذا بعد عملية التحرير والمعركة العسكرية التي جرت هناك علي مدار أكثر من 8 شهور كاملة، وشاركت فيها وعبر محاورها الأربع: نحو 30 ألف جندي، ووحدات خاصة أمريكية، وأسراب طائرات ضمت طائرات أمريكية وفرنسية وعراقية، والإجابة: كما تقول صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية لابد أولا أن تضع في اعتبارها أمورا هامة: فقد حدث تغير ملحوظ في طبيعة السكان خاصة بالموصل، نتيجة نزوح مئات الآلاف منهم لمدن أخري مجاورة أو لبلدان مجاورة أبرزها تركيا. كما هربت عناصر داعش كما تقول صحيفة نيويوريك تايمز الأمريكية للصحراء بعد طردهم من الموصل، ربما لالتقاط الأنفاس أو لتنظيم صفوفهم استعداداً لمعركة فاصلة أخري تماماً مثلما حدث في العام 2007، عندما اتخذ التنظيم الصحراء كظهير له لشن هجماته. ومن هنا.. لابد عند الإجابة علي السؤال: أن يوضع في الاعتبار ضرورة عودة النازحين من المحافظة عامة والموصل أكبر مدنها وثانية المدن العراقية، وضرورة عدم تهميشهم في الماضي والذي ساعد علي ترحيبهم للدواعش عند احتلالهم لبلدتهم منذ أكثر من 3 سنوات.. وهنا لابد من إدماجهم في الإدارات المحلية والقوات الأمنية، وبعيدا عن سطوة قوات الحشد الشعبي وهي قوات شيعية في المقام الأول، وتتبع سياسة طائفية في تعاملاتها مع السكان السُنة وتتهمهم في معظم الأوقات بالتعاون مع داعش.. ونفس الحال بالنسبة للقوات الكردية في تعاملها مع باقي الفصائل التي تشكل النسيج السكاني للموصل. ثم.. لابد من تدعيم قرار البرلمان العراقي مؤخرا، والخاص بإبقاء محافظة نينوي وعاصمتها الموصل موحدة وحسب حدودها التاريخية قبل الاحتلال الأمريكي للعراق مع منع قرارات خاصة بتقسيمها، إضافة إلي أن القرار وهذا هو الخطير يعطي لسكان نينوي والموصل، حق تقرير مصيرهم بعد التحرير، وقد يكون ذلك أحد السيناريوهات المقترحة لتقسيمها وبعيداً عن العراق الموحد. ويؤكد ذلك.. تصارع 3 سيناريوهات لمستقبل نينوي والموصل بعد التحرير، فهناك حسب صحيفة الجارديان البريطانية وصحف أمريكية مشروع سني.. يطالب بتحويل نينوي لإقليم مستقل يضم داخله عدة محافظات تضمن عدم تفتتها بين الأقليات والقوميات، إضافة لجعل الموصل محافظة وتكون عاصمة للأقليم المقسم كله. وهناك "مشروع كردي" وهو قريب من المشروع السني ويقضي بذات التقسيم كمحافظات ولكنه يجعل للأكراد في نينوي حقا إما بالانضمام للمحافظات المقسمة أو بالانضمام طواعية وعن طريق الاستفتاء لأقليم كردي أكبر وهو "أقليم كردستان العراق". وهناك "مشروع شيعي" يتبناه كل من رئيس الوزراء حيدر العبادي ومن ورائه ميليشيا الحشد الشعبي الشيعية وتقف معهما فيه إيران.. ويضمن بقاء الوضع علي ما هو عليه قبل سيطرة "الدواعش"، وهو ما يرفضه الأكراد والسنة معا، لأنه يعيد المشاكل والأزمات التاريخية للإقليم كله، ومعاناته من التهميش، وهو الأمر الذي يخدم العبادي ورفاقه وحلفاءه، لأنه وببساطة يضمن سيطرة الجيش العراقي علي تلك المناطق وهو عمليا يضمن سيطرة قوات الحشد الشعبي الشيعية عليها، ويتيح لها فتح طريق بري لها مع سوريا. ولكن يبقي مع كل ذلك.. احتمالية عودة الدواعش مرة أخري لنينوي والموصل، خاصة في ظل أمرين: أولهما: صراع القوي السياسية والطائفية في اقتسام "كعكة" ما بعد التحرير. وثانيهما: هو تحصين الدواعش لمواقعهم حول الموصل وخاصة تلك التي في الصحراء المتاخمة لها، إضافة لوسائلهم المعروفة من السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية.