المستشار محمد الخضّار المدعي العسكري العام في نظام القذافي، يُعد من أوائل المسئولين الليبين السابقين الذين أعلنوا انشقاقهم عن العقيد الهارب وانضمامهم للثوار. تساؤلات عدة دارت حول الرجل الذي حمل صفة "قاضي تحقيق مستقل" في القضية التي بسببها اندلعت الشرارة الأولي لثورة 17 فبراير وراح ضحيتها 1200 شهيد فيما عُرف إعلامياً بمذبحة سجن أبوسليم. الخضار تحدث ل"آخرساعة" عن تفاصيل هذه القضية وأوراقها التي يسعي لتسليمها الآن للمجلس الانتقالي، كما فجر مفاجآت حول سلسلة من الاغتيالات غير المعلنة دولياً نفذها القذافي ضد وزراء وضباط ومناضلين لأسباب مختلفة. التفاصيل في سياق السطور التالية. ❊ متي بدأت علاقتك بنظام القذافي؟ - عقب قيام انقلاب القذافي عُينت مستشاراً قانونياً لوزارة الدفاع منتدباً من جهاز القضاء، حيث إنني عُينت وكيل نيابة عام 1969 بمجرد تخرجي وبعدها توليت وظيفة رئيس نيابة بصلاحيات النائب العام عام 1986 ولمدة 4 سنوات. وفي عام 2000 تعينت مدعياً عاماً للشعب المسلح (المدعي العسكري العام) لمدة 10 سنوات. بعدها تم إعفائي من وظيفتي وسُجنت 19 يوماً بحجج واهية، وأساسها أنني قمت بالمعارضة في عدة قضايا وهي تخص ليبيا وليست لها أهمية بالنسبة للعالم الخارجي، وبقيت لمدة سنة مستشار المحكمة العليا وبعدها انتدبتني الجمعية العمومية للمحكمة العليا قاضي التحقيق المستقل لقضية مذبحة سجن أبوسليم. ❊ ما هو وضعك الوظيفي الآن بعد الثورة؟ - حتي الآن ونظراً لقيام ثورة 17 فبراير لا أعرف وضعي كحال كل المسئولين السابقين في نظام القذافي، حيث لم يبلغنا المجلس الانتقالي بأي شيء حتي هذه اللحظة. ❊ كنت القاضي المستقل في قضية مذبحة سجن أبوسليم فهل حقاً لم تتوافر لديك أي معلومات حول حقيقة الحادث؟ - عندما توليت مسئولية التحقيق في هذا الحادث للأسف الشديد لم أكن أعرف عنه شيئاً، إلا بعض الرتوش البسيطة حيث إنني لست من قراء الإنترنت الذي توافرت فيه المعلومات عن الحادث دون غيره، ولأن القضية ذاتها طُرحت علي الإنترنت وقتذاك. حينما توليت هذه المهمة كان اعتقادي الجازم أنها مهمة تاريخية وجادة. بدأت أطلع علي المستندات من خلال الإنترنت، وسُلمت لي أوراق واهية من النظام السابق ومن الأمن الداخلي ورئيس المحكمة العليا والتي لم تتضمن أية معلومات يمكن الارتكاز عليها في التحقيق. ومن خلال تجميع الأوراق والأدلة وجدت أن المسئولية كبيرة وتحتاج إلي صلاحيات واسعة. ❊ ألم تتواصل في هذا الشأن مع مدير الاستخبارات العسكرية والذي بالتأكيد كانت لدية معلومات حول الحادث؟ - فهمت من العميد عبدالله السنوسي مدير الاستخبارات العسكرية فيما بعد أن الموضوع غير جاد ومجرد ديكور لإيهام حقوق الإنسان والمنظمات الدولية المعنية بأن ثمة تحقيقا داخليا يُجري داخل ليبيا، حتي يتم تجنب تدويل القضية. ❊ وهل التقيت بمحاميّ القضية؟ - لقد مُنعت رسمياً من مقابلة محامي القضية وهما الأستاذ عبدالحفيظ غوقة وعبدالحميد تربل ولم أقابلهما حتي الآن، وكان لهما فضل كبير في إثارة هذه القضية علي المستوي الدولي. تعرضا من النظام السابق للكثير من المضايقات لأنهما السبب الرئيس وراء تحريك قضية أبوسليم والتي كانت سبباً وبداية لاندلاع ثورة 17 فبراير. ❊ تردد أنك مُنعت من السفر إلي بنغازي التي يتواجد بها أسر الشهداء. ما صحة ذلك؟ - بالفعل تم منعي من السفر إلي بنغازي. أبلغني بذلك الفريق عبدالله السنوسي مدير الاستخبارات العسكرية والفريق مصطفي الخروبي عضو مجلس قيادة الثورة، وحتي المناسبات الخاصة طلبت الإذن لأسافر من طرابلس إلي بنغازي ومع ذلك لم يوافقوا علي سفري، والسبب أن بنغازي بها أسر الشهداء الناشطين الذين يطالبون بدم شهدائهم. ❊ لكنك وقتذاك أجريت حواراً نشرته صحيفة "الشمس" حول هذه القضية فماذا كان الهدف من ورائه طالما لم تتوافر لديك معلومات حول القضية؟ - حينما توليت القضية صرحت لجريدة "الشمس" وقلت ما يقوله أي قاض. قلت إنه في تلك اللحظة لم تكن لديّ معلومات وافية عن القضية وكل خلفيتي هو الإنترنت وكان المقصود بذلك هو الإعلان عن وظيفة قاضي التحقيق المستقل. سلمت هذا الحوار للأستاذ محمد بعيو رئيس مؤسسة الصحافة، وبعد مده نُشر الحوار في صفحة كاملة ولكن تم تحريف بعض كلامي بإدخال تعديلات علي عدد الشهداء الذين قضوا في هذه المذبحة إلي جانب تعديلات أخري في بعض العبارات وقال لي "بعيو": الحوار أخذه نوري ضو الحميدي أمين المؤسسة العامة للثقافة وأرسله إلي معمر القذافي للتوجيه ورجع مُحرفاً، وللعلم النسخة الأصلية موجودة عند الأستاذ بعيو. ❊ولماذا لم تحاول نفي هذه التعديلات لوسائل الإعلام؟ - حاولت ذلك بالفعل ولكن تم منعي لأن التحريف تم بواسطة أعلي سلطة بالدولة ولا يمكن لأحد تكذيبه. ❊ إذن كيف سارت الأمور في بداية التحقيق؟ - حاولت أن أبدأ التحقيق مع أشخاص غير مهمين، وعندما وصلت إلي التحقيق الجدي تبين لي أن مراكز القوي في ليبيا كلهم مشاركون في هذه الجريمة البشعة وعلي رأسهم منصور ضو قائد الكتائب الأمنية بنظام القذافي الهارب خارج البلاد الآن، وعبدالله السنوسي وعز الدين الهنشيري وناصر المبروك وعبدالحميد السائح (ضابط مخابرات اشتهر بمسئوليته عن عمليات الاعتقالات والتعذيب والتنكيل) وهو مفتاح القضية ويجب التحفظ عليه لأنه لديه المعلومات الكافية والشاملة حول هذه القضية من حيث عدد الجثث والأماكن التي دُفنت بها. كذلك الذي يكون ملماً بالموضوع الفريق محمد عبده وضباط آخرون في الشرطة العسكرية والأمن الداخلي والخارجي. ❊ وهل طلبت التحقيق مع هؤلاء؟ - طلبت التحقيق معهم ولكن كان من الصعب أن يحدث ذلك لأن كل اسم من هؤلاء كان يُرعب الدولة بكاملها وليس قاضي تحقيق، وكانوا يصولون ويجولون أقوي من معمر القذافي، لذا وجدت نفسي أمام طريق مسدود. ❊ وماذا ذكرت في التقرير الذي أعددته حول القضية؟ - ألهمني الله وأعددت تقريراً حتي المعارضة في ذلك الحين لا يستطيع أحد فيها أن يكتب مثله، وأتمني من الله أن يجدوا هذا التقرير ضمن الأوراق التي وجدوها في باب العزيزية بمكتب القذافي. خلاصة التقرير تتلخص في أنني بهذا الوضع لا أستطيع أن أقوم بالتحقيق وأحتاج إلي صلاحيات النائب العام والمدعي العام بقانون، ويجب أن الأسماء التي ذكرتها (عددها 45 اسماً) يتم إيقافهم عن العمل لكي يتسني لي التحقيق معهم، إذا كانت الدولة جادة في هذا التحقيق. ❊ برأيك أين يمكن أن تكون جثث الشهداء؟ - تضاربت الأقاويل حول دفنها في سجن أبوسليم وعليه أرجو ألا يُهدم هذا السجن لحين التأكد من عدم وجود الشهداء تحت الأرض بمعرفة خبراء عالميين متخصصين في هذا الأمر. ثمة خبر آخر عن أن جثث الشهداء أخذت بثلاجة وألقيت في البحر وجزء منهم دُفن. والآن بعد الثورة يسهل الوصول إلي الحقيقة، وبخاصة أن هناك شاهدا مهما يعرف مكان الجثث ولم نستطع إحضاره إلي مكتبي أو الذهاب إليه لأنه كان مُراقباً وبعد كتابتي التقرير تمت مضايقتي وشعرت أن الأمور غير عادية وعندما سطرت التقرير الموجود منه نسخة لديّ والأوراق كافة في أيدٍ أمينة أستطيع إحضارها وتسليمها للمجلس الانتقالي إذا رُؤي عدم استمراري بالتحقيق في القضية. ❊ وأين هذه الأوراق الآن؟ - حينما بدأت الثورة خبأتها في مكان أمين خارج طرابلس وساعدني بعض الإخوة في الهروب سراً إلي تونس يوم 21 فبراير وأعلنت انشقاقي وبلغت ذلك في نفس الليلة للأستاذ عبدالمنعم الوهني سفير ليبيا في مصر وكذلك فرج الصعيتي سفيرنا في موريتانيا وتقابلت معه في القاهرة بعد انشقاقه وقلت له سأعطيك رسالة بانشقاقي وانضمامي للثورة إلي الأستاذ مصطفي عبدالجليل (رئيس المجلس الانتقالي) ولا أريد جزاءً ولا شكورا ولكن يحتفظ بها لديه لوجود أسرتي بالكامل في طرابلس. ❊ هل لديك معلومات عن ملفات اغتيالات المعارضة داخل ليبيا؟ - الملفات التي لا يعلمها الرأي العام هي ملفات الاغتيالات غير المعلنة دولياً ولم يتم تداولها إعلامياً مُطلقاً. أرجو من الرائد عبدالسلام جلود عضو المجلس الانتقالي أن يوضح هل الحادث الذي توفي فيه محمد المقريف معه كان مدبراً لاغتياله أم لا، لأن المؤشرات الموجودة لديّ بعد بداية هذا الاغتيال تسلسلت الحوادث علي نفس النمط مع آخرين بنفس الأسلوب ما يدعوني إلي أن أقول أن هذا الحادث تصفية لعضوين من مجلس قيادة الثورة أحدهما توفي والثاني علي قيد الحياة ومنسق الأمن وموجود في إيطاليا. الاغتيال الثاني تم لزعيم وطني كان يشكل خطورة كبيرة بالنسبة للقذافي نظراً لشعبيته الكبيرة وحب الناس له وهو المناضل محمد وريد الذي ترشح لعضوية مجلس النواب وكان يتم إسقاطه بالتزوير الانتخابي. كان في محاضرة يلقيها في مصراته بعد الثورة أثناء وصوله إلي "النجيزة" بطريق "الخُمس" أغتيل هناك وهو موجود بسيارته. في نفس المكان لغز إبراهيم بشاري (مدير الأمن الخارجي وكان وزير خارجية) الذي اغتيل في المكان ذاته، وكذلك بريك طوشاني (ضابط حر برتبة عقيد) أغتيل في طريقة إلي "درنة" لأنه رفض تسليم بيته للقذافي في "غرغور"، حيث كان القذافي يريد الاستحواذ علي منزله لكنه رفض وقال "القذافي ليس أحسن مني ولن أرحل إطلاقاً" حتي أنه رفض أخذ تعويض مالي عرضه عليه القذافي. كذلك موت رماح أبوشوفة (ضابط حر وآمر حامية زوارة) وقد اغتيل بالسم وأعرف ذلك ولا داعي لذكر السبب الآن. ❊كيف كان يتم التعامل مع هذه القضايا بعد التحقيق فيها؟ - جميعها حوادث اغتيال قُيدت ضد مجهول بعد التحقيق فيها. وهنا أذكر أيضاً أن وزير العدل والداخلية إبراهيم بكار اغتيل عند رجوعه من تونس. بكار كان يعلم بمخطط إسقاط طائرة لوكيربي ولأنه يعرف هذا السر تم اغتياله، وكذلك محاولة اغتيال محمد المصراتي (وزير العدل والداخلية بعد بكار) في نفس المكان وكذلك العقيد مبارك اعتيق (آمر كتيبة فضيل بوعمر) اغتيل أيضاً في الشرق. ❊ما هو التكنيك الذي وقعت به كل هذه الاغتيالات؟ - كانت الفكرة واحدة تقريباً في مكان محدد وأثناء تحرك سيارة الشخص المستهدف يتم إطلاق النار علي عجلات السيارة، أو فتح العجلات الأربع قبل تحرك السيارة، وفي المكان المحدد تسقط السيارة من ارتفاع عال. ❊برأيك كيف سيكون مصير القذافي الهارب حالياً؟ - أعتقد أن القذافي سيكون بن لادن ليبيا. يصعب قتله أو الإمساك به نظراً لوجود الأموال الكافية لذلك وكذلك قد يكون ذلك ضمن لعبة دولية ليتحول القذافي إلي "بعبع" ليبيا.