عاصفة جدل أثارها مشروع القانون الذي أعدته وزارة المالية ووافقت عليه الحكومة مؤخراً، ويقضي بتحصيل جزء من رصيد الصناديق الخاصة لصالح الموازنة العامة للدولة، حيث تباينت الآراء بشأن مشروع القانون، فبينما يراه المؤيدون فرصة لتسديد حق الدولة باعتباره خطوة لخلق شفافية في التعامل مع هذه الصناديق التي شابها الغموض، يعارضه آخرون من منطلق عدم إمكانية ضم بعض موارد هذه الصناديق للموازنة دون الأخذ في الاعتبار مصير العمالة التي تعتمد عليها نسبة كبيرة في صرف أجورها ومعاشاتها، فضلا عن وجود صناديق خاصة بالمستشفيات يتم الإنفاق منها علي المرضي غير القادرين. والصناديق الخاصة هي كل نظام في أي جمعية أو نقابة أو هيئة أو من أفراد تربطهم مهنة واحدة أو عمل واحد أو أية صلة اجتماعية أخري تتألف بغير رأس مال ويكون الغرض منها وفقا لنظامه الأساسي أن تؤدي إلي أعضائه أو المستفيدين منه تعويضات أو مزايا مالية أو مرتبات دورية أو معاشات محددة. وظلت الصناديق الخاصة بمثابة لغم لم تقدر أي حكومة علي المساس به منذ نشأت فكرتها بعد نكسة 1967 كمحاولة من الحكومة لتخفيف العبء نتيجة عدم القدرة علي سد بعض الاحتياجات في الموازنة العامة للدولة، لكن النشأة الرسمية لها كانت في عهد الرئيس أنور السادات من خلال القانون رقم (53) لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة. وكان الدكتور علي عبدالعال رئيس البرلمان وصف الصناديق الخاصة في أكتوبر الماضي بأنها "بوابة للفساد"، وقال إنها "نشأت بهدف نبيل لكنها أصبحت بوابة للفساد، ويجب نقلها بشكل كامل إلي الموازنة العامة للدولة"، في إشارة منه إلي أنها ليست داعمة لاقتصاد الدولة بل إنها عبء عليها، وسبب رئيسي في الفساد والنصب وإحداث الأزمات. وخلال الأسبوع الماضي، قال وزير المالية عمرو الجارحي، إن مجلس الوزراء وافق علي مشروع قانون للحصول علي نسبة من الصناديق والسندات الخاصة التابعة للجهات الحكومية، التي تتضمن 33 مليار جنيه إجمالي ما يوجد بالصناديق الخاصة، وذلك خلال مؤتمر صحفي بمقر هيئة الاستثمار عقب انتهاء اجتماع الحكومة الأسبوعي. ومن المقرر أن يتم إعفاء الصناديق التي يقل رصيدها عن 20 ألف جنيه وفقا لما صرح به وزير المالية، بينما يتم تحصيل نسبة 5٪ علي الصناديق التي يتراوح رصيدها ما بين 20 إلي 50 ألفا، وتحصيل نسبة 10٪ من رصيد الصناديق التي يتراوح رصيدها ما بين 50 و 100 ألف جنيه، فيما سيتم تحصيل ما قيمته 15٪ عن الصناديق الخاصة التي يزيد رصيدها علي 100 ألف جنيه. "آخرساعة" استطلعت آراء العديد من خبراء الاقتصاد للإدلاء برأيهم في هذا الشأن، حيث أرجع الدكتور محمد عطوة أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة المنصورة، حالة الغموض حول الصناديق الخاصة وقيمة إيراداتها إلي قيامها بدور تمويلي كبديل عن الموازنة العامة، رافضا في الوقت ذاته الاتجاه الحالي لتحصيل نسبة علي أرصدة الصناديق الخاصة السنوية التي تصل أحياناً إلي 15٪، مبرراً ذلك الرفض بإمكانية تأثير هذا القانون علي حصيلة الصناديق المالية بصورة مباشرة عن طريق تخارج البعض منها أو تصفيتها، مطالبا وزارة المالية بالتخلي عن مفهوم فرض الجباية، كما لفت إلي وجود طرق بديلة لتحسين عجز الموازنة بعيدا عن الصناديق الخاصة، من خلال حل مشاكل التهرب الضريبي، وهو ما من شأنه إضافة حصيلة مالية للموازنة العامة تقارب 160 مليار جنيه. في السياق، اعتبر الدكتور أحمد السمان الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أن تحصيل مبالغ مالية من رصيد الصناديق الخاصة لصالح الموازنة العامة إجراء غير قانوني لا يتماشي مع آلية عملها لأنها تعد جهة مستقلة بذاتها، كما رفض أن يتم تحصيل هذه المبالغ تحت المسمي الضريبي، لأن المبالغ التي تُودع بالصناديق الخاصة تم استقطاع الضريبة منها بالفعل وهي ضريبة الدخل، ومن ثم فإن تحصيلها مرة أخري يدخل تحت مفهوم الازدواج الضريبي. يتابع: الصناديق الخاصة تشمل صناديق الزمالة وصناديق الرعاية الطبية، وصناديق المعاشات وهي تضم مبالغ مالية يتم خصمها من أجر الموظفين مقابل توفير خدمات معينة لهم أو تسديد مبالغ نقدية بعد انتهاء مدة خدمتهم وخروجهم علي المعاش، أي أنها تعتبر حقاً أصيلاً من حقوقهم، فكيف يتم الخصم منها أو إدراجها ضمن الموارد التي يتم تحصيلها للموازنة العامة! فيما يوضح الدكتور سعد عبدالحميد مطاوع، أستاذ التمويل والبنوك بجامعة المنصورة أن ضمان استقرار موارد الصندوق الخاص تتطلب وجود نوع من التوازن يراعي فيه أعمار المشتركين به، وكذلك عدد المتخارجين منه وفقا لجدول المعاشات وبذلك يمكن إعطاء الميزة التأمينية لكل العاملين بالتساوي ولا يتم ترجيح كفة مجموعة علي حساب أخري. يضيف: مجالس إدارة الصناديق الخاصة تعد مجالس خدمية لا تتقاضي أجراً عن نشاطها وهي ملتزمة بالحفاظ علي أموال المشاركين بالصندوق، وجزء من هذه المجالس منتخب والآخر معين لكي يتم تمثيل كافة قطاعات العاملين في الجهة المستثمرة بالصندوق، بحيث تتم مناقشة الأداء المالي الخاص به عبر جمعية عمومية تعقد سنويا لكن ما يحدث في الواقع أن الكثير من أعضاء الجمعية العمومية يعزفون عن حضور هذه الاجتماعات وبالتالي تغيب المشاركة الفعالة التي يمكن من خلالها مساءلة أعضاء مجلس الإدارة. الدكتور حسن عبدالله أستاذ المحاسبة والضرائب بجامعة عين شمس، أوضح أن الصناديق الخاصة تمس بشكل مباشر الاحتياجات الاجتماعية لشريحة كبيرة من المواطنين، والتدخل في سياساتها المالية سيؤثر علي استمراريتها، فالعامل المشترك بها إذا تأكد من قيام الجهات الحكومية باستقطاع مبالغ مالية من الصندوق الخاص فإنه قد يتوقف تماما عن تسديد التزاماته المالية، وبذلك يتأثر رأس مال الصندوق التابع للجهة الاستثمارية التي يعمل بها وقد ينهار تماما. فيما أكد عاصم عبدالمعطي الوكيل السابق للجهاز المركزي للمحاسبات رئيس المركز المصري للشفافية ومكافحة الفساد أن مصر هي الدولة الوحيدة في العالم التي يوجد لديها موازنتان، موازنة عامة معتمدة ومقننة بموجب قانون يتم إصداره سنوياً، وموازنة أخري غير معترف بها ويتم التعامل معها فقط لإهدار المال العام وهي الموازنة المتعلقة بالصناديق الخاصة، لافتا إلي أن الغرض من إنشاء هذه الصناديق في السبعينيات كان نبيلاً، فالموازنة العامة للدولة هي عبارة عن بنود واعتمادات بمعني أنه يتم تخصيص اعتمادات لبنود موجودة سلفا للإنفاق عليها، وبالتالي لا يجوز استغلال هذه البنود في الإنفاق خارج نطاقها المحدد. كما أشار إلي أن نسبة كبيرة من دخل بعض الصناديق يتم صرفها كمكآفات وحوافز لفئة بعينها فيما يتقاضي باقي المشتركين نسبة ضئيلة من مستحقاتهم في استغلال واضح للعمالة المؤقتة المشتركة بهذه الصناديق كورقة ضغط لعدم إطلاق يد القانون للحد من التجاوزات أو توريد حق الدولة بهذه الصناديق بذريعة أن هذا الأمر هو قطع لأرزاق العاملين المساهمين بالصندوق الخاص. يتابع: نحن بحاجة لصدور قرار مماثل لقرار إزالة التعديات علي أراضي الدولة يقضي بتوجيه محافظ البنك المركزي ورؤساء البنوك التجارية والخاصة والاستثمارية بالكشف عن جميع الصناديق الخاصة التابعة للبنوك وحصر أموالها بشكل كامل ليتم ضمها إلي الموازنة العامة للدولة وهذا أمر يسير يمكن إنجازه خلال يوم واحد نظراً لأن جزءاً كبيراً من أرصدة الصناديق الخاصة يتم إيداعه في حساب موحد بالبنك المركزي والآخر يتم إيداعه بالحسابات التجارية، وفي حالة تذرع البعض بغموض مصير مستحقات العاملين المشاركين بالصناديق الخاصة حال تطبيق هذا القرار فهذا مردود عليه بأن رواتب العاملين ومستحقاتهم سيتم صرفها وتسديدها بانتظام من الموازنة العامة للدولة. ويضيف: يجب أن يتماشي صدور هذا القرار مع تجريم كل من يقوم بفتح حسابات خاصة خارج حسابات الموازنة العامة مع حصر كل الأموال التي تم صرفها كمكافآت وحوافز وردها مُجدداً إلي الدولة، فمن خلال قيامي بعمليات حصر لستة آلاف صندوق خاص وجدت أن حصيلة الأموال بها وصلت إلي 98 مليار جنيه خلال عام عام واحد فقط!