يعتبر جبل المقطم من أهم الجبال في مصر بعد جبل الطور، وله مكانة خاصة من حيث الروحانيات لدي المسلمين والمسيحيين، حيث تُروي عنه أساطير كثيرة، وترجع أهميته لما يحوي من أسرار وآثار، ويغطي هذا الجبل المناطق التي تقع شرق قلعة صلاح الدين الأيوبي ويعتبر من أهم الجبال التي لعبت دورا هاما في أعمال التشييد خلال العصرين القبطي والإسلامي. تعددت الآراء حول تسمية جبل المقطم بهذا الاسم ولكن أقربها للواقع ما قاله ابن طهيرة بأنه سُمِّي بهذا الاسم لأن أطرافه مقطعة، بالإضافة لرواية ياقوت الحموي فيذكر أن المقطم مأخوذ من القطم وهو القطع لأنه منقطع الشجر والنبات، ويتضح من ذلك أن جبل المقطم عُرِف بهذا الاسم لأنه مقطوم أي مقطوع بمعني أن أجزاءه غير مرتبطه أو غير متصلة. في كتابه »الكواكب السيارة في ترتيب الزيارة» يذكر الليث بن سعد أن المقطم (كان) من أكثر الجبال أنهارا وأشجارا ونباتا، وفي الليلة التي كلّم فيها الله عز وجل موسي عليه السلام، أوحي إلي الجبال أني مكلِّم نبيا من أنبيائي علي جبل منكم فتطاول كل جبل إلا جبل طور سيناء تواضع وتصاغر، فسأله عز وجل لم فعلت ذلك؟، وهو به أعلم، قال : إجلالا لك يا رب ، فأوحي الله تعالي إلي الجبال أن يجود كل منها بشيء مما عليه. أما المقطم فقد جاد بجميع ما عليه من الشجر والنبات والمياه. فقال له عز وجل: لأعوضنك عما كان علي ظهرك ولأجعلن في سفحك غراس أهل الجنة. ومن القصص التي تكشف ما يحتوي عليه من أسرار وآثار قصة المقوقس الذي أراد أن يشتري الجبل من عمرو بن العاص ويدفع له 70 ألف دينار، قائلا إنه »غرس من غراس الجنة»، فاستشار ابن العاص عمر بن الخطاب، فقال: له إننا أولي منهم ومن يموت من المسلمين يدفن بسفح الجبل، ومن بعد ذلك خصصه الأولياء والصالحون ليكون مكانا لعبادة الله عز وجل. وهناك رواية عن سيدنا عيسي عليه السلام وأمه السيدة مريم عليها السلام عندما كانا علي جبل المقطم فقالت له: »يابني مررنا بجبال كثيرة ما رأينا أكثر أنوارا من هذا الجبل»، فقال عليه السلام: يا أمي يدفن هنا أمة أخي أحمد فهذا الجبل غراس الجنة ورياضها. ويعد الحاكم بأمر الله أحد أشهر خلفاء الفاطميين وحكام مصر الذي ارتبط ذكره بجبل المقطم. فالرجل المعروف بأطواره الغريبة وقع في غرام الجبل منذ بداية حكمه، إذ سمح للفلكي ابن يونس أن يبني مرصدا فلكيا فوق الجبل هو الأكبر في زمانه. اهتم الحاكم بأمر الله بالخروج إلي جبل المقطم للعبادة والبحث عن خلوة، يقول المقريزي في كتابه »اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا» إن الخليفة الحاكم كان يخرج من قصر الخلافة (تشغله حاليا منطقة الجمالية وحي الصاغة وبين القصرين بشارع المعز) راكبا حماره متوجها إلي باب الفتوح فيأمر حرس البوابة بإغلاقها حتي عودته وعدم السماح لأحد بالدخول ثم يتوجه إلي جبل المقطم فيمارس تأملاته في أحد كهوف الجبل حتي مطلع الفجر ويعود بعدها إلي قصر الخلافة في القاهرة الفاطمية. وفي إحدي المرات خرج الحاكم بأمر الله إلي جبل المقطم كعادته لكنه لم يعد قط، إذ اختفي في العام 1021 ولم يُعثر له علي أثر، ويظن معظم المؤرخين أن مؤامرة سياسية دُبِّرت للتخلص منه لغرابة أفعاله، وأن أبطال هذه المؤامرة: أخته ست الملك، وكبار رجال الدولة الذين رغبوا في التخلص منه، بعد أن بدأ في اعتناق أفكار جماعات الدروز التي تجعل من الحاكم إلها، وحتي الآن لا يعرف المكان الذي أختفيت فيه جثة الخليفة الحاكم فيه لكن عندما تمر أمام الجبل الشامخ تأكد أن قبر الحاكم هناك في مكان ما! ويشير وسام الدويك الباحث في التاريخ والآثار إلي آثار مهمة موجودة علي الجبل مثل جامع الجيوشي ومقام عمر بن الفارض ومسجد السلطان شاهين، ويتحدث عن كتاب» القاهرة وضواحيها» ترجمة مدحت عايد الذي تضمن وصفا تفصيليا عن بعض كنوز المقطم. وحول مسجد السلطان شاهين الذي يقع بالقرب من مقام الإمام الشافعي وهو جامع صغير منهار يثير شغف السائح بسبب موقعه البارز الجميل يؤكد الكتاب أنه بُنِي في القرن الثالث عشر، بواسطة شخص يدعي »سيدي شاهين» الذي ينتمي للسلطان بيبرس. الجامع الذي يبدو وكأنه مغلق بجانب جبل المقطم لم يرمم، ونصل إليه عن طريق تسلق أحد الطرق الحجرية خلف مقام الشيخ عمر الفارض وفور الوصول إليه سينبهر من يزوره بالمنظر البديع الذي سيتمتع به عندما يصل إلي رواق المنارة. المنظر يتحدي كل وصف، فالعين تعانق للوهلة الأولي جبلا مكونا من 70 قرنا، كما تعانق العين من بعيد النيل والأهرامات الشامخة. علي يمين مدخل المنارة توجد كتابة تُقرأ اليوم بصعوبة كتبها أحد الحجاج الهنود عام 1869 وترجمتها: »سلام عليك أيها السيد المبجل الذي يرقد هنا، يجب أن يكون لك قلب كبير ونفس جميلة حتي يضع أصدقاؤك بقاياك في مواجهة أفق كبير..». وبجانب القاعات المنهارة والأسوار المتهدمة يعدُّ المحراب الجزء الوحيد من الأثر الذي يمنح وقاء ضد أشعة الشمس كما توجد أربعة أعمدة مدهونة بالخزف الأحمر تسند سقفا من الخشب بدأ يتداعي من التقادم والقبلة الصغيرة لا تقف منتصبة وكل من قطع الرخام الجميلة الخاصة بها المكونة من الرخام الأبيض والأحمر والأسود والأخضر والصفوف الثلاثة للنجوم تسقط في شرائح مبرقة فوق أرضية مغطاة بالجبس. قبر مؤسس المسجد والاثنان الآخران اللذان ينتميان لعائلته ينفصل عن المحراب بفاصل من الخشب المزيّن وعمود الرخام الضعيف الذي يستخدم كمسند لدكة موضوعة في زاوية وهو موضوع لقصة تثير الشغف، فقد تم إحضار هذا العمود من دمشق بسبب شكله الخاص والدائرة الواسعة من الفضة التي تزيِّن جزءه العلوي التي نحت فوقها علامات سحرية لم يستطع أحد أن يفسر معناها، فقد وضع هذا العمود أولا في قصر صلاح الدين ثم في المكان الذي يوجد فيه حاليا. وفي أحد الأيام جاء فارسي أو إيراني بالصدفة ليزور قبر سيدي شاهين وأعطي تفسيرا لهذه العلامات السحرية، فكانت الحلقة المعدنية أو الخاتم أداة لشفاء الأمراض، وتعطي الخصوبة للسيدات العقيمات، وكان للسذج ثقة عمياء في الفضائل الإعجازية لهذه الجوهرة السحرية التي بفضلها حملت أكثر من امرأة ويوما ما اختفت هذه الحلقة المعدنية وقد سرقها أحد اليهود. وعن مسجد الجيوشي الذي نراه علي سفح جبل المقطم يقول الدويك إن د. أبو الحمد محمود فرغلي في كتابه الدليل الموجز لأهم الآثار الإسلامية والقبطية في القاهرة قال عنه إنه يقع في أعلي جبل المقطم ويمكن مشاهدته للواقف بجوار جامع محمد علي وقصر الجوهرة، يظهر من علي بعد بمئذنته الفريدة في شكلها وهي تعلو المدخل ولهذه المئذنة أهمية خاصة بالنسبة لتطور المآذن في مصر الإسلامية، فهي تتكون من برج مربع ينتهي من أعلاه بشرفة، ويعلو البرج المربع منطقة مكعبة أصغر حجما من السفلي وبها فتحات معقودة من كل جانب ثم توجد بعد ذلك منطقة مثمنة وبكل ضلع فتحة معقودة وتنتهي المئذنة بقمة علي هيئة قبة صغيرة مضلعة. أنشأه أمير الجيوش بدر الجمالي وزير الخليفة الفاطمي المستنصر بالله سنة 478 ه 1085م، وتخطيط المسجد مستطيل الشكل وهو أول مسجد معروف في القاهرة كان يضم ضريحا وينتصف المحراب جدار القبلة وتعلو بلاطة المحراب قبة ترتكز علي ثلاثة عقود من ثلاث جهات وعلي جدار القبلة من الجهة الرابعة.. بُني جدار المسجد من الحجارة، أما القبة والمئذنة التي تقع بين مكان الصلاة والحرم والعقود غيرها فقد استُخدم في بنائها مادة الآجر، وقمة المئذنة علي هيئة مخروطية تشبه القلم الرصاص وهو طراز يميِّز المآذن العثمانية عن غيرها. سلطان العاشقين وحول مقام سيدي عمر بن الفارض سلطان العاشقين يشير وسام الدويك إلي أن حسن عبد الوهاب وصف المقام من خلال كتابه تاريخ المساجد الأثرية في القاهرة بأنه مزار يحفه النور مقصود بالزيارة والتبرك إذ كانت تُعقد فيه حلقات الصوفية لإنشاد أشعاره وكثيرا ما وقع اختيار ملوك مصر وأمرائها علي ضريحه لقراءة القرآن فيه تقربا إلي الله، وقد سمّاه سيدي علي وفا »قاعة الفرح»، كما سمّاه إبراهيم المتبولي »ميدان الأولياء»، ويرجع تاريخ إنشاء القبة المقامة علي قبره إلي سنة 865ه، فقد بقي قبره بدون قبة شأن أعلام القرافة في ذلك الوقت إلي أن عُني بإقامة هذه القبة الأمير برقوق الناصري الظاهري نائب الشام. وجاء وصف القبة بأنها قبة صغيرة مبنية بالحجر أقيمت علي أربعة عقود مفتوحة وقد حُليّ سطحها بنقوش دالية وارتفعت الأرض عليها، وسنة 1173ه جدد المسجد أمير اللوا السلطاني علي بك قازدغلي أمير الحج. والمسجد الحالي أنشئ علي جزء من أرض المسجد القديم للأميرة جميلة فضيلة هانم كريمة الخديو إسماعيل باشا سنة 1307ه، وهو مسجد مستطيل محمولة سقوفه علي أربعة أعمدة حجرية وله محراب بسيط منقوش بالبوية يجاوره منبر، وأنشئت بجوار المسجد قبة كبيرة دُفِن فيها ابنها الأمير إبراهيم جمال الدين المتوفي سنة 1305 ه، وقد ألحقت بالمسجد مطهرة وحديقة صغيرة. سمعان الخراز ومن الكنوز الدفينة التي يحتوي عليها جبل المقطم دير سمعان الذي يقع في منطقة الزرايب »حي الزبالين» الذي تدور حوله أساطير متوارثة من قديم الزمن، يحكيها خدّام الدير إلي رواده المصريين والعرب والأجانب. تحكي الأسطورة المسيحية عن سمعان الخراز الذي عاش في أيام حكم الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وكان معاصرا لبطريرك الأقباط أبرام السرياني (975 - 979) ويُنسب إليه معجزة نقل جبل المقطم. ويقول إنهم عثروا علي جثة الخراز في كنيسة العذراء بابليون الدرج بمصر القديمة بعد 100 سنة من وفاته مؤكدا علي أنه يوجد جزء من عظامه في الدير، ويتم الاحتفال به في يوم 27 نوفمبر من كل سنة. وحول سبب إطلاق لقب الخراز علي سمعان يصمت عادل قبل أن يقول: كان سمعان رجلا صالحا تخصص في دباغة الجلود وتصليح الأحذية وحضرت إليه سيدة تطلب منه تصليح حذائها، فوقعت عيناه علي ساقها وهي تقوم بخلعه وأراد أن يعاقب نفسه فقام بقلع عينه بالمخراز منفذاً وصاية المسيح التي يقول فيها: »إن كانت عينك اليمني تعثرك، فاقلعها، وألقها عنك.. لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك، ولا يلقي جسدك كله في جهنم»، وسامحه الكهنة علي ما فعل رغم أنه قام بتنفيذ وصية المسيح بشكل حرفي دون إعمال العقل. يؤكد عادل أن جامعي القمامة استطاعوا نقل 2 مليون ونصف مليون طن من الأحجار يدويا وتهيئة قاعة تتكون من مدرجات نصف دائرية التي أقيم أسفلها المذبح، الذي يضم في قاعته اليمني رفات القديس سمعان الخراز. ويشير عادل إلي البروز الواضح بالسقف لصورة السيده العذراء الذي يتوسط الهيكل تم اكتشافه أثناء الحفر مما يدل علي وجود حياة سابقة لكنيسة أو دير تم طمس معالمها علي عكس الصور المنحوته في الجبل التي صممها شاب بولندي يدعي ماريو هوايته صنع صور علي الخشب وعند زيارته لحي الزبالين، صمّم صورة للقديس سمعان الخراز فكلفه الأنبا سمعان إبراهيم بنحت الجبل المحيط بالدير فنحت 76 صورة علي الجبل. ويقول: لم يكن الدير إلا مغارة صغيره يرتفع سقفها مترا واحدا عن الأرض، وكان يتردد عليها باستمرار الخدام للقيام باجتماعات الصلاه، وبعد ذلك تم تجهيزه بمقاعد ثابتة و قوية علي هيئة مدرجات ربع دائرية لتسع ما يقرب من عشرين ألف مصلٍ. أما عن جبل المقطم من الناحية الجيولوجية فيوضح د. فكري حسن أستاذ الجيولوجيا بالجامعة الفرنسية أنه جبل مثلث الشكل علي هيئة هضبة متوسطة الارتفاع مساحتها 14 كم2 ويبلغ أقصي ارتفاعه 240م، ويتكون جبل المقطم من أحجار جيرية عمرها أكثر من 50 مليون عام منذ عصر الإيوسين، وهذا النوع من الأحجار هي الممتدة في المناطق الجبلية المحيطة بالقاهرة في حلوان والجيزة والأهرامات وهي صالحة للبناء، فقد استخدمت في بناء الأهرامات والقاهرة الإسلامية وأغلب المباني القديمة، ولكن تتخللها طبقات هشة وطفلية أحيانا خاصة في الجزء العلوي من الجبل وهو ما يسبب مشكلة عندما يرتفع عدد السكان في هذه المنطقة ويحدث تسريب للمياه لأنه كأي جبل مليء بالشقوق والصدوع والفوالق تتسرب المياه خلالها. ويضيف: في الأصل كان هناك فترات مطيرة منذ 10 ملايين سنة وحتي 2 مليون عام كان المطر علي مصر استوائيا صنع داخل الجبل فجوات وكهوفا وسراديب كثيرة مثلما حدث في كهف وادي سنور، وهو ما يسبب نوعا من الضعف عندما تشيد فوقها مبانٍ، فمن السهل أن تهبط بسهولة أو تتسبب في انزلاق الكتل مثلما حدث في منطقة الدويقة. ولتفادي حدوث كوارث لابد من عمل دراسات جيولوجية علي الأماكن المهددة بالانهيار يقوم بها متخصصون، وفي نفس الوقت لابد من الابتعاد عن الحافة لأنها بطبيعتها تتراجع، فهي طبيعة هذه المناطق، بالإضافة لضرورة تنظيم الصرف الصحي بالمنطقة حتي لا يتسبب في انهيار الجبل، بالإضافة لتفادي التشجير الزائد عن الحد في بعض الأماكن لتجنب حدوث تشققات وتصدعات في الجبل. وللأسف لا يستعين المقاولون بالمختصين قبل بناء أي عقار لتجنب حدوث كوارث ولابد من إلزامهم بقانون للحد من هذه المشكلة وهي مهمة الأحياء والمسئولين ممن يمنحون الموافقات بالبناء.