هذه المرة صدقت الاستطلاعات.. لم تفعل بالرأي العام والمراقبين ما فعلته في انتخابات الرئاسة الأمريكية، إذ أسفرت نتيجة الجولة الأولي من انتخابات الرئاسة الفرنسية عن تأهل المرشح المستقل إمانويل ماكرون وزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان للجولة الثانية من الاستحقاق الرئاسي. وأغلقت مراكز الاقتراع أبوابها في السادسة مساء بتوقيت جرينتش، وبعد فرز 28 مليون صوت حصل ماكرون علي 23.90٪ من إجمالي الأصوات، فيما حصلت لوبان علي 21.70٪، وسيخوض المرشحان الجولة الثانية من الانتخابات في 7 مايو المقبل. الموقف برمته يشكل تحولا جذريا في المشهد السياسي الفرنسي وربما في التاريخ الحديث لأوروبا بأكملها، إذ لا وجود لأي من مرشحي الأحزاب الرئيسية التي تحكم البلاد منذ عقود، وتضع شاباً عمره 39 عاما، وأسس حزبه قبل عام واحد فقط، في مواجهة امرأة تسير علي خطي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ إن لوبان، البالغة من العمر 47 عاماً، استنسخت شعار »أمريكا أولاً»، بالتلويح ب»الأولوية لفرنسا». الشيء المؤكد الآن هو أن أنصار أوروبا الموحدة يحبسون أنفاسهم، إذ تبدو لوبان غير عابئة ب70 عاماً أمضاها قادة القارة العجوز في بناء المنظومة الموحدة وتصر علي تنظيم استفتاء »فرانس إيكزيت» علي غرار »بريكزيت» الذي أفضي لمغادرة بريطانيا سفينة أوروبا الموحدة، وهو ما يعني انهيار المنظومة بأكملها علي طريقة أحجار الدومينو حال انسحاب فرنسا، إذ لن يتبقي من الدول الصناعية الكبري سوي ألمانيا. وتتهكم صحيفة لومند علي لوبان بالقول إنه »لا شيء يبدو واضحاً من برنامجها الانتخابي سوي الإصرار علي الخروج من منطقة اليورو والعودة للفرنك كعملة محلية كحل لخفض معدلات البطالة ولغياب قدرة فرنسا علي التنافسية في كثير من القطاعات، ولإصلاح المنظومتين الزراعية والمدرسية، بينما تتجاهل السيدة لوبان أن 70٪ من حجم تجارتنا الخارجية يتحقق من خلال شركائنا الأوروبيين»، فيما تري صحيفة لوفيجارو خلف هذا التلويح بهدم المنظومة الأوروبية أموراً أخري تؤجلها لوبان إلي حين، ولعل أبرزها العودة مرة أخري لتطبيق عقوبة الإعدام وربما عودة المقصلة. وحققت لوبان مكاسب انتخابية كبيرة في الانتخابات المحلية لعام2015. لوبان تحاول بكل ما أوتيت من قوة اجتذاب ناخبي الوسط واليسار، بعد سعيها لتغيير النظرة إلي حزبها من تلك التي أسبغها عليه والدها جان ماري لوبان الذي أدين مرات عدة باستخدام خطاب كراهية، حيث وصف محرقة اليهود إبان الحرب العالمية الثانية بأنها »محض تفصيلة من تفاصيل التاريخ». غير أن لوبان مازالت تتكئ علي قاعدة يمينية متطرفة، فهي تطالب بتخصيص الخدمات العامة للمواطنين الفرنسيين علي حساب الأجانب، وتعهدت بوقف الهجرة القانونية إلي فرنسا. كما يرتبط حزب الجبهة الوطنية بعلاقات وطيدة مع أحزاب أوروبية يمينية أخري كحزب الحرية النمساوي المتطرف وغيره، وهي علاقات لا تريد الأحزاب اليمينية الفرنسية الرسمية أن تكون لها أي علاقات بها. أما ماكرون، فقد تقلد منصب وزير الاقتصاد في حكومة الرئيس الاشتراكي المنتهية ولايته فرانسوا أولاند لكنه لم يكن يوماً نائبا في البرلمان. وتشير استطلاعات الرأي إلي أن ماكرون سيهزم لوبان في الجولة الثانية المقررة يوم 7 مايو المقبل. وأقر المرشح اليميني فرانسوا فيون بالخسارة قائلا إنه سيصوت لماكرون في الجولة الثانية ودعا أنصاره إلي القيام بذلك. ومن المرجح أن يحظي ماكرون بدعم المؤسسة السياسية الفرنسية، فبعد إغلاق مراكز الاقتراع دعا رئيس الوزراء برنارد كازينوف، المحسوب علي الحزب الاشتراكي الحاكم، كل من يؤمن بالديموقراطية إلي التصويت لصالح ماكرون في الجولة الثانية. ماكرون البالغ من العمر 39 عاما يُعتبر مدافعا قويا عن الاتحاد الأوروبي وبقاء فرنسا فيه. وفي حال فوزه في الانتخابات سيكون أصغر رئيس في تاريخ فرنسا منذ عقود طويلة. ويعزو الكثيرون صعود ماكرون المصرفي والوزير السابق إلي توق الفرنسيين لوجه جديد، مع انهيار غير متوقع لعدد من منافسيه من التيارات السياسية الرئيسية وخاصة اليمين واليسار التقليديين، ويعرف عنه تأييده لبقاء فرنسا في الاتحاد الأوروبي. وهذه أول انتخابات تجري في البلاد تحت ظل قانون الطوارئ وبعد ثلاثة أيام من هجوم شنه داعش في باريس وأسفر عن مقتل شرطي. وتعيش البلاد منذ 2015 علي وقع هجمات إرهابية جعلت ملف الأمن يتحول إلي أولوية لدي الجمهور.