تعد مصر واحدة من أهم الدول علي مستوي العالم كمقصد للسياحة العلاجية فقد حباها الله بعوامل طبيعية أهلتها لأن تتصدر القائمة من طاقة شمسية وعيون كبريتية ورمال سوداء، تسهم في علاج الأمراض الجلدية لكن منذ عدة سنوات تبدل الحال واختفت مصر من علي خريطة السياحة العلاجية نظرا للظروف الأمنية المضطربة التي أعقبت ثورة يناير 2011، ما دفع الحكومة إلي وضع خطط لإعادة إحياء تلك السياحة. في هذا الصدد حاورت »آخرساعة» الدكتور هاني الناظر رئيس المركز القومي للبحوث السابق والمشرف العام علي ملف السياحة العلاجية بوزارة الصحة.. وإلي نص الحوار. • ما مفهوم السياحة العلاجية وما أهم مقوماتها في مصر؟ - الكثيرون يطلقون علي السياحة الاستشفائية اسم السياحة العلاجية وتعني انتقال شخص من مكان لآخر بغرض الاستشفاء والاستفادة من مقومات الطبيعة في ذلك الغرض، وقد حبا الله مصر بالرمال السوداء المستخدمة في علاج الروماتيزم المفصلي والمتوفرة بسيوة والواحات البحرية كذلك العيون الكبريتية المستخدمة في علاج الصدفية والإكزيما وعلي رأسهم سفاجا وقد كنت أول من أجري أبحاثه حول الأثر الطبي لتلك المياه في 1994 واكتشفت أن تلك المياه مزودة بعنصري البوتاسيوم والماغنيسوم وهما سبب الملوحة ويساهمان في العلاج كذلك عيون حلوان وعيون موسي فمصر تمتلك أكثر من 1300 عين كبريتية بالصعيد والمحافظات الحدودية لكن لا دعاية سياحية لها فدول مثل التشيك ورومانيا لا تمتلك سوي عين كبريتية واحدة لكن تقوم بدعاية متميزة لها تجعلها قبلة مرضي أوروبا. ما أبرز مناطق السياحة الاستشفائية الأخري؟ - تمتلك محافظات الصعيد العديد من المناطق الاستشفائية وعرفت منذ عدة سنوات وليست وليدة اليوم وتأتي الوادي الجديد علي رأس القائمة فتتمتع بجو جاف وخال من الرطوبة وشمس ساطعة طوال العام إضافة إلي الرمال الناعمة الكبريتية التي يأتي إليها سياح شرق أوربا خصيصا للعلاج من أمراض التهاب الأعصاب وداء النقرس إضافة إلي الآبار والعيون الطبيعية التي ترتفع درجة حرارتها إلي 34 مئوية وتحتوي علي عناصر طبيعية وأشهرها آبار بولاق وناصر والبجوات بواحة الخارجة إضافة للآبار الأخري التي تعمل علي علاج مشكلات البشرة وجفاف الجلد كذلك واحة الفرافرة فحباها الله بآبار وصحراء بيضاء شاسعة إضافة للأعشاب الطبية النادرة وليست الوادي الجديد وحدها فالأقصر وأسوان تمتلكان نفس المقومات ولكن من المؤسف حقا أن نمتلك كل المقومات دون اهتمام بإنشاء مراكز استشفائية علي أعلي مستوي تضم خيرة الأطباء فالبدو وسكان تلك المناطق هم من يقومون بتلك المهام وهذا لا يعني الاستغناء عن خدماتهم بل بالعكس يتم دمجهم جنبا إلي جنب مع الأطباء لخبراتهم العديدة وهذا من شأنه خلق فرص عمل كبيرة وتعزيز أواصر الثقة مع الدولة. بعيدا عن قدرة الرمال والعيون الكبريتية علي علاج الأمراض الجلدية هل هناك أمراض مزمنة تستطيع علاجها؟ - العيون الكبريتية إضافة لقدرتها علي علاج أمراض البشرة والروماتيزمية فتعمل علي مقاومة أمراض الجهاز التنفسي من نزلات شعبية حادة والربو المزمن فمدينة حلوان تمتاز بجوها الجاف ونسبة رطوبة ضعيفة تساهم في تقوية الجهاز المناعي ومقاومة الأمراض التنفسية أما بواحة سيوة والمعروفة عالميا بكونها مقصدا للسياح الراغبين في التخلص من الضغوط الحياتية والمصابين بحالات الاكتئاب إضافة لمصابي أمراض الجهاز الهضمي الذين يعالجون بمياه بئر كايغار الشهير الذي يساعد في علاج آلام المعدة ناهيك عن آلام الظهر والفقرات العنقية وأمراض الكلي ولاننسي الوصفات الطبيعية التي يتوارثها أهالي تلك المناطق لعلاج الأمراض المعروفة كالصداع النصفي بلبخة طمي النيل والسياح يعشقون تلك العلاجات البسيطة. ألا تري أن هناك عيونا كبريتية مشهورة طالها الإهمال وأصبحت في طي النسيان كعيني حلوان والصيرة؟ - أتفق معك، فعين حلوان تعد من أقدم العيون الكبريتية بمصر علي الإطلاق ولا وجود لمثلها بالعالم كله من حيث درجة النقاء وكمية الكبريت الموجود بها ويرجع تاريخها إلي الخديو توفيق عام 1865 والذي أمر بإنشاء مجموعة من الحمامات الكبريتية كنواة لمنتجع سياحي ومن ثم استطاعت جذب آلاف السياح فتلك العين تحتوي علي أجود أنواع الطمي الذي يستطيع حل مشكلات البشرة وزيادة نسب الكولاجين ولك أن تعلم أن الأردن استغلت طمي البحر الميت في تصنيع كريمات للبشرة والشعر بالرغم من ضعف جودته مقارنة بطمي بحيرة عين الصيرة وجنت عائدات زادت علي 3 مليارات دولار بالعام الماضي ومن الممكن إنشاء مصنع ضخم لتصنيع الطمي علي غرار الأردن وبحلوان مازال هناك مركز صحي متواضع بعدة غرف يأتي لزيارته نسب محدودة من السياح العرب فالاضطرابات الأمنية التي أعقبت ثورة يناير حتي وقتنا هذا قد أثرت علي نسب السياحة فوزارة الصحة الكويتية كانت ترسل أفواجا من مواطنيها للاستشفاء ولكن ساء الحال وتوقفت تلك الأفواج وقد أيقنت الحكومة الحالية ذلك الوضع ويتم إطلاق مؤتمر السياحة العلاجية العالمي برعاية الرئيس السيسي أواخر الشهر الجاري بشرم الشيخ لفتح الباب للمستثمرين الأجانب والمصريين للتقدم لإنشاء سلسلة من المراكز العلاجية والتي لن تكلفهم الكثير فالعوامل الطبيعية موجودة من هواء وشمس ورمال ومياه كبريتية. ماذا عن موارد سيناء الطبيعية؟ هل تمتلك مقومات ناجحة تساهم بمشروع السياحة العلاجية؟ - سيناء لها طبيعة خاصة وقدسية فحباها الله بأقدم العيون والآبار كحمامي فرعون وعيون موسي والتي لم يتبق منها سوي خمس عيون فقط وأبرزها بئر الزهر والشايب والشيخ وبسبب الإهمال لم يعد سوي عين واحدة فقط هي بئر الشيخ وكمثيلاتها من العيون الكبريتية تعالج أمراض الصدفية والإكزيما خاصة أن أكثر من 27 مليون أوربي يعانون من هذا المرض ناهيك عن الأعشاب الطبية التي من الممكن استغلالها في الدعاية لتلك المناطق فالأجانب يعشقون الأدوية المصنعة من الطبيعة والمستلزمات الطبيعية لذا أطالب بإنشاء هيئة للسياحة العلاجية يشرف عليها وزارتا الصحة والسياحة، لتطوير منظومة السياحة العلاجية والتي من شأنها أن تصبح ثروة قومية يفوق علي تحويلات المصريين بالخارج ناهيك عن خلق فرص العمل وتنشيط السياحة الترفيهية فالسائح المريض عادة مايجلب مرافقا أو اثنين معه فيمكن استغلال ذلك وإعداد برنامج ترفيهي لهم يتضمن زيارة المناطق الأثرية وغيرها. كمشرف علي مشروع تطوير السياحة العلاجية بوزارة الصحة ما خطتك للنهوض بذلك القطاع؟ - في عام 1994 كنت أول من أجري بحوثا في منطقة سفاجا وتحديدا علي رمالها فوجدت أنها تحتوي علي نسب عالية من مواد البوتاسيوم والثوريوم وارتفاع في كميات أملاح الذهب وتلك المواد تساهم بفعالية في علاج مرض الصدفية والإكزيما كذلك الالتهابات الجلدية والروماتزيمية ونحن الآن نعمل بهمة لإجراء مجموعة من البحوث والدراسات لتقنين مناطق الاستشفاء البيئي بحثيا وعلمياً ونشر الأبحاث الصادرة في الدوريات والمجلات العلمية لاستقطاب وجذب السياح كما سنعمل علي دراسة خصائص طمي النيل الموجود ببحيرة ناصر بكميات كبري أدت لتكوين جزر فيمكن استخراجها واستخدامها في الصناعات الدوائية كما قمنا بتدريب 190طبيبا من 15 مستشفي تابعاً لوزارة الصحة علي العمل في مشروع السياحة العلاجية وذلك تحت إشرافي باستخدام أحدث التقنيات العلمية والأجهزة الحديثة وننتظر ماسيسفر عنه مؤتمر شرم الشيخ الدولي وبالفعل نتوقع حضورا مكثفا من قبل العديد من المستثمرين المصريين والأجانب الذين يتنافسون علي إنشاء المراكز الاستشفائية المدرة للربح ولاشك أن زيارة اللاعب العالمي »ميسي» لمصر مؤخراً جذبت الانتباه لتجربة مصر الرائدة في علاج »فيروس سي».