ربما كانت أقسي لحظتين عاشتهما جماعة »الإخوان» الإرهابية، هما لحظة عزل محمد مرسي في 3 يوليو 2013، ولحظة إعلان فوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية في 9 نوفمبر 2016، فقد أدركت الجماعة أن الحدثين يمثلان ضياعاً لحلمها في السيطرة والتمكين. استفاد »الإخوان» كثيراً من أحداث الثورات العربية، التي اشتهرت علي عكس الواقع ب»الربيع العربي»، قفزت من جحور التنظيم السري، لتصل إلي السلطة في مصر وبعض الدول العربية الأخري، وكان الدعم الأمريكي الذي وفرته لهم إدار الرئيس السابق باراك أوباما؛ إحدي القوي الدافعة لهذه القفزة، حتي وإن تظاهرت الجماعة بغير ذلك، وعندما أطاحت بهم ثورة 30 يونيو 2013 من الحكم، كان رهانهم علي فوز هيلاري كلينتون بانتخابات الرئاسة الأمريكية، ليستعيدوا معها نفوذهم، فقد كان هذا الفوز وحده قبلة الحياة التي ينتظرونها، لكن رياح الانتخابات جاءت بما لا تشتهيه سفن »الإخوان»، وجاء فوز ترامب ليكون صفعة عنيفة، أفاقت معها الجماعة من أحلام العودة، فالقادم الجديد للبيت الأبيض لا يري في »الإخوان» سوي جماعة لا تختلف عن »داعش»، كما أنه لا يخفي رغبته الأكيدة في بدء حرب حقيقية علي الإرهاب. لكن الجماعة التي اعتادت الاختباء في رمال التاريخ هرباً من ضغوط الملاحقة، أدركت أنها يجب أن تسعي لإيجاد وسيلة للإفلات من خطوة أمريكية بإعلانها جماعة إرهابية في ظل إدارة الرئيس ترامب، فسعت إلي البحث عن الأبواب الخلفية للسياسة الأمريكية، في محاولة للتواصل مع الإدارة الجديدة، ومحاولة إقناعها بالتراجع عن تلك الخطوة، وربما تكون الجماعة أفلحت في تأجيل القرار، لكنها لن تستطيع منع صدوره. ملف الجماعة واحد من الملفات الحيوية التي تناولتها زيارة الرئيس السيسي إلي واشنطن، كانت ملف الجماعة، حتي وإن حاول المسئولون التزام لغة دبلوماسية في هذا الشأن، إلا أن المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر قال بوضوح عندما سئل قبيل الزيارة عما إذا كانت إدارة ترامب تناقش أو توصلت إلي قرار أم لا حول تصنيف الجماعة ك»منظمة إرهابية»، قال إن »ترامب مهتم بسماع وجهة نظر السيسي بشأن قضية الإخوان، التي جذبت الكثير من الاهتمام بشكل واضح. نحن وعدة دول أخري لدينا قلق من أنشطة متعددة تمارسها جماعة الإخوان في المنطقة. وسيتم مناقشة ذلك بين الولاياتالمتحدة ومصر». هذه الإجابة لا تخفي ذلك القلق والموقف الواضح الذي عبر عنه ترامب خلال حملته الانتخابية إزاء الجماعة، لكن بالطبع ترامب المرشح، يختلف عن ترامب الرئيس، واتخاذ قرار بهذه الأهمية يحتاج إلي تشاور مع العديد من مؤسسات صناعة القرار في الولاياتالمتحدة، وبحسب تقارير سياسية وإعلامية أمريكية، فقد سعت الجماعة عبر العديد من داعميها سواء في بعض المؤسسات الحقوقية، أو من خلال التعاقد مع شركات للعلاقات العامة للتواصل مع بعض أركان الإدارة الأمريكية الجديدة لإقناعهم بالتراجع عن اتخاذ مثل هذا القرار، وحاولت الجماعة من خلال بعض المنابر الإعلامية التي تمولها دول داعمة للجماعة في خلط الأوراق، وتصوير أن مثل هذا القرار يمكن أن يعتبر إساءة للمسلمين!، كما استفادت الجماعة من بعض تقارير المؤسسات الرسمية الأمريكية التي حاولت الإشارة إلي اختلاف »الإخوان» عن التنظيمات الإرهابية. قرار صعب ويقول إريك ترايجر الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني، ومؤلف كتاب »الخريف العربي: كيف ربح »الإخوان المسلمون» مصر وخسروها في 891 يوماً»، أن جماعة »الإخوان المسلمين» تقوم علي نشر إيديولوجيا عنيفة وإقصائية. فمواقعها الإلكترونية وحساباتها علي مواقع التواصل الاجتماعي تعجّ بنظريات التآمر، وقد هددت الشبكات التابعة لها في إسطنبول الرعايا الأجانب في مصر. كما تبنّي قادتها ومنصاتها الرئيسية العنف والاستشهاد صراحةً. أما شعارها- الذي يختتم ب»الجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمي أمانينا» - فيترك القليل من الشك بشأن المدي الذي قد يصل إليه أعضاؤها خلال سعيهم لتحقيق هدف »الجماعة» الذي يتشابه مع العديد من التنظيمات المتطرفة والإرهابية وهو إعلان »دولة إسلامية عالمية»، بالتالي، فإن إدارة ترامب محقة في قلقها إزاء »الإخوان المسلمين». ويشير ترايجر إلي أن اتخاذ قرار بتصنيف »الإخوان» كجماعة إرهابية يواجه العديد من الصعوبات، منها أن »الإخوان» لا تُعتبر جماعة منظمة منفردة بل هي حركة دولية تشمل العشرات من المنظمات المنبثقة عنها، ويصعب اتخاذ قرار يضم كل تلك الدول، وعلي الأرجح يمكن لإدارة ترامب التغلب علي هذه العقبة باتخاذها خطوة تقوم علي تصنيف منظمات »الإخوان» الفردية، كما فعلت إدارة كلينتون مع »حماس». حملات فاشلة أنصار الجماعة »الإرهابية» يدركون جيدا أهمية زيارة الرئيس السيسي، وقد تكون الضربة القاضية لوجودهم، إذا ما اتخذت الإدارة الأمريكية قرارها بتصنيفهم كجماعة إرهابية، فسعوا في تنظيم مؤتمرات للتشويش علي أهمية الزيارة، وفشلوا فاتجهوا إلي محاولة اتخاذ إجراءات لإفساد الزيارة وفشلوا أيضاً، فقد أظهر الحضور القوي للجالية المصرية في الولاياتالمتحدة، والتفافهم حول الرئيس أن موقف الجماعة لا يعبر عن رأي المصريين المقيمين في الولاياتالمتحدة. وتؤكد كل المؤشرات أن الجماعة فشلت في تحقيق أهدافها، وأن ملايين الدولارات التي أنفقتها وأنفقها داعموها ذهبت سدي، وأن الزيارة الناجحة للرئيس السيسي كانت شاهدة علي الانتحار الأخير ل»الإخوان» علي أسوار البيت الأبيض.