يخطئ من يتصور أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلي واشنطن تقتصر فقط علي الملفات السياسية، لكنها تضمنت أيضا العديد من الملفات الاقتصادية بالغة الأهمية، فمصر هي أرض الفرص الواعدة في المرحلة المقبلة، من خلال العديد من المشروعات القومية العملاقة التي يجري تنفيذها، وتمثل فرصة جاذبة للمستثمرين من كافة أنحاء العالم، وكذلك وسيلة لتوفير فرص العمل للمصريين، وتعزيز قدرات الاقتصاد، لذلك كانت الملفات الاقتصادية حاضرة بقوة علي أجندة القمة بين الرئيس السيسي ودونالد ترامب، علاوة علي اللقاءات العديدة التي شهدتها الزيارة بين الرئيس ومجموعة من الشخصيات الاقتصادية البارزة، سواء في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أو ممثلي الشركات الأمريكية الكبري. وإذا كانت الإدارة الأمريكية قد تعهدت بخفض قيمة المساعدات الخارجية خلال ولاية الرئيس ترامب، إلا أن الإدارة الأمريكية تدرك جيدا أنها تستفيد من المعونات التي تقدمها لدول العالم، ومن بينها مصر، من خلال تعزيز علاقات التعاون، والمشاركة في الكثير من المشروعات التي تقام في تلك الدول، ومن الممكن استبدال مشروعات تنموية حقيقية تقوم علي التعاون المفيد لكل الأطراف. كما تدرك القاهرة أيضا أن المعونات الأمريكية لن تستمر إلي الأبد، وبالتالي فهي تسعي إلي تأسيس شراكة استثمارية حقيقية تضمن تحقيق عائد اقتصادي ومنافع للطرفين، ومن هنا كان حرص الرئيس السيسي خلال مشاوراته في واشنطن علي استعراض الفرص الواعدة للاستثمار في مصر، والإجراءات الإصلاحية التي تم اتخاذها لتيسير الاستثمار، فقد استهل الرئيس لقاءات اليوم الأول من زيارته إلي العاصمة الأمريكيةواشنطن باستقبال جيم يونج كيم رئيس البنك الدولي وأعرب الرئيس خلال اللقاء عن تقديره لجهود البنك الدولي في دعم مصر علي مختلف المستويات، سواء من خلال تنفيذ المشروعات التنموية وتوفير الدعم الفني، أو دعم وتعزيز دور القطاع الخاص، مؤكداً أن مصر تنظر إلي البنك كشريك تنموي استراتيجي لها. والتقي أيضا جيف أميلت المدير التنفيذي لشركة "جنرال إلكتريك" الأمريكية، حيث أكد حرص مصر علي التعاون مع كافة الشركات الأمريكية والعمل معها في مختلف المجالات. واستعرض خلال اللقاء الإجراءات التشريعية والإدارية التي تتخذها الحكومة من أجل توفير مناخ جاذب للاستثمار. من جانبه أعرب المدير التنفيذي لشركة "جنرال إلكتريك" عن تطلع الشركة لزيادة نشاطها في مصر في ضوء توفر فرص واعدة في عدد من القطاعات، مشيداً بإجراءات الإصلاح الاقتصادي التي تتخذها مصر. كما استقبل الرئيس مارلين هيوستن المديرة التنفيذية لشركة "لوكهيد مارتن" المتخصصة في صناعة الطائرات الحربية والصناعات العسكرية، وأعرب الرئيس عن تقديره لمساهمات الشركة في توفير احتياجات مصر من الطائرات الحربية وقطع الغيار، والتعاون في مجالات التدريب الفني. وهناك العديد من ملفات التعاون الاقتصادي التي يمكن تفعيلها مصريا وأمريكيا، ومنها ملف بروتوكول المناطق الصناعية المؤهلة المعروف اختصار باسم "كويز" والذي يوفر "تذكرة عبور" لعدد من المنتجات المصرية في مقدمتها المنسوجات والملابس الجاهزة إلي الأسواق الأمريكية دون فرض أي رسوم جمركية، ولم تستفد مصر من البروتوكول كما ينبغي. وفي الوقت الذي تتركز فيه سياسات إدارة الرئيس الأمريكي ترامب علي تحجيم اتفاقيات التجارة الحرة مع الدول الخارجية، تبرز أهمية "الكويز"، إذ إن المؤشرات تشير إلي أن سياسات ترامب موجهة ضد الصين، وبالتالي فإن المصدرين المصريين أمامهم فرصة جيدة لدخول الأسواق الأمريكية، خاصة أن صادرات مصر في إطار البروتوكول منذ توقيعه قبل 13 عاما لم تتعد مليار دولار سنويا، في أفضل الأحوال، وهو رقم ضئيل عندما نعلم أن فيتنام تصدر منسوجات وملابس بقيمة 25 مليار دولار أغلبها إلي السوق الأمريكية. فرص كبيرة تنتظر مصر والولايات المتحدة إذا ما أُحسن استغلالها، فوفقا لبيانات وزارة التجارة والصناعة لا يتجاوز حجم التبادل التجاري بين مصر والولايات المتحدة 5 مليارات دولار بنهاية عام 2016، كما لا تتجاوز الصادرات إلي السوق الأمريكية حاجز المليار و493 مليون، وهي أرقام متواضعة في ظل أن السوق الأمريكية تستحوذ علي 40٪ من إجمالي الاستهلاك العالمي. ويؤكد وزير التجارة والصناعة المهندس طارق قابيل أن مصر هي أكبر شريك استثماري للولايات المتحدةالأمريكية في القارة الأفريقية وثاني أكبر شريك في الشرق الأوسط، كما أن الاستثمارات الأمريكية تعد من أكبر 10 استثمارات أجنبية مباشرة في مصر بنحو 23.7 مليار دولار، إلا أن تلك الأرقام يمكن زيادتها بمعدلات كبيرة من خلال شراكة أفضل. كما يمكن للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس أن تكون جسراً جديداً في تعزيز العلاقات الاقتصادية المصرية المريكية، وبخاصة في الصناعات الكبري كصناعة السيارات.