مازلت أتذكر هذا الشيخ الجليل، بقامته وهيبته، كلما جاء شهر رمضان الكريم.. أذكر أنني طلبت منه عندما كان شيخا للأزهر أن أصحبه في رحلة إلي قريته بمحافظة كفر الشيخ، حيث أجري معه حوارا بين الناس البسطاء، ورحب الرجل بالفكرة، وذهبت بصحبة المصور الكبير حسن دياب ، لنقضي ليلة في صحبة هذا الإمام الجليل الذي حدثنا عن رحلة عمره من الكُتَّاب حتي وصوله إلي مشيخة الأزهر، مرورا بحصوله علي الدكتوراه في الفلسفة من لندن، وعن ذكرياته عندما كان في واشنطن مديرا للمركز الإسلامي بها. ومن أطرف ما أتذكره من هذا الحديث، حديثه عن الفترة التي عاشها في الولاياتالمتحدةالأمريكية (5591-9591) وهو يتحدث عن دعوته للرئيس الأمريكي إيزنهاور لزيارة المركز الإسلامي عند افتتاحه، واستجاب إيزنهاور لهذه الدعوة وهنا كما قال الإمام الأكبر ظهرت مشكلة حساسة كان يغذيها ويقودها بعض المؤسسات الأمريكية المناوئة للمركز وهي : هل يدخل إيزنهاور المسجد حافي القدمين تبعا لتقاليد الاسلام أم يدخل المسجد بالحذاء؟! وكان الملك سعود رحمه الله في زيارة لواشنطن وزار المركز وصلي بالمسلمين (جمعة من الجمعات) ودخل الملك بخف كان يلبسه، وأخذ المنظمون للحملة يتساءلون: هل يدخل الرئيس إيزنهاور بخف كالملك سعود أم لا؟ ولم يفرقوا بين الخُف والحذاء.. وقلنا لابد أن يخلع إيزنهاور حذاءه كأي إنسان آخر.. وقبيل الافتتاح بأربعة أيام زارنا رئيس البروتوكول في البيت الأبيض، وتحدثنا في موضوع الاحتفال، ونحن خارجون وضع ذراعه في ذراعي ونحن نمر بحديقة المركز، ثم جاء علي لسانه نفس السؤال: هل من الضروري خلع حذاء الرئيس عند دخول المركز؟ وأدركت أن المسألة أخذت شكلا جادا.. قلت له: إن الأصل في مساجدنا أن تكون طاهرة ونظيفة، وإذا كان الرئيس إيزنهاور يؤذي صحيا من خلع حذائه بأن يصاب بالبرد أو نحو ذلك فنحن لا نرضي أن نسبب له متاعب صحية، وأحضرنا له غطاء يلبسه في حذائه قبل أن يدخل المسجد.. وحلت المشكلة بأن الرئيس إيزنهاور قرر أن يدخل المسجد كعادة المسلمين حافي القدمين.. وعند الافتتاح كانت كاميرات العالم تركز علي قدميه! وأذكر أنني سألته من أنت؟ أجاب الشيخ الجليل: أنا عبد من عباد الله أرجو أن يهديني الله للإخلاص له، والعمل لمرضاته، وأن يحفظني منهج الصدق في القول، والإخلاص في العمل،وأن يبعد عني كل شر، وأن يقربني إلي كل خير.