أسامة هيكل تبدل الفرح بخروج التوأم أخيرا للحياة الي رعشة خوف، والأسرة تتابع هرولة الممرضة بهما الي الحضانة الصناعية بدلا من حضن الأم .. دقائق ثقيلة، وأعلن الأطباء بثقة أن إحدي التوأمين لن تعيش. استسلم الجميع، إلا ممرضة رعاية الأطفال التي قررت تحدي أوامر الأطباء وقوانين المستشفي، وإنقاذ الطفلة بتجربة قوة أخري تثق بها .. قوة خارج حدود علوم وقواعد الطب.. الممرضة حملت الطفلة والنبض ينسحب منها حزينا، ووضعتها بجوار اختها الأقوي في حضانة واحدة .. لحظة واحدة وكانت ذراع الطفلة السليمة تمتد لتحتضن الضعيفة .. حضنا دافئا صامتا بليغا من ذراع صغيرة وبعيون مغمضة لمس القلب فمنحها الحياة.. انتفض القلب نابضا وسري الدفء في الجسد من جديد . هذه قصة حقيقية حدثت أخيرا في مستشفي بألمانيا ..اربط مغزاها بخبر يشبهه في شجاعة التحدي لإنقاذ حياة الآخرين وتحمل عواقب النتيجة .. الخبر بثته وكالات الأنباء هذا الأسبوع مختصرا من دولة طاجيكستان، وهو موافقة رئيس الجمهورية إمام علي رحمانوف علي مشروع قانون " المسئولية الأبوية " .. ويقضي بمنع جميع السكان من الصلاة في الجوامع والكنائس وأي دور عبادة بدءا من تاريخ 4/8 الحالي، إلا للدارسين في معاهد دينية .. ومنع من هم دون العشرين من رسم الوشم . وبالعودة لتاريخ طاجيكستان يتجلي سبب إصدار هذا القانون الجرئ .. وهو حماية الدولة وبسطاء الشعب، خصوصا الفقراء منهم علما ومالا، من أدعياء الدين للشهرة ثم السرقة، المأجورين منهم لتمزيق الدولة .. أو الهلابين الهباشين لسلطة أو مال أو نفوذ والإصرار علي النهوض بالدولة والشعب مهما كان التحدي .. وطاجيكستان دولة صغيرة فقيرة وسط آسيا، تعدادها أقل من عشرة ملايين، 38٪ منهم مسلمون والباقي أقليات مسيحية ويهودية وبها أطول سد في العالم (سد نورك ارتفاعه 003 متر ).. وتقع شمال أفغانستان، شرقها الصين وجنوبها باكستان وافغانستان .. وظلت تحت حكم القياصرة الروس ثم أصبحت جمهورية اتحادية 2291 وفي أوائل التسعينات اندلعت المظاهرات والاعتصامات ضد فساد قهار، أول رئيس منتخب وكان سكرتيرا للحزب الشيوعي، ووصلت إلي عصيان مدني تصدت له القوات المسلحة وأطلقت الشرطة النيران علي المتظاهرين، فردوا عليها بحرق المحلات التجارية وتوقفت حركة المواصلات والسكك الحديد والمدارس والصحف، وتحولت المظاهرات الي مذابج وأعمال عنف تجاه أهالي المدينة .. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي استقلت عن أوزبكستان وأصبحت دولة مستقلة .. لكن ظهرت فيها عدة أحزاب طائفية واقليمية معارضة هدفها إعادة توزيع السلطة واقتناص المناصب القيادية .. وتحالف حزب النهضة الإسلامية - نواة المعارضة - مع الحزب الديمقراطي، ودخلت الدولة في حرب أهلية بين أهالي الشمال المتطور اقتصاديا والجنوب الزراعي استمرت شهورا حتي سقط أول شهيد علي مشارف العاصمة روشينية، فانفجرت أعمال العنف واستولي المعارضون علي المباني الحكومية والمطار.. وسقطت الحكومة في أيدي المعارضة، وتشكلت حكومة وفاق وطني تضم 8 معارضين في مناصب قيادية .. لكن السلام لم يحل، وقامت مواجهات مسلحة بين انصار رئيس الجمهورية وتشكيلات المعارضة أسفرت عن تشريد حوالي 041 ألف شخص . وانتهي الأمر باستقالة الرئيس لكن بدأ نزاع طائفي وحرب أهلية مابين العلمانيين في الجنوب وائتلاف الإسلاميين الديمقراطيين حتي توقيع اتفاقية موسكو عام 69 للتوفيق بينهما بتوزيع المناصب كمحاولة للاستقرار لم تنه الصراع .. حتي تولي إمام علي رحمانوف الحكم عام 49 بالانتخاب .. وأصدر قرارا بحظر الحجاب في المدارس والمعاهد العلمية ونجح في الصمود إمام المعارضة ..ثم جاء القرار الأخير الجرئ والذي أرحب به واتمناه لمصر تحت تفسير واحد فقط، هو أنه قرار مؤقت لحين استقرار الوطن وتنقية أماكن العبادة من الانتهازيين والمدعين والمروعين والمرتزقة .. لأن الدين لله في القلب وبالعمل وليس بالصراخ والترويع والتشكيك والتشتيت .. وممارسة الشعائر يجب توجيهها لنقاء القلوب وتحفيز الهمم لاتباع تعاليم الله في تعمير وحماية وطن يؤمن لكل مواطن الرخاء والأمن والعدل والحرية . ونحن في مصر والمنطقة العربية الآن، في حالة مخاض لولادة شعوب حرة .. علي الإعلام أن يتقي الله .. ويرتفع بالعقول من مستنقعات حناجر المتاجرين والمأجورين، وعلي وزير الإعلام شطب قوائم الشيوخ، والمعلمين ضيوف كل المناسبات، لأن بضاعتهم فاسدة وصوتهم عال، يؤثر بالمزيد من السلب واليأس والخوف في الجموع الجاهلة، والمستعبدة بلقمة العيش ..علموا الناس معني الحرية وقيمة العمل وأسس الاختيار قبل ذهابهم لصناديق الانتخاب .. عرفوا كل فئة بدورها في خريطة التنمية، وفي استرجاع أمجاد الوطن، وحتمية احترام القانون لنرقي الي وطن متحضر لا نتسول فيه خبزنا اليومي .. ولا ننخدع بالمظهرية وتزييف روح الدين .. الله هو العادل الرحيم الغفور، وهو لايطالب عبيده الا بقلب طفل يؤمن بوجوده وقوته، ويتبع مشيئته بفرح الواثق من عدله وحبه ورحمته ورعايته .. الله لا يحتاج حراسا لدينه ولا جلادين منذرين ببئس المصير ، لأنه هو وحده القادر علي إنقاذ عبيده، وعلي كشف النيات والنوايا .. وهو وحده مالك يوم الدين .