انهار الضلع الأخير في المثلث، لم يستطع سيد حجاب البقاء طويلا بعد رحيل صديقيه نجم والأبنودي، رحل شاعر الفقراء ليهدي لعشاقه صدمة فجرت بركان العرفان لرجل انحاز للغلابة وهو يعبر عن همومهم وأحلامهم في أغانيه الخالدة. بالبكاء انهمرت عيون مواقع التواصل الاجتماعي.. امتلأت ملايين الصفحات علي "فيس بوك" و "تويتر" بعبارات الرثاء مصحوبة بصور حجاب وانسكبت ذكريات أصدقائه معه. ثلاثة من أخلص رفقاء حجاب يفتحون قلبهم ل "آخر ساعة" ويحكون عن اللحظات التي جمعتهم به ويتحدثون عن تجربته الشعرية الفريدة. محمد السيد عيد: الموت منعه من تنفيذ اتفاقه معي زين العابدين فؤاد: وعدني بالحضور يوم 26 يناير وجاء مبكرا ظهر 25 في جنازته محمد إبراهيم أبو سنة: عرفته من »المثل الشعبي» "سيد حجاب قريب من نفسي، بيننا خيط غير مرئي يجعلنا مرتبطين بعضنا البعض" إنه الكاتب والسيناريست محمد السيد عيد يصف صديقه الذي رحل فجأة دون أن يكتب كلمات آخر مسلسلاته كما اتفق معه. ويقول: باستثناء عمل واحد كتب كلماته الأبنودي فإن أشعار سيد حجاب هي التي اقترنت بكل أعمالي الفنية لافتا إلي أن عمار الشريعي في مسلسل "الشهاب" كان مشغولا فلم يستطع كعادته أن يلحن أغنيات المسلسل، فقدم لنا سيد حجاب ملحنا سكندريا كان وصفه بالموهوب ومنحه الفرصة وقدمه للجمهور وهو حمدي رؤوف. ويضيف: تعاونا بعد ذلك في مسلسل قاسم أمين الذي كان تجربة من أصعب التجارب لأن المعاني التي كان يتناولها المسلسل ويجب أن تقدمها الأغاني هي معان غريبة بالنسبة لما هو مألوف، فلابد أن نغني لعدم تعدد الزوجات والتأكيد علي أن الفتيات لسن أقل من الشباب، ولكن حجاب تعامل مع الأمر بحرفية شديدة، وأذكر أنني طلبت تأليف أغنية للمطربة "وسيلة" واحترت كيف سيكتب حجاب هذا المعني بكلمات بسيطة فإذا به يستخدم التعبير الشائع "زي الفريك ماقبلش شريك"، واعتبرت أن هذا حلا عبقريا للمشكلة التي كنت أواجهها، ولا أنسي كلماته في مقدمة هذا المسلسل التي يقول فيها "العدل والحرية روح الوجود"، وتأكيده علي أن السفور ليس تعرية رأس المرأة، ولكنه انفتاح العقول لكي تفهم ما حولها. ويواصل: في مسلسل "علي مبارك" حدث بينه وبين المخرج الراحل وفيق وجدي موقفا جعله يتحدث غاضبا معتدا بنفسه قائلا " أنا أعلي مرجعية في كتابة الأغنية ولا يصح أن يعدل عليّ أي إنسان آخر"، وبعد قراءتي للأغاني تدخلت وأقنعت المخرج بأن ما كتبه سيد حجاب ملائم ولا داع لتغييره، وفي مسلسل "مشرفة"، لم يكن مجال التعاون كبيرا فأغاني هذا المسلسل كانت قليلة، والمقدمة موسيقية فقط لكنه قبل التعاون لأنه كان يقدر ما أكتب ولم يتأخر. قابلته بعد قيام ثورة يناير وعندما عرف أنني أكتب مسلسلا عن طلعت حرب، والمعروف عنه اعتداده بنفسه وكونه لا يطلب من أحد أن يكتب له أغاني مسلسلاته، ولكن لم تكن هناك هذه الاعتبارات بيننا ولذلك قال لي "لن يكتب أشعار المسلسل غيري" وقلت له بالتأكيد سيحدث هذا، ولكنه للأسف رحل عنا قبل أن يكتب أيا من أشعاره. تأثري بفقد سيد حجاب ليس فنيا فقط، ولكن علي المستوي الإنساني فحزني عليه لا يقدر لأن علاقتنا أكبر من مجرد التعاون الفني، فهو شاعر كبير وإنسان رائع وأجمل ما فيه قدرته علي الحلم، وأحلامه إلي حد بعيد ترتبط بالكتابة، ولا يعرف عنه الكثيرون أنه كان يكتب سيناريو مهما والدليل علي ذلك المسلسل المأخوذ عن رواية الأيام ل"طه حسين" وكتب له السيناريو عصام الجمبلاطي ولكن الصورة التي خرج بها المسلسل اختلفت كثيرا، ويرجع ذلك إلي أن يحيي العلمي الذي عمد أن يقدم مع سيد حجاب المسلسل في إطار غنائي يعبر عن حالة الشجن والحزن والتطلع التي كتبها طه حسين، ولحجاب سيناريو وكلمات أغان لفوازير، فهو ليس مجرد شاعر ولديه طاقات كبيرة، وكان ثائرا من ثوار يناير وشارك ضمن لجنة الخمسين فكان له فضل في صياغة مقدمة الدستور. يرجع الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة بذاكرته لأكثر من 50 عاما ليحدثنا عن المرة الأولي التي التقي فيها حجاب قائلا: عرفته في مطلع الستينيات حينما التقيته في رابطة الأدب الحديث من خلال محاضرة حول فلسفة "المثل الشعبي" ومن وقتها أصبحنا أصدقاء وتزاملنا في لجنة الشعر وبيت الشعر ولجنة النصوص الغنائية باتحاد الإذاعة والتليفزيون. ويرثي أبو سنة صديقه العزيز قائلا إن رحيله سوف يكون له أثر كبير في إحداث فراغ ضخم في الساحتين: الشعرية، والغنائية لأنه قامة عالية وقدم إبداعا متواصلا منذ أوائل الستينيات متمثلا في عدد كبير من الدواوين والأغاني وكذلك إبداع عدد من الأشكال الفنية التي لم تكن مألوفة من قبله مثل مقدمات المسلسلات الدرامية وكتابته للأطفال، وأغاني المسرحيات. كان حجاب قريبا جدا من نبض الشعب المصري في كل مواقفه الوطنية والإنسانية والسياسية، ودواوينه سوف تظل هدفا لإعادة قراءة الشعر مرة أخري من خلال القضايا التي طرحها خاصة القضايا الفنية. ويضيف: تميز أسلوب سيد حجاب بلغة إلي جانب بساطتها فهي عالية من الناحية الفنية فكان حريصا علي الإيقاع الداخلي في البناء الشعري سواء للأغنية أو للقصيدة، وكانت صورة منتزعة من الواقع المصري الذي يعيشه الناس والواقع الإنساني ولم تكن خيالية، وهي ميزة تفرد بها سيد حجاب، وكل من يقرأ أغانيه وشعره سيعثر علي نفس خاص به بحيث لا يكرر أحدا رغم أنه كان قريبا من صلاح جاهين وبيرم التونسي وبديع خيري وكل هؤلاء الشعراء إلا أنه استطاع أن يتفرد بأسلوبه الفني، فأول ما يجعل من الشاعر الحقيقي شاعرا كبيرا خصوصية أسلوبه ورؤيته وموضوعاته وتجاربه، وتجارب حجاب في الشعر تجارب وطنية وتنادي بالعدل الاجتماعي والحرية والتسامح والمساواة ومحبة البشر. ولم ينس أبوسنة المكالمة الهاتفية الأخيرة بينهما والتي تلقاها منه عندما فاز بجائزة ملتقي الشعر العربي الرابع في القاهرة الذي عقد في نوفمبر الماضي. ويقول: علي الرغم من أن بعض الصحف قبل إعلان الجائزة كانت قد طرحت اسمه متسائلة لماذا لا يفوز سيد حجاب بالجائزة، إلا أنه قال لي إنه سعيد لفوزي بها، وأنه كان يخشي من شبهة أنه إذا فاز بها ستكون من أجل مرضه وهذا يدل علي نبله وكبريائه وإحساسه بالكرامة. يصمت ويقول: وسيد حجاب لا تكفيه كلمة لأنه أكبر من الكلمة، كان نهرا من الصفاء الإنساني العميق، ولايمكن تكراره. ويتذكر الشاعر زين العابدين فؤاد زميل دراسته في كلية الهندسة قائلا: عرفني الشعر علي حجاب في جامعة القاهرة عام 1960 وكنا نلتقي بشكل منتظم حتي آخر أيامه. ويضيف: سيد حجاب هو من قدم عبد الرحمن الأبنودي لصلاح جاهين عندما عمل معه في بريد الشعر لمجلة صباح الخير، وعثر ضمن الخطابات علي قصيدتين لهما طابع مختلف تماما فوصف من كتبهما بالشاعر الوجودي، وجاء الأبنودي للقاهرة خلال فترة تأديته للخدمة العسكرية وتقابل مع سيد حجاب وذهبا للقاء صلاح جاهين وفؤاد قاعود، وطلب جاهين من الأبنودي إلقاء عدة قصائد وعندما انتهي قام صلاح جاهين وعانق فؤاد قاعود وظل يردد " احنا بقينا كتير يافؤاد"، ومن هنا بدأ الأبنودي ينتشر كشاعر. وبعد فترة اعتمد الأبنودي كمؤلف في الإذاعة وبدأ في تقديم نصوص لسيد حجاب وغيره وحصل علي موافقات باعتماده أيضا كمؤلف أغانٍ في الإذاعة المصرية وهوما يجعلنا نقول إن حجاب أدخل الأبنودي مجال الشعر والخال هو من أدخل حجاب عالم الأغنية. ويستطرد: لم أنقطع عن اللقاء مع حجاب والأبنودي يوميا علي مقهي إيزافيتش في ميدان التحرير، وكانت علاقتي بحجاب أكثر حميمية ولم تكن هناك أي نوع من المنافسة بل كنا نمد يد العون لشباب الشعراء. ويختلف حجاب عن شعراء الأغنية فإذا نظرنا إلي أي تتر مسلسل لسيد حجاب سنجد أنه قصيدة شعرية لها خيوط وأبعاد متداخلة، وسيد حجاب هو من نقل القصيدة من الورق إلي آذان ومشاعر المستمعين والمشاهدين، وهو الشاعر الذي وصل لكل فئات الشعب وهو من تنبأ بثورة 25 يناير في قصيدة الطوفان بشكل واضح ومباشر وتحريضي، وكانت أول مرة يلقي فيها شعرا في الشارع، وهو "خزينة الشعر". يعتبر زين العابدين صديقا لعائلة سيد حجاب فكان ومازال صديقا لزوجته الأولي، وهو صديق لزوجته الحالية مرفت التي أطلق عليها حجاب "مكافأة نهاية الخدمة" وابنته الفنانة ريم يقول: التقيت به قبل سفري لباريس وفور عودتي اتصلت به ولم يرد وعلمت أنه لا يستطيع التحدث فتراسلنا واتفقنا علي اللقاء يوم 26 يناير أي اليوم التالي لوفاته في الساعة السابعة بالمستشفي، ولكن كعادته جاء سيد حجاب مبكرا وتقابلنا ظهر 25 في جنازته.