لا يتردد الإسرائيليون أبدا في سرقة التاريخ، فالكيان العنصري الذي اغتصب الأراضي الفلسطينية وأقام عليها دولته يبحث له عن جذور حتي ولو كانت من صنع خياله. يسعي لهدم المسجد الأقصي وهو يسوق لفكرة وجود أساسات هيكل سليمان تحته، في حين أن كل الشواهد تثبت بالدليل القاطع والحاسم عدم وجود أي آثار يهودية في المدينة المقدسة. ولم يتوقف التبجح الإسرائيلي وعمليات السطو علي التراث الإنساني عموما والمصري خاصة إذ توالت المزاعم الصهيوينة حول نسبة عمليات بناء الأهرامات لليهود واستغلوا في ذلك سطوتهم الإعلامية في الغرب بالترويج لفكرة أن ملوك الفراعنة استخدموا العبيد اليهود في بناء الأهرامات وهي الأكذوبة التي بددتها اكتشافات مقابر عمال بناة الأهرام بالجيزة. أما آخر هذه الافتراءات فقد زعم بعض الباحثين الإسرائيليين مؤخرا بأنهم اكتشفوا حبوبا متفحمة من نبات الفول بالقرب من حيفا، علي اعتبار أن البذور هي النسخة الأصلية للفول. قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، إن الباحثين وجدوا أربع حبوب في منطقة "مغارة الوادي" غرب جبل الكرمل، وقدروا عمر هذه الحبوب بحوالي 14 ألف سنة، أي قبل 4000 عام من الثورة الزراعية وتهجين النباتات الزراعية. وذكر عالم النباتات اليهودي "آهارون أرونسون" أنه منذ عام 1906 أن أصل القمح البري من مستوطنة "روش بينا" التي تقع جنوب شرق مدينة صفد الفلسطينية، وأوضح أن أصل نبات الفول لم يكن معروفا في الشرق الأوسط وأوروبا، ورفض الإجابة عندما سئل هل مصر ليست مصدر الفول واكتفي بتصريحه أن الزراعة هناك أقل تطورا منها في إسرائيل. وأرجعت صحيفة "هآرتس" أصل القرية التي عثر فيها علي حبوب الفول الأولي بمنطقة الكرمل إلي الحضارة النطوفية وحضارة ما قبل التاريخ في بلاد الشام أي قبل ما يقرب من 15 ألف عام، وهي الفترة الانتقالية بين العصر الحجري الذي تميز بحياة الصيد وجمع الثمار، والعصر الحجري الحديث، الذي يقال إن الإنسان بدأ خلاله زراعة نباتات الحقل، وتأسيس الجماعة الزراعية والاستيطان الدائم. وأشارت الصحيفة إلي أنه تم العثور علي كميات متفحمة من حبوب الفول في شمال إسرائيل تثبت أن البشر ما قبل التاريخ استخدموا البقوليات كمحصول غذائي أساسي قبل أن تزرع الحبوب. وقالت إنه من المتعارف عليه أن المصريين يتناولون الفول علي الفطور وفقا لعاداتهم وتقاليدهم، فيما تشير دراسة جديدة إلي أن البشر الذين يعيشون في منطقة الجليل يتناولون الفول منذ أكثر من 10000 سنة ويعتبرونه غذاء جيدا ليزرعوه في المنطقة. وأضافت "هآرتس" هذا الاكتشاف فصل جديد إلي قصة كيفية انتقال البشر خلال العصر الحجري الحديث من حياة الصيادين إلي المزارعين المستقرين، ويسعي المهندسون الزراعيون لإنتاج أصناف أكثر ثبات وقدرة علي تحمل الضغوط المناخية والطفيليات. ويقول "إليزابيتا بواريتو" عالم الفيزياء النووية الذي يرأس مركز ماكس بلانك وايزمان إن بقايا الكربون المشع المتواجدة في حبوب الفول المتفحمة تعود إلي قبل نحو 10200عام. ويتضح من ذلك إن البقوليات كانت المصدر الرئيسي للغذاء في العصر الحجري الحديث، فالعثور علي بعض بذور الحبوب في العديد من المواقع هو دليل علي أن سكان هذه المناطق اعتمدوا علي الفول كمكون أساسي من نظامهم الغذائي، بالإضافة إلي أنه تم العثور علي العدس وبعض البقوليات الأخري في المخابئ الغذائية القديمة. وبالرغم من العثور علي عدد قليل من حبوب الفول في تل شرم كيرك في سوريا إلا أنهم لم يكونوا بنفس حالة الكربون بالإضافة لأنهم كمية صغيرة لا تدعم فرضية أنهم زرعوا في هذا المكان. وليس من السهل اكتشاف ما حدث لهؤلاء المزارعين، الذين خبأوا الفول بعناية شديدة في حفر تخزين تحت الأرض بالأكواخ الخاصة بهم. وقد أدي إحراق جميع البذور في بعض المواقع إلي أن يعتقد بعض علماء الآثار أنها دمرت عن قصد بواسطة القوي المعادية التي هاجمت القري، أو أن يكون حريق لمحاولة قتل الطفيليات، أو أي شيء آخر وأوضح بواريتو أنه من المفارقات أن نحصل علي معلومات كثيرة عندما يكون هناك حرب أو مأساة لأن المواد التي يتم دراستها هي التي يتم حرقها فالمواد العضوية غير المتفحمة تتحلل بسرعة شديدة. وتقول يعقوب فاردي وهي واحدة من علماء الآثار الإسرائيليات الذين عملوا علي هذه المواقع إن قيمة هذه الدراسة التاريخية أنها مفيدة لعلماء النبات والمهندسين الزراعيين الذين فشلوا حتي الآن في تحديد شكل نبات الفول الأصلي.