إعلان السفيرة الأمريكيةالجديدة عن منح حكومتها 40 مليون دولار لجهات وجمعيات منظمات مجتمع مدني في مصر، يفتح الباب واسعا أمام التساؤلات المشروعة حول التمويل الأجنبي المدفوع للداخل، وأهدافه، وتأثيره علي الحريات النقابية والعمل الأهلي والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان والمجتمع المدني، وهنا يقف المهتمون بالحريات النقابية والمجتمع المدني بين خيارين كليهما »مر« فإما أن يتهموا بتلقي تمويلات من جهات توصف بأنها مشبوهة وتعمل علي تنفيذ أجندات محددة لصالح الجهات المانحة، وإما أن يوقفوا نشاطهم أو يعتمدوا علي التمويل الداخلي الذي لايكاد يذكر ولا يساعد أو يدعم الحريات النقابية والنشاطات التي يطمح إليها النشطاء. ولأن الحريات النقابية والتعدد النقابي تمثل ضمانة حقيقية لبناء الديمقراطية وترسيخها، إلا أن إطلاقها بلا ضوابط يحولها إلي مجرد »سبوبة« يلجأ إليها العاطلون للتربح أو لهز كيانات نقابية راسخة وتفتيتها ربما لحساب جهات بعينها، في إطار السعي لحل الإشكال، ووضع الضوابط التي تميز بين التمويل الهادف لتطوير العمل الأهلي وترسيخ التمدد النقابي الحقيقي من جهة، وبين التمويل المشبوه الذي قد يؤدي إلي اختراق أمن الوطن، وإفراز حريات نقابية زائفة .. سألنا النشطاء والمهتمين بالحريات النقابية والعمل الأهلي ومنظمات المجتمع المدني وقبلهم الوزير المختص بهذا الشأن. فالوزير لديه قناعة من قبل ثورة 52 يناير بالحريات النقابية وبسبب التعارض الكبير بين اتفاقية 7891 الدولية والصادرة عن منظمة العمل الدولية والخاصة بالحريات النقابية، والقانون 53 الخاص بالنقابة العمالية الذي يقول إن اتحاد العمال هو الممثل الوحيد والشرعي لعمال مصر.. قرر وزير القوي العاملة إطلاق الحريات النقابية ، ولأن الاتفاقية الدولية تجب القانون الداخلي إذا كان مخالفا لها.. هو أيضا وعد منظمة العمل الدولية بعمل قانون للحريات النقابية،وتم تطبيق البند الأول من نصوص الاتفاقية الدولية والذي ينص »من حق أي عامل الانضمام إلي النقابة التي يري أنها تمثله تمثيلا حقيقيا، وهذا يتفق مع مواثيق العمل الدولية والاتفاقية 78، ومن هذا التاريخ تم إطلاق 34 نقابة عمالية جديدة أو مستقلة في مصر، ليصبح لدينا 76 نقابة عمالية بعد إضافة 42 نقابة التابعة لاتحاد عمال مصر. في البداية قال: أتمني أن أري حرية نقابية في مصر شريطة ألا تفرض بالقانون، وإنما تأتي بإرادة حرة لعمال مصر، إذا اتفقوا أن يعملوا تحت مظلة واحدة هي الاتحاد العام لعمال مصر فلا توجد مشكلة عندي، لأنها ستكون وحدة نقابية غير مشروطة بالقانون. وعن التمويل الأجنبي الذي تتلقاه النقابات المستقلة يقول الوزير، أنا لست متحدثا رسميا عن النقابات المستقلة، لا أحب الاتهامات التي تلقي جزافا، مثل اتهامي بمساندة النقابات المستقلة مضيفا أن التمويل الأجنبي ليس فكرة خاطئة إذا كان يصب في مصلحة الشعب المصري كالتدريب المهني للعمال أو توفير فرص عمل للشباب.. مثل حصول الوزارة علي مليار دولار من بروكسل كمنحة لتدريب وتشغيل العمال وهذه المنح تحظي كدعم لحكومة الثورة المصرية. مؤكدا أنه يتعامل بمسافة واحدة من كلا الاتحادين المستقل والرسمي وأن أجندته التي يعمل بها هي أجندة ميدان التحرير، التي طالبت بإقرار الحريات النقابية وأطلقها الوزير لقناعته الشخصية بها، ولايمكن أن يتراجع عنها لأنها أصبحت واقعا لا رجعة فيه إلي الوراء، لأنها مطلب من مطالب الثورة. د. حسن سلامة أستاذ العلوم السياسية يري أن التمويل الأجنبي في حد ذاته هو عصب أي عمل أهلي ولكن لابد أن يتوافق مع أجندة المنظمة الأهلية، وبشرط ألا تفرض موضوعات أو أجندات بعينها من المانح علي هذه المنظمة الأهلية. وفي ظل الظروف الاقتصادية التي نعيشها الآن وتداعيات الثورة ونشأة نقابات جديدة، نجد من الصعوبة الفصل بين أجندة المانح والتمويل الذي يعطيه.. وبين هدف المنظمة أو النقابة وهذا يجعلنا نسأل لماذا تعطي الجهات الأجنبية أموالا لمصر في الوقت الحاضر. مضيفا أنا لست ضد التمويل الأجنبي بصورة مطلقة ولكن لابد أن يكون بصورة منظمة ومضبوطة، أي لابد أن تتوافق الاحتياجات العمالية مع أجندة المانح.. ماكان متبعا أن الذي يبادر بالمشروع هو الجهة الوطنية، وإذا توافق هذا المشروع مع أجندة الجهة الأمنية تعطيه التمويل.. أما الآن الجهة الأجنبية هي التي تبادر بإعطاء التمويل.. وبالتالي من حقها أن تفرض موضوعات أو أجندات بعينها، وبالتالي خطأ كبير جدا أن نعتمد في عملية إطلاق الحريات النقابية علي فكرة التمويل الأجنبي، لأنه لابد أن نبني الأساس الوطني الداخلي أولا وإذا اضطررنا إلي الحصول علي تمويل أجنبي فلابد أن يخضع للرقابة الكاملة. د.هويدا عدلي أستاذة العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية قالت: إذا تحدثنا عن التمويل الأجنبي وعلاقته بالنقابات العمالية لابد أن نعرف جيدا أن النقابات العمالية وضعها يختلف تماما عن الجمعيات الأهلية.. ولأن النقابات العمالية تسير علي نهج الأجندات الدولية، فيصبح ليس سهلا تدفق الأموال الاجنبية علي النقابات العمالية. وتراث مصر قائم علي رفض التمويل الأجنبي، والنقابات المستقلة الموجودة في مصر قبل الثورة لاتوجد بها فكرة التمويل الأجنبي وجميع النقابات تخضع للرقابة. ونقابة كمال عباس لم تحصل علي تمويل أجنبي، وإنما كان يحصل عليه من خلال الجمعية الأهلية، وتوجد صعوبة في مقارنة أجندات تنموية علي الصعيد الدولي والجهات الأجنبية بالنقابات العمالية. لذلك أي نقابة تدافع عن العمال لاتوجد لديها قنوات تحصل منها علي تمويل أجنبي، وتعتمد فقط علي اشتراكات الأفراد وسواء تحصل هذه النقابات علي تمويل أجنبي أو لا تحصل فلابد أن تخضع للرقابة.. وفي مصر هي بالفعل تخضع لرقابة جهاز المحاسبات. كمال عباس رئيس مجلس إدارة دار الخدمات النقابية والعمالية، وصاحب مؤسسة دار الخدمات لحقوق الإنسان: أعرب عن استيائه من قانون الحريات النقابية الذي سيصدر وقال »الحريات لاتصدر بوعد أوبيان« كما أنه لايعرف حتي الآن ماهو معيار الحريات النقابية الذي سيصدر، وبرغم من جدية الفكرة وصحتها إلا أنها لم تر النور حتي الآن ولن تعرض علي مجلس الوزراء وأكد أنه لم يحصل علي أي تمويل أجنبي من الحكومة الفرنسية وكل التمويلات التي حصل عليها هي من خلال اتفاقيات تدريب ورفع قدرات علي اتحادات أوروبية دولية ، وأن كل هذا تم بموافقة وزارة التضامن الاجتماعي وجهاز المحاسبات.. لأن هذا شيء مسموح به في العمل النقابي، ويستعجب ما سبب هذا الهجوم علي التمويل الأجنبي للنقابات المستقلة مادام التمويل مراقبا من الجهات الرقابية المعنية من خلال الجمعية العمومية. مضيفا أن اتحاد النقابات الحكومي الذي يتهم النقابات المستقلة هو الذي يحصل علي تمويلات أجنبية باعتراف منه أنه تم وقف 002 مليون جنيه، وأيضا حصوله علي 76 مليون جنيه من انترناشيونال فيلبرتش وغيرها من المنظمات الأجنبية. إبراهيم الأزهري، نائب رئيس الاتحاد العام لعمال مصر قال: لايوجد شئ في العالم يسمي قانون الحريات النقابية أو قانون للحريات الطلابية أو الحريات الفلاحية فهذا مخالف للمعايير والدستور والقانون.. لكن هناك اتفاقيات خاصة بالاتفاقيات العامة والحريات لذلك كان لابد لوزير القوي العاملة بدلا من اختراع قانون جديد أن يطلق قانون النقابات العمالية الجديد مثلا أو يعدل القانون الحالي 53 لسنة 6791 المعدل.. حتي يخرج العمل النقابي من التبعية الحكومية. أما بالنسبة للحريات النقابية الذي أطلقه فالحريات مبدأ ولايوجد قانون يعطي حرية أو يعطي عبودية، والدستور ينص علي باب للحريات العامة والمجلس القومي لحقوق الإنسان به وثيقة للحريات العامة مثل وثيقة الحريات الفرنسية أو إعلان الاستقلال الأمريكي. لابد أن تفعل وثيقة أوعهد تنضم إليه كل النقابات الخاصة العمالية والمهنية، وتنتهج من هذه الوثيقة قانونا.. والعالم كله يعرف النقابات المتحررة فيجب أن يكون عندنا نقابات عمالية أو مهنية متحررة من القيود التي تفرضها عليها الدولة.. لأن الأصل أن كل النقابات مستقلة والتمويل الأجنبي شئ خطير جدا. وهذه النقابات الجديدة أو »المستقلة« أو الموازية أو الراعية لكي تمول من الخارج سيصبح لها تبعية خارجية، مثل الاتحاد الحر هو الذي يمول هذه النقابات الجديدة، والمؤسسات الأجنبية مثل »فريدرش ايبرت الألمانية« التي تعطي أموالا أجنبية الهدف منها خدمة الصهيونية العمالية والدليل لماذا لا تعطي هذه المنظمات هذه المنح للدولة وإنما تعطيها لأشخاص يسمون أنفسهم بمسميات نقابية. ودار الخدمات النقابية التي يمتلكها كمال عباس هي جمعية خيرية ليس لها علاقة بالعمل النقابي، وقانون الجمعيات يحرم عليها مزاولة العمل النقابي، وإذا تم ذلك تصبح »محلولة« ويحاسب كل من يعملون بها. اتحاد العمال يعتمد في مصادر تمويله علي الاشتراكات وقري المصايف التي يمتلكها، وتراقب أمواله جهتان وزارة القوي العاملة وجهاز المحاسبات، أي يرجع لمؤسسات أعضائه والمؤسسات التي تحقق أرباحا، ولا يحصل علي أي تمويل من الخارج، كما أن الجهة الوحيدة التي تملك محاسبته إذا رأت أي فساد مالي هي وزارة القوي العاملة وأعتقد أن الوزير إذا وجد فسادا لم يكن يتركه أبدا، والذين يدعون أن الاتحاد العام لعمال مصر يحصل علي تمويل أجنبي يحاولون أن يلصقوا بالاتحاد أي نوع من أنواع الاتهام لكي يفتحوا الطريق لأنفسهم. صابر بركات عضو اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات أوضح أن: الأصل أن تمويل النقابات مجرم.. وسواء النقابات الحكومية أو المستقلة انتهجت مد اليد لدول أجنبية فهذا شيء مجرم.. النقابات تعمل لصالح العمال وتمول من أعضائها وتدافع عن أعضائها.. ومن الممكن أن تقبل النقابة سواء مستقلة أو حكومية تبرعات من أصدقاء وطنيين لأن هذا يدخل تحت إطار التضامن العمالي وهذا شيء مشروع. أما قبول أموال من أجنبي لأي غرض حتي لو لغرض إطلاق الحريات النقابية هذا شيء مرفوض ومجرم وللأسف هذا الشئ موجود بالفعل في اتحاد عمال مصر الذي شرع لهذه الفكرة الرديئة علي حد تعبيره وفتح الباب للامريكان والأوروبيين.. النقابات المستقلة إذ سلكت هذا السلوك فلا يحميها استقلالها من تجريم القانون لأن استقلالها هو أن تبعد عن هذه الطرق المشبوهة. وقال سيد أبوزيد المستشار القانوني لنقابة الصحفيين: النقابات المستقلة أولا لابد أن تكون لمن لم يشتمله قانون النقابات العمالية. الاتفاقيات الدولية التي تنادي بالحريات النقابية هي ذاتها تنص بداخلها »إنشاء النقابة يكون وفقا لظروف الدولة« لذلك من حقنا أن نأخذ من هذه الاتفاقيات ما يتماشي مع واقعنا أو ما يتفق مع الواقع المصري. كان سيد تقدم بمذكرة قانونية لوزير القوي العاملة حيث يؤكد من هنا تأتي خطورة قانون إطلاق حرية إنشاء النقابات المستقلة الذي أطلقه د.أحمدالبرعي في النص المتعلق »من حق أي مجموعة وإن كانت لاتعمل داخل مصانع أو منشآت أو جهة أن ننشيء نقابة وتشهرها في وزارة القوي العاملة وهذا يفسح المجال لإنشاء نقابات غير شرعية. أما الخطر الثاني هو »الشخصية المستقلة« لهذه النقابات فلا يوجد أي بند في بنود القانون يتعلق بالرقابة علي أموال المنظمات النقابية، التي في ذات الوقت أعطي لها الحق في طلب الحصول علي تمويل أجنبي والحق في أن يرسل إليها التمويل، وأخيرا لايملك أي أحد ولا تملك أي جهة محاسبة هذه النقابات، وهذا تماما علي عكس قانون النقابات العمالية الموجود والذي ينص علي ضرورة أن تكون هناك رقابة علي الأموال بأن يعرف مصدرها، وكشف بطريقة صرفها. عبدالرجمن خير، عضو المجلس القومي للأجور قال: العمل النقابي بالتحديد لايصلح فيه التمويل الأجنبي.. المنظمات النقابية منتخبة تدافع عن مصالح أعضائها، المال سيأخذها إلي الدفاع عن أصحاب من يمولون.. هناك منظمات تعمل اتفاقيات مع الحكومة المصرية ولا برامج، ونحن قطعنا عليهم الطريق.. اكتشفنا أنه لا أهداف أخري غير العمل النقابي مثل »الوكالة الالمانية مركز العمل الأمريكي الافريقي« أصبح مركز التضامن الدولي.. وهو الوجهة العمالية للمخابرات الأمريكية أهدافها التطبيع مع إسرائيل.. الاتحاد المصري المستقل للنقابات، دار الخدمات النقابية وهذا شئ معلن ولكن المهمة أن يكون هذا من صالح العمال المصريين.. إذا كانت برامج للتدريب، يتحول للأسف ربما لمصالح شخصية مثل مساعدة في مراكز تدريب ، تعلن خبرات ومهارات وليست أفكارا وأطوعها لفكرة الرأسمالية.