جاء المؤتمر الدولي للسلام الذي استضافته العاصمة الفرنسية باريس يوم 15 من يناير الجاري وشارك فيه ممثلو 70 دولة ومنظمة دولية؛ بمثابة فرصة هامة لكي يعيد المجتمع الدولي تأكيده علي التمسك بحل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لضمان السلام الدائم بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بما يمهد لتسوية سلمية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية ومشكلة الشرق الأوسط برمتها. وقد أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند في كلمته في افتتاح المؤتمر بأنه قبل التحدث عن السلام لابد أن ننبذ العنف ولابد من وجود إرادة حقيقية لتحقيق السلام الشامل والعادل وأن الدرس المستفاد هو أن يعرف الجميع التحديات التي تواجهنا والعراقيل التي تعوق عملية السلام وعلينا أن نفكر بجدية للوصول إلي الحل الأمثل لتحقيق السلام بالشرق الأوسط وأكد أولاند أن هناك دعما اقتصاديا واجتماعيا للفلسطينيين والإسرائيليين ولا يمكن تحقيق سلام بدون تقارب بين الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية. وفي حقيقة الأمر فإن مؤتمر باريس قد انعقد في أجواء يشوبها التوتر في ظل ما يتردد عن نوايا لإدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب من نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس ومن ثم فإن المجتمعين في باريس من ممثلي 70 دولة ومنظمة دولية مع غياب إسرائيل كان هدفهم غير المعلن توجيه رسالة لترامب بأن يتوخي الحذر ويدرك أن الحل القائم علي وجود دولتين هو السبيل الوحيد للمضي قدما نحو تسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وأن الإقدام علي خطوة نقل السفارة الأمريكية للقدس هو إجراء يعطل من جهود السلام ويعرقلها مما يترتب عليه إشاعة العنف والمزيد من التوتر في المنظمة. مواقف مصر الثابتة وقد كان لمصر مشاركة فعالة في مداولات مؤتمر باريس وذلك من منطلق شعورها بالمسئولية تجاه تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولتؤكد مجددا علي مواقفها الثابتة وعلي محورية القضية الفلسطينية التي تحتل المرتبة الأولي في سلم أولويات السياسة الخارجية المصرية. وقد حرص سامح شكري وزير الخارجية الذي رأس وفد مصر في المؤتمر علي طرح رؤيتها من خلال الكلمة التي ألقاها مشددا علي أهمية التوصل إلي تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية باعتبارها أساس الاستقرار والتعايش السلمي في المنطقة. وأكد شكري في كلمة مصر ضرورة حصول الشعب الفلسطيني علي حقوقه المشروعة وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة علي حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدسالشرقية واستعداد مصر للإسهام بفاعلية في تحقيق هذا الهدف من خلال تشجيع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي علي استئناف المفاوضات المباشرة واستعداد مصر الدائم لإنجاح كافة المبادرات المطروحة في هذا الشأن ومن بينها الرؤية التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي في مايو الماضي التي أسهمت في إعادة إلقاء الضوء علي القضية الفلسطينية وتحريك المياه الراكدة وتنشيط الجهود الإقليمية والدولية. وقد التقي شكري علي هامش المؤتمر مع نظرائه من الكويت والجزائر والنرويج وإيرلندا في إطار بحث الخطوات المطلوب اتخاذها لدعم القضية الفلسطينية وتحريك عملية السلام. ومما لاشك فيه أن مؤتمر باريس انعقد من منطلق مبادرة فرنسية أطلقت منذ عام لتعبئة الأسرة الدولية من جديد وحث الإسرائيليين والفلسطينيين علي استئناف المفاوضات المتوقفة منذ عامين. نداء من أجل السلام وقد حرص وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت علي التأكيد خلال المؤتمر علي أن فرنسا ليست لديها دوافع من عقد هذا المؤتمر ألا أن تكون مفيدة للسلام وأكد أهمية عدم إضاعة الوقت محذرا من خطر انفجار العنف في المنطقة، وقال بلهجة حاسمة: (نحن هنا لنقول من جديد وبقوة أن حل الدولتين هو الحل الوحيد الممكن). ومن ناحيته أكد أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية أن انعقاد هذا المؤتمر هو بمثابة »نداء من أجل السلام» وهو ليس موجها إلا ضد كل من ينادي بإسقاط حل الدولتين واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. ووجه أبو الغيط الشكر للحكومة الفرنسية التي أصرت علي انعقاد المؤتمر الدولي للسلام بالرغم من كل الضغوط والعقبات التي اعترضت سبيله. وقال أبو الغيط: ما نسعي إليه هو إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967 أي منذ خمسين عاما وما ننشده هو قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة علي أساس خطوط 4 يونيو 1967 لتعيش جنبا إلي جنب في سلام وأمن مع الدولة الإسرائيلية. وما نتمناه هو أن يتمكن الجيل القادم من أبناء الفلسطينيين والإسرائيليين من كسر الدائرة الجهنمية للكراهية والانتقام والعنف.. وأكد أبو الغيط أن القضية الفلسطينية سوف تظل قضية العرب الأولي وأن إيجاد تسوية عادلة ودائمة لهذه القضية يظل الطريق الأقصر لتحقيق استقرار حقيقي في المنطقة والطريق إلي هذه التسوية معروف للجميع ومحطة الوصول النهائية معروفة أيضا. الرحلة الأخيرة لكيري ومن الجدير بالذكر فإن مشاركة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في أعمال مؤتمر باريس جاءت بمثابة الرحلة الأخيرة له وهو يعتلي رأس الدبلوماسية الأمريكية وعلي حد قول العديد من المحللين والمراقبين السياسيين، فإن مشاركة كيري في نطاق أعمال المؤتمر تعتبر هامة ولاسيما أنه حتي وقت قريب كان مناهضا لانعقاد مؤتمر باريس ولكنه كوزير خارجية لإدارة أوباما في أواخر أيامها قاد تحولا في المواقف حيث انتقد بشدة في الأسابيع الأخيرة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة معتبرا إياها عقبة أمام السلام كما أن امتناع الولاياتالمتحدة عن التصويت في مجلس الأمن أتاح الفرصة لصدور القرار التاريخي مؤخرا في 23 من ديسمبر 2016 يدين بناء المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد شهدت أعمال مؤتمر باريس تقييم الأعمال التي تم إطلاقها في المؤتمر الوزاري الذي انعقد في 3 من يونيو الماضي حول ثلاثة موضوعات هامة وهي طبيعة التحفيزات الاقتصادية التي يمكن تقديمها لكل من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني وكيفية تعزيز قدرات الدولة الفلسطينية المستقبلية ودعم استئناف الحوار بين المجتمعين المدنيين الفلسطيني والإسرائيلي. وجاء مؤتمر باريس هاما لكي يذكر المجتمع الدولي بكافة القرارات الدولية ذات الصلة والمبادئ التي أقرتها الأسرة الدولية علي مدي سبعين عاما بشأن التسوية العادلة للقضية الفلسطينية. ولكن السؤال المطروح الآن هل تدرك إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب حقيقة الرسالة التي بعث بها مؤتمر باريس للسلام وتتراجع عن تنفيذ ما تعهدت به خلال الحملة الانتخابية من وعود بنقل السفارة الأمريكية للقدس أم أنها سوف تقدم علي تنفيذ هذا الوعد علي أرض الواقع. الإجابة علي هذه التساؤلات جاءت في تصريحات للرئيس الفلسطيني محمود عباس لصحيفة »لوفيجارو» الفرنسية التي أكد فيها أن إقدام الرئيس ترامب علي هذه الخطوة سوف يقضي علي آفاق أي عملية سياسية ويبدد الآمال بحل يرتكز علي أساس دولتين وسيشجع التطرف في المنطقة والعالم بأسره.