»هذا لأجل حلب»، »نحن الذين بايعنا محمدًا علي الجهاد»، هكذا جاءت بعض صيحات قاتل السفير الروسي في أنقرة، الشاب التركي مولود الطنطاش (22 عامًا)، في نفس اليوم كان شاب آخر يقود شاحنة ليدهس العشرات في ألمانيا، بينما حاول عدد من شباب الجهاديين السيطرة علي قلعة »الكرك» في الأردن، وقبلهم جميعا قام شاب يُدعي محمود شفيق (23 عاماً) بتفجير نفسه داخل الكنيسة البطرسية في قلب القاهرة، كلها مشاهد للإرهاب الذي بات يبث الرعب والذعر في العالم كله، يقف خلفه مجموعة مراهقين وشباب صغير السن، يُطلق عليهم لقب »الذئاب المنفردة»، كأحدث صيحة في عالم الإرهاب، وهم من اعتنقوا أفكارا جهادية تكفيرية تحمل الموت والخراب للبشر أينما كانوا، لكن هذه الجرائم الإرهابية رغم اختلافها الظاهري، فإنها تمتلك متشابهات كثيرة، في إطار موجة إرهاب جديدة تضرب العالم، تحاول »آخر ساعة» كشف أبعادها. مع كل هجوم إرهابي جديد يطل مصطلح »الذئاب المنفردة»، الذين تحولوا إلي المادة الخام للرعب في أرجاء واسعة من الكوكب، فالمقصود بالذئب المنفرد، هو الشخص الذي يقوم بتنفيذ عملية إرهابية دون التخطيط مع التنظيم المركزي، وتكون العملية في محيط حياة الإرهابي سواء في الحي الذي يسكن فيه أو المدينة التي يعمل بها، ويكون الذئب المنفرد علي اقتناع كامل بأفكار التنظيم الإرهابي التي يطلِّع عليها عبر الإنترنت، وما يجعل عملية اكتشاف الذئاب المنفردة قبل قيامهم بالعمليات الإرهابية شبه مستحيل، حبث إن الذئب المنفرد يظهر بمظهر الشخص العادي المنطوي غير العدواني، كما أن قراره بتنفيذ عملية إرهابية يأتي غالبا - بحسب مراقبين - بشكل انفعالي مرتبط بحادث لحظي مثل تعرض التنظيم لهزيمة في معاركه في الهلال الخصيب، وجاءت التسمية لأن هذه العناصر تشبه الذئاب التي تعمل وحدها دون الانتماء للقطيع وهو هنا التنظيم الأم. مؤسس الجبهة الوسطية الجهادي السابق، صبرة القاسمي، قال ل »آخر ساعة»، إن الجرائم الإرهابية التي نشاهدها مؤخرا في أكثر من مكان في العالم، تأتي كتطبيق عملي من قبل مجموعة من الشباب المقتنع بفكرة الجهاد، لأفكار تنظيمات إرهابية مثل داعش والقاعدة، حتي لو لم يكن يربط هؤلاء الشباب بالتنظيم الأصلي أية صلة، سوي اعتناق أفكار التنظيم عبر الإنترنت، وهي الاستراتيجية الجهادية التي أقرها أبو مصعب السوري (أحد أهم منظري تنظيم القاعدة) في إطار ما سماه ب »دعوة المقاومة الإسلامية العالمية»، التي تهدف إلي إقامة خلافة إسلامية، عبر مجموعات من الشباب المنتشر في العالم الذي يستخدم أية أدوات متاحة لتنفيذ العمليات مثل السكاكين الصغيرة وشفرات الحلاقة أو أي آلة حادة، وهي الفكرة التي يطبقها الآن الشباب المتحمس للفكرة في أماكن مختلفة في العالم». وأكد القاسمي أن تنظيم داعش هو الأكثر ترويجا لأفكاره عبر الإنترنت، وخلاصة فكره أنه ضد النظام العالمي كله، لذلك لا يفرق بين مسلم ومسيحي، فالكل عنده كافر طالما لا يؤمن بأفكار التنظيم، وتنص أدبيات التنظيم علي أن من يقتنع بأفكاره يجب أن يعمل علي تغيير المجتمع لصالح أفكار داعش، وهذا لن يأتي إلا من خلال استخدام أساليب عنيفة، لذلك يكلف الشاب بأداء مهمة وحيدة قد لا يعود منها، وهو من يختار الهدف لأنه ينفذ الأفكار العامة للتنظيم، فأحيانا لا يتلقي أوامر مباشرة بالتحرك، لكن قد يدفعه للتحرك هزيمة التنظيم علي الأرض في سوريا أو العراق، مشددا علي أن الانفتاح المعلوماتي في العالم الافتراضي سهّل من عملية التواصل بين التنظيم الأم ومعتنقي أفكاره في أرجاء واسعة، ما ساعد في تحول الإرهاب إلي ظاهرة هلامية تضرب العالم كله، مطالبا بضرورة تكثيف الرقابة الدولية علي الإنترنت لمتابعة هذه العناصر عن كثب. من جهته، رأي الخبير الأمني، خالد عكاشة، أن موجة الإرهاب الحالية لا يمكن فصلها عن موجات الإرهاب السابقة، فهي بمثابة الامتداد الطبيعي لها، وأضاف ل »آخر ساعة»: »طبيعة الإرهاب كما هي لم تتغير فالاعتماد الأساسي لايزال علي الشباب الأصغر سنا لأنهم الأقدر علي حمل السلاح والاندفاع للقيام بعمليات إرهابية دون حساب للعواقب، كما أنهم الأقل إدراكا لفهم ألاعيب قادة الجماعات الإرهابية الذين يغسلون عقول الشباب الصغير، لكن التطور الحقيقي الآن هو في إتاحة فرصة الانخراط في الجماعات الإرهابية عبر التكنولوجيا الحديثة التي تتيح التواصل بين الجماعات الجهادية والشباب في كل مكان في العالم، وهذا ما أدي إلي تحول الإرهاب إلي ظاهرة عالمية آخذة في الانتشار بصورة غير مسبوقة». وأشار عكاشة إلي أن الاعتماد علي التكنولوجيا الحديثة أدي إلي ظهور عمليات إرهابية يقوم بها شاب واحد تستهويه الفكرة الجهادية فيعلن مبايعته لداعش أو القاعدة بشكل منفرد، ثم يقوم بتنفيذ عملية انتحارية نصرة لجماعته، مثل الهجوم الإرهابي في ألمانيا باستخدام شاحنة وهو تكرار لحادث مماثل سبقه في فرنسا، وهذه العمليات التي يقوم بها فرد واحد تأتي بالتوازي مع العمليات التي تنفذها خلايا إرهابية تابعة للتنظيم الأم وتتلقي أوامرها منه، وهي العمليات الأكبر مثل عملية تفجير الكنيسة البطرسية، مطالبا بضرورة تكثيف الجهود بين مختلف دول العالم لمواجهة الإرهاب الذي يضرب في جميع أنحاء العالم حاليا. »الظاهرة ضخمة ومتشعبة وتحتاج إلي تعاون الجميع»، هكذا قال أستاذ علم الاجتماع السياسي، سعيد صادق، ل »آخر ساعة»، مضيفا: »هناك طفرة في العمليات الإرهابية علي أكثر من مستوي، أولها الانتشار المكاني فخلال شهر واحد ضرب الإرهاب مصر والأردنوتركياوألمانياوفرنسا، ثم هناك أيضا طبيعة العمليات التي استخدم في بعضها أسلحة جديدة مثل حادث ألمانيا الذي تم تنفيذ العملية الإرهابية باستخدام شاحنة عادية، كما أن المشهد الثابت في كل هذه العمليات هو أن منفذيها من شباب لا يتجاوزون الخامسة والعشرين من عمرهم، الذين يظهر عليهم التحمس والاندفاع الديني مثلما ظهر في حالة منفذ عملية اغتيال السفير الروسي في تركيا». وتابع صادق: »هذه المشاهد مجتمعة تشكل ظاهرة (الذئاب المنفردة)، التي تعتبر المرحلة الخامسة من الموجة الإرهابية الحالية التي بدأت منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 وتقوم فكرة الذئاب المنفردة علي استخدام الإنترنت علي أوسع نطاق لنشر الأفكار الجهادية بين المراهقين والشباب من عمر 16- 28 سنة، وهو السن الأنسب لأن الشباب يكون قويا جسمانيا وضعيفا فكريا ما يسهِّل من عملية تجنيده ثم دفعه للقيام بعمليات إرهابية، فمراجعة العمليات الأخيرة في مصر والأردنوألمانياوتركيا تكشف أن منفذيها من الشباب الذين لم يتجاوزوا أوائل العشرينيات، لأنهم الأكثر رغبة في القيام بمغامرة وعندهم نهم للشهرة، فضلا عن اقتناعهم من الناحية الحسية بأن الحور العين في انتظارهم حال مقتلهم أثناء قيامهم بالعملية الإرهابية». وشدد أستاذ علم الاجتماع السياسي علي ضرورة أن تتكاتف الأجهزة الأمنية علي مستوي العالم لمواجهة ظاهرة باتت عالمية بامتياز، مضيفا: »لا يعني هذا أن المهمة أمنية، بل إن الشق الأمني يقتصر فقط علي متابعة نشاط الجماعات الإرهابية علي الإنترنت، لكن الأهم هو معالجة أزمة الشباب التي تدفعهم لهذا الطريق، وهنا تأتي أهمية مواجهة الأفكار المتطرفة بمنظومة فكرية معتدلة، والعمل علي إقرار مناهج تعليمية منفتحة، ونشر ثقافة رفيعة في المجتمع عبر وسائل الإعلام، وتبني خطاب ديني معتدل، والأهم العمل علي حل أزمات المجتمعات الاقتصادية لتوفير فرص عمل للشباب وعدم تعريضهم لخطر البطالة التي تؤثر سلبا علي نفسية الشباب وتؤدي بهم إلي تكوين مشاعر سلبية ضد المجتمع».