وسط الكثير من المساجد التي يحتفظ بها شارع الدرب الأحمر أحد أعرق شوارع القاهرة القديمة، يزين مسجد السيدة فاطمة النبوية الشارع التاريخي معطيا نفحة نبوية من آل البيت للشارع ومساجده، فالسيدة فاطمة التي تعرف بأم الحنان، يقع ضريحها في منتصف شارع الدرب الأحمر الذي يتوسط باب زويلة من ناحية الشمال وقلعة الجبل ومسجد السلطان حسن من ناحية الجنوب الشرقي، ويعد مسجد فاطمة النبوية أحد أهم مساجد آل البيت ومن أكبرها في القاهرة التي تتزين بالكثير من مقامات الأسرة المحمدية. وصلت السيدة فاطمة النبوية بنت الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، وحفيدة السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم، إلي مصر في أعقاب موقعة كربلاء الكارثية التي قتل فيها الحسين ومعظم الذكور من نسل فاطمة الزهراء، دخول فاطمة النبوية إلي مصر كان في ركاب عمتها السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، هربا من اضطهاد خلفاء بني أمية، وهنا عاشت في ظل احتفاء المصريين بآل البيت وحمايتهم. أطلق الكثير من الألقاب علي السيدة فاطمة النبوية، أشهرها "أم اليتامي والمساكين"، و"أم الحنان"، وذلك لكرمها وعطفها وسخائها، فكانت تتبني اليتامي والمساكين، وتغدق عليهم من حنانها كأنها أم للجميع، كيف لا وهي أقرب النساء شبها بجدتها السيدة فاطمة الزهراء، ونالت منها بركة الاسم والصفات فكانت أقرب الناس لها خَلقا وخُلقا. ومن كثرة تعلق المصريين بها يقام لها المولد الذي يستمر لعشرة أيام، يوزع خلالها الفول النابت والعدس والعسل الأسود لقربها الشديد من قلوب المصريين، ويقع مسجدها في الدرب الأحمر حيث كان في البداية صغيرا جدا لا يتعدي 80مترا، ولكن حدث فيه العديد من التجديدات، منها تجديدات الأمير عبد الرحمن كتخدا، والخديو عباس حلمي الثاني، وآخرها بعد زلزال 1992 لتصدع المسجد بالكامل، فتم إعادة بنائه وتوسعته بشكل كبير، مع الإبقاء علي الضريح والقبة وعليه مقصورة من النحاس الأصفر من إنشاء عباس باشا، وجعل فيه منبرا ودكة ولكن طمس فيه معلم من معالمه الهامة، وهن السبع بنات اليتيمات المدفونات بالقرب منها، واللاتي كانت ترعاهن السيدة فاطمة بعد استشهاد أبيهن في كربلاء، حيث تم بناء السور عليهن ولكن أهالي الحي وكل محبي السيدة فاطمة النبوية مازالوا يعرفون قصة هؤلاء البنات السبع. أما أحد أقدم الأوصاف التاريخية للمسجد فتعود إلي القرن التاسع عشر علي يد علي مبارك في كتابه "الخطط التوفيقية"، قائلا: "حارة السيدة فاطمة النبوية عرفت بذلك لأن هناك ضريحها الشريف، وهو ضريح جليل ذو وضع جميل عليه قبة مرتفعة ومقصورة من النحاس الأصفر داخل المسجد المعروف بها، أنشأه المرحوم عباس باشا، وجعل فيه منبرا ودكة، وعمل لها ميضأة وحنفية من الرخام ومنارة وبابين أحدهما يؤدي إلي الحنفية والآخر إلي الضريح الشريف ويعمل لها حضرة كل ليلة ثلاثاء ومولد سنوي يستمر نحو عشرة أيام ولها نذور كثيرة وزيارات، وقال العلامة الأجهوري: السيدة فاطمة النبوية بنت سيدنا الحسين، رضي الله عنه، مدفونة خلف الدرب الأحمر بزقاق يعرف بزقاق السيدة فاطمة النبوية في مسجد جليل ومقامها عظيم وعليه من المهابة والجلالة والوقار ما يسر قلوب الناظرين، وما اشتهر من أن السيدة فاطمة النبوية بدرب سعادة فهو غير صحيح ويحتمل أن تكون فاطمة أخري من بيت النبوة". ويقام بالمسجد حضرة كبيرة للذكر يتجمع فيها مريدوها من كل مكان، وفي مولدها يقدم الفول النابت والعدس والعسل الأسود، حيث إنه كان طعامها الذي تحبه وتقدمه لزوارها، ورغم شدة جمالها كانت عالمة وتقية مشهورة بالصلاح، ومن راويات الحديث عن جدها المصطفي صلي الله عليه وسلم ، وكذلك روت عن جدتها السيدة فاطمة الزهراء، وعمتها السيدة زينب وأبيها الحسين وأخيها زين العابدين، وأم المؤمنين عائشة وابن عباس، ورغم ما شاهدته مع باقي سيدات آل البيت من ابتلاءات حدثت لهن في كربلاء، والمذبحة التي فعلها يزيد بن معاوية إلا أنهن وقفن جميعا صامدات في عزة وشموخ بل زدن قوة وعزيمة ووقوف ضد الظلم. وأما عن زواجها فقد تزوجت من ابن عمها الحسن ابن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، المعروف بالحسن المثني، وأنجبت منه عبد الله الملقب بالمحض، لإخلاصه في العبادة لله، وكان أول علوي يجمع نسب الحسنيين، وكان يشبه جده المصطفي عليه الصلاة والسلام، وأنجبت منه أيضا إبراهيم الملقب ب "القمر"، لشدة جماله، وكذلك الحسن المثلث فهو الحسن بن الحسن بن الحسن، ولكنهم ماتوا جميعا علي يد أبي جعفر المنصور. وعن زواج السيدة فاطمة أجمعت الروايات أنه كان من اختيار أبيها الإمام الحسين، حيث قام بتخيير ابن أخيه الحسن بين سكينة وفاطمة، فذكر البعض انه اختار فاطمة، بينما ذكر آخرون انه استحي وسكت فاختار عمه له فاطمة لأنها أكثر شبها بأمه، وبعد أن توفي زوجها الأول رفضت الزواج مرة ثانية، وظلت تجلس في قبة تمارس عبادتها وتصوم وتصلي وتقوم الليل، ولكن لم تتركها أمها هكذا حيث صممت ان تتزوج مرة أخري، فاضطرت أن ترضخ لذلك تحت ضغطها رحمة بأمها المسنة، وتزوجت من حفيد عثمان بن عفان؛ عبد الله بن عمرو وكان ثريا، ودفنت السيدة فاطمة النبوية في مصر. يقول الشيخ يسري السيد مرسي، إمام وخطيب بوزارة الأوقاف، إن السيدة فاطمة النبوية بنت الإمام الحسين أتت مع آل البيت الذين جاءوا مع السيدة زينب رضي الله عنها إلي مصر، والذين كان وجودهم بركة وفضلا من الله لأرضنا التي حفظها الله تعالي ببركتهم عندنا من كيد الكائدين مهما مر علينا من أحداث، ولذلك يجب أن نتعلم منهم المبادئ والتضحية من أجل الدفاع عن الحق، وجاء آل البيت إلي مصر التي دفن فيها الكثير من آل البيت والصحابة، ومنهم السيدة فاطمة النبوية، وهم لنا قدوة في حياتنا وأفعالنا، وهم لنا بركة علي أرض مصر التي حماها الله بفضل وجودهم فيها.