9 ملايين عازب وعانس في مصر. هذا الرقم منسوب للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وعلي الرغم من تشكيك البعض في صحة هذا الرقم، خاصة أنه يتردد منذ أكثر من 15 سنة، إلا أن نوابا في البرلمان اعتبروا قبل أشهر أنه يهدد الأمن القومي، ففي مايو الماضي قال النائب كمال عامر، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، إن »العنوسة» من الملفات المهمة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي، في حين كشف رئيس جهاز التعبئة والإحصاء اللواء أبوبكر الجندي ل»آخرساعة» عدم وجود إحصاء صادر عن الجهاز عن عدد العوانس في مصر من الأساس واعتبر البعض أن التعاطي مع مشكلة العنوسة في مصر، لا يتم بالشكل الصحيح، فبخلاف التشكيك في دقة الرقم »9 ملايين عانس» والتي لا يُعرف حتي الآن الطريقة أو الآلية المحددة التي يتم بناء عليها إحصاء عدد من فاتهن سن الزواج، فإن المشكلة تكمن أيضاً في عدم مناقشة الظاهرة من كافة جوانبها والاكتفاء بالنظر إلي الأمر علي أنهن مجرد بنات فاتهن قطار الزواج دون النظر إلي المتغيرات التي أصابت مجتمع أصبحت فيه المرأة شريكا أساسيا وفاعلا في الحياة. »آخرساعة» بدورها لا تفتح ملف العنوسة، لكن إذا كان الحديث عن تهديد العوانس للأمن القومي، فالأمر يستدعي وقفة للتوضيح، وأن نعرف ما علاقة العنوسة بالجريمة مثلاً؟ وهل التقدم في السن دون زواج قد يدفع الفتاة أو الشاب إلي طريق الجريمة، بسبب الشعور باليأس؟ خاصة أن البعض قد يلجأ إلي زواج المتعة أو المسيار أو العرفي. روايات بعض الشباب والفتيات الذين تأخروا في الزواج تعكس جانباً من آثار الظاهرة، ومن بين هؤلاء فتحي محمد (30 عاماً)، حيث يقول: دخلت في علاقة رسمية وبدأتها بخطوبة ثم رفض أهل خطيبتي أن نبدأ حياتنا في شقة بالإيجار، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلي عدم استقرار حياة ابنتهم، وبعد 5 سنوات لم أتمكن من إتمام الزواج لضعف الإمكانيات وبعد فسخ الخطوبة تحولت إلي شخص محبط ومعقد وأصبحت أمارس سلوكيات خاطئة، لكنني أصبحت أسعد حالا، لأنني في أي وقت أستطيع أن أرافق أي فتاة تعجبني لقضاء وقت معها دون الالتزام بأي شيء بدون زواج أو غيره. بينما تقول أمنية محمد (28 عاماً) مديرة تسويق بإحدي الشركات، إن 9 ملايين عانس رقم مبالغ فيه وثابت دون تغيير منذ سنوات طويلة، ولا أظن أن له أساسا من الصحة، أو أن العنوسة تدفع إلي الجريمة، لذلك أري أن علي البرلمان أن يناقش قضايا أكثر أهمية، مثل الأوضاع الاقتصادية للبلاد باعتبارها محور كل المشاكل بما فيها تأخر سن الزواج في المجتمع. الخبراء كان لهم رأي في هذا الصدد، حيث تقول الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، إن مصطلح عانس في اللغة ينسحب علي الشاب أو الفتاة، علي حد سواء ومن الذين فاتهم قطار الزواج سواء كان ذلك عزوفاً عن الزواج أو بسبب ظروف اجتماعية او اقتصادية، وفي النهاية نستطيع أن نقول إن كلمة عانس تشكل تبعاً للوضع الاجتماعي في كل مجتمع.. وعن مدي حقيقة رقم ال9 ملايين عانس في مصر، ينفي اللواء أبوبكر الجندي رئيس جهاز التعبئة والإحصاء, وجود بيان صدر عن الجهاز يذكر أن هناك 9 ملايين عانس في مصر، وقال ل»آخرساعة»: »أرفض مصطلح عانس»، مشيراً إلي أنه لا يوجد أساساً تعريف واضح للعانس. يتابع: لا يوجد تعريف محدد للعانس، كما أن نسبة الذين لم يتزوجوا تختلف من محافظة لأخري فهي بنسبة 30% في المحافظات الحدودية التي تحكمها عادات وتقاليد وبنسبة 38% في مجتمع الحضر وبنسبة 27.8% في وجه البحري بينما تصل ل25% في وجه القبلي، وبعيداً عن الإحصائيات والأرقام هناك حقيقة واضحة وهي وجود زيادة مخيفة لمعدلات العنوسة والسبب الرئيسي في ذلك الأوضاع الاقتصادية فعندما يقدم الشاب علي الزواج يصطدم بثلاثة عوائق وهي توفير الوظيفة ثم الإمكانيات الاقتصادية التي توفر له مسكناً مناسباً. لكن يبقي سؤال يحير الجميع لماذا زعم مجلس النواب انها قضية أمن قومي! .. وللإجابة عن هذا السؤال يقول كمال عامر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان: تحولت العنوسة إلي قضية خطيرة ينبغي التصدي لها فعزوف الشباب والفتيات عن الزواج سواء بإرادتهم أو لا يمثل مشكلة تهدد الأمن القومي لأنه بالنهاية ينحرف الشاب أو الفتاة وتنتشر جميع أنواع الزواج من العرفي للمسيار للمتعة ومن قبل ذلك انحراف الشباب وتفاقم معدلات الأمراض النفسية والعصبية والجريمة. ويشير إلي أن اللجان النوعية في البرلمان قررت مناقشة القضية وعمل تشريعات تقضي علي أسباب العنوسة وذلك من خلال اجتماع مشترك مع اللجان المعنية مثل التضامن الاجتماعي والإسكان مع الأخذ في الاعتبار بتعاليم الدين والبعد عن المغالاة في المهور.. ولهذه القضية أبعاد اجتماعية عديدة يوضحها الدكتور رشاد عبداللطيف أستاذ علم الاجتماع, حيث يقول: الزواج الآن أصبحت له متطلبات متغيرة لذلك لا نستطيع أن نطلق لفظ عانس علي كل من لا يتزوج أو تتزوج فهناك مفاهيم اجتماعية جديدة. الشباب يرفض الزواج والفتيات يفضلن كبار السن أو الحياة عانسا علي الارتباط والدخول في حياة تنتهي بالفشل كما أن هناك دراسة تبين أنه أمام كل فتاة لم تتزوج شابان لم يتزوجا وبالنهاية سواء كانت فتاة أو شاب فهم يرفضون مصطلح عانس لأنهم رفضوا الزواج بكامل إرادتهم ومن هنا اصبحنا أمام قضية خطيرة تفتح الباب للانحراف ولهذا نحمل هذه المسئولية علي الحكومات والجمعيات الأهلية فالحكومة هي من تسببت في حالة الإحباط من البداية فبسبب كثرة العواقب المادية عزف الشباب والفتيات عن الزواج. في حين يري الدكتور إبراهيم مجدي أستاذ الطب النفسي, أنه من ضمن الأسباب التي أدت إلي عزوف الشباب عن الزواج، ثبات الصورة الذهنية للمرأة لدي الرجل باعتبارها الست المقيدة »اللي ملهاش إلا بيتها» ومرفوض أن تتمتع بالحرية أو الشخصية القوية، فهو يريد دائما أن يعيش حياة سي السيد ويسيطر عليها في كل شيء علي الرغم من أنه عندما يريد الصداقة مع الجنس اللطيف يختار البنت صاحبة الفكر والشخصية القوية والمتحررة وهي هنا أزمة تربية ومفاهيم لذلك لابد أن نصيح بأعلي الأصوات لنؤكد أن متطلبات العصر اختلفت فإذا أراد الرجل أن يسيطر فعليه أن يقوم بكل أدواره كاملة ثم يحتوي المرأة فكريا وعاطفيا ليأخذ أحلي ما فيها.. باختصار الصراع الآن هو صراع فكر لا أوامر وعضلات.