يبدو أن ربيع الثورات العربية أصبحت عدواه عابرة للقارات والمسافات، فقد عبرت نسمات الحرية مياه البحر المتوسط لتصل إلي الأراضي الأندلسية، فقد انطلقت منذ يوم 15 مايو الماضي ثورة شعبية في ربوع المدن الأسبانية، انطلقت شرارتها من مواقع التواصل الاجتماعية، وكما حدث في مصر وتونس كان المحرك الرئيسي لهذه الثورة الشباب الذين بدأوا التجمع في الميادين الرئيسية وبدأت دعوتهم للتظاهر تلقي صدي لدي كثير من الأسبان الذين توحدت مطالبهم بإجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية في ظل أزمة مالية طاحنة تضرب البلاد. البداية كانت مع ثلاثين شخصا قرروا التخييم في أكثر الميادين شهرة في العاصمة مدريد ميدان بويرتا ديل سول الذي شبهه كثيرون بميدان التحرير الذي شهد انطلاق ثورة 25يناير في مصر. وبالفعل كثير من الصور والمشاهد التي تنقلها وكالات الأنباء العالمية للميدان تشبه إلي حد كبير المشاهد التي رأيناها في الميدان المصري الذي صار أشهر ميادين الحرية في العالم. حركة 15 مايو تتصاعد يوماً بعد الآخر، فكل الميادين في المدن الأسبانية أصبحت محتلة من قبل المتظاهرين، رغم الحظر الذي فرضته الحكومة علي التظاهر. ووضح تماماً أن هناك سخطا شعبيا موجودا بقوة في الشارع الأسباني من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، ويبقي السؤال، هل سيؤدي هذا الحراك في الشارع إلي تغيير في السياسة الأسبانية لتعمل بشكل أكبر علي عبور الأزمة الحالية، البعض يقول إن الغضب الشعبي لن يؤدي إلي تغيير وأنه لن ينتج سوي مزيد من الإحباط للطبقات المتضررة من الأزمة الاقتصادية. لكن من قال إن الغضبات الشعبية لاتؤدي إلي نتائج؟ التاريخ نفسه يقول عكس ذلك. فلولا قيام الحركات الزنجية في الولاياتالمتحدة في1960 ما حصل السمر في أمريكا علي حقوقهم. ولولا نزول شعوب الاتحاد السوفيتي السابق ماحصلوا علي تحررهم الاقتصادي، ولم نذهب بعيداً ولانتذكر الضغط الشعبي الأسباني علي الحكومة الأسبانية لسحب القوات الأسبانية وهو المطلب الذي استجابت له الحكومة علي الفور. إذن المطالبة بالحقوق شيء مهم، وكما يقول المثل الشهير، ماضاع حق وراءه مطالب. بعد 3سنوات من الأزمة الاقتصادية العالمية، بدأت ملامح الغضب الشعبي من أسبانيا، ولم لا والوضع هناك سيئ للغاية، ونسب البطالة تصل إلي مستوي هو الأعلي في منطقة اليورو وهو 20٪ وهي نسبة تصل إلي 43٪ إذا تحدثنا عن جيل الشباب فقط الذي يعتبر المحرك الرئيسي لأي مجتمع. والواقع أن وضع الشباب في أسبانيا أثار علامات استفهام عن صمتهم طوال السنين الماضية حول أوضاعهم التي تزداد سوءاً. لكن الإجابة أن الصمت والصبر كان بسبب الطبقة المتوسطة التي كانت ومازالت قادرة هي وقسم من الطبقة الشعبية علي الحفاظ علي مستوي معيشة معقول، كما أن الخوف من الأزمة والمستقبل والترقب جعل الناس تنتظر وتترقب عبور الأزمة، أضف إلي ذلك إجراءات حمائية اشتراكية اتخذتها الحكومة الأسبانية برئاسة رودريجز زاباتيرو ساهمت في تهدئة الغضب الشعبي بعض الوقت. لكن بعد تراجع زاباتيرو عن هذه الإجراءات نتيجة لضغوط شديدة من الأسواق، واتجاه الأزمة للتأثير علي القدرة الشرائية للمواطن الأسباني العادي، جعله ينتفض ولايجد بداً من النزول إلي الشارع. فالمواطن الأسباني بدأ يشعر أن هناك فوارق اجتماعية كبيرة بدأت تنشأ بين طبقات المجتمع المختلفة والمشكلة الأكبر أن المواطن في أسبانيا لايشعر سواء من الحكومة أو المعارضة باهتمام بمشاكله، فيبدو أن النخبة السياسية أعمتها مصالحها عن الاهتمام بمطالب الشارع الأساسية، واكتفت المعارضة (المتمثلة في حزب الشعب) بانتقاد هادئ لسياسات الحكومة. لذلك كان من الطبيعي أن تشعر الطبقة العاملة أنها تعيش في خديعة ديمقراطية وأن صوتها ورأيها لايوضع في الحسبان. المتظاهرون في الشوارع الأسبانية لهم نفس المطالب التي طالب بها الثوار في العالم العربي: يريدون مزيداً من الديمقراطية، فحتي لو كانت أسبانيا من الناحية النظرية بلدا ديمقراطيا، إلا أن هذه الديمقراطية جنحت للاهتمام بمصالح النخبة وهي في حاجة إلي العودة من جديد إلي الطريق الصحيح للاهتمام بمطالب الطبقة العاملة. وهذا هو المطلب الأول للحشود الكبيرة التي تدفقت للميادين في كل المدن الأسبانية للمطالبة بالالتفات لمطالبهم العادلة في حكومة تنظر بعين الاعتبار للمطالب الشعبية وليس لمصالح الطبقة الغنية والسياسية. ولأن هذه المظاهرات أتت قبل أيام قليلة من الانتخابات البلدية فهي بالتأكيد قلبت كل الحسابات السياسية. المتابعون للشأن الأسباني أكدوا أن المظاهرات الأخيرة لم يكن لها مثيل أبداً منذ عام 1978 .