المخرجة الأمريكية مع لانا ستالين أثناء التحضير للفيلم غالبا مايدفع الأبناء ثمن أخطاء وجرائم الآباء.. ذلك الثمن الذي يتضاعف ويصبح أكثر قسوة إذا ماكان الأب طاغية وديكتاتورا بحجم القائد السوفيتي الراحل جوزيف ستالين، الذي يعد في نظر البعض المؤسس الحقيقي للدولة السوفيتية السابقة. وعلي مدار أكثر من نصف قرن لاتزال سفيتلانا هاليلوبيفا »النور الخافت« باللغة الروسية.. أو لانا بيترز ابنة ستالين، تحاول الهرب من تاريخ أبيها الدموي وآثار سياساته القمعية ضد معارضيه والتي تسببت في قتل وإعدام واعتقال الملايين داخل الأراضي الروسية وخارجها. سيرة أبيها دفعت لانا للفرار من بلد إلي آخر ولأن تعيش حياة مأسوية غير مستقرة تحولت مؤخرا لفيلم سينمائي يحمل عنوان »سفيتلانا تكتب عن سفيتلانا« بدأ عرضه في الولاياتالمتحدةالأمريكية انطلاقا من الأسبوع الماضي، وذلك بعد أن تم تأجيله لقرابة العامين قبل أن يتم الإفراج عنه وظهوره للنور لأول مرة خلال مهرجان ويسكونس السينمائي. تعيش ابنة ستالين –اليوم- حياة بسيطة في دار للمسنين بولاية ويسكونسن الأمريكية تحت اسم "لانا بيترز نسبة إلي زوجها الأخير. وفي عزلتها، استقبلت العجوز الثمانينية مخرجة الفيلم الأمريكية لانا بارشينا وباحت لها بذكريات ثمانين حولا من حياة مضطربة تخللها عشاق كثيرون وعدة أزواج، بينهم الروسي والهندي والأمريكي. وتروي سفيتلانا كيف ان أباها دمر أفراد الأسرة واحدا بعد الآخر، بالقتل والإقصاء. كما أرسل والديه إلي هناك "لانهما يعرفان عنه الكثير ويثرثران كثيرا." تركت أبيها والبداية كانت معنوياً عام 1953عقب وفاة والدها، قررت التخلي عن حمل لقب أبيها مستبدلة إياه بلقب والدتها هاليلوييفا وهي تقول إنها لم تعد قادرة علي حمل ذلك الاسم وأن رنينه يؤذي سمعها ويؤلم قلبها. فان اسم ستالين يدل علي الحزب أكثر من العائلة. جدير بالذكر أنه لم يعرف إلا القليل عن سفيتلانا البالغة من العمر84 عاماً وكانت تعيش في شقة بموسكو قريبة من السفارة البريطانية وعملت كمدرسة ومترجمة. وسفيتلانا هي الابنة الوحيدة لجوزيف ستالين من زوجته الثانية ناديز هادا أليليوفا التي انتحرت في 9 نوفمبر عام 1932 عندما كانت ابنتها لم تتجاوز العاشرة من عمرها. وعقب هذا الحادث قرر أبوها أن يمنحها رسميا لقب "ربة البيت". وكان يطلب منها أن ترسل له، كل يوم، أوامرها وطلباتها عبر البريد، ويرد عليها بعبارة "سمعا وطاعة". لكن سفيتلانا، الطفلة التي ولدت في أحضان السلطة، وكانت تقف الي جوار أبيها في المنصة لتحيي الجماهير، اكتشفت في سن المراهقة أن الأب ستالين زعيم قاس، وأن أفراد أسرته لم ينجوا من قسوته. وبعد وفاته عام 1953 وتركت سفيتلانا طوعا البيت الريفي "الداتشا" الذي كان مخصصا لها والمرتب الشهري البالغ أربعة آلاف روبل. ولما كبر ولداها وأوشكا علي التخرج في كلية الطب، كتبت ابنة ستالين رسالة الي رئيس مجلس الوزراء آنذاك، أليكسي كوسيجين، تشكره فيها علي الامتيازات التي ظلت تتمتع بها، وتعلن تنازلها عنها. وكان من بين تلك الامتيازات تناول الطعام مجانا في مجمع رئاسة الوزارة، واستخدام سيارات الدولة، والعلاج المجاني لدي طبيب مرموق. فشل زواجها ويحكي الفيلم مأساتها في زيجاتها بسبب جبروت والدها. فعندما كانت في السادسة عشرة من عمرها أحبت مخرجا يهوديا يدعي الكسي كابلر يبلغ من العمر 40 عاماً، ولكن ستالين رفض هذا الحب بشدة ونفي حبيبها لمدة عشر سنوات في فوركوتا. وعندما أصبحت في السابعة عشرة تزوجت سفيتلانا من زميلها اليهودي جريجوري مورزوف في جامعة موسكو وكان ذلك ضد رغبة أبيها. وأنجبت منه ابنها جوزف عام 1945 ولكن زواجها لم يدم وانفصلت عنه عام 1947. وتم الحكم بالإعدام علي زوجها بإرساله إلي المعتقل بسيبيريا. وكان زوجها الثالث أندريه زيدانوف أحد حلفاء ستالين ولكنها انفصلت عنه أيضاً. وفي عام 1963 تعرفت علي زوجها الهندي براجيج سينج سليل أسرة من المهراجات، في المستشفي عندما كانت تجري عملية استئصال اللوزتين. فاعتنق الشيوعية وأقام في موسكو، ثم تمت مراسم الزواج عام 1964وبعد وفاة زوجها عام 1967 حصلت ابنة ستالين علي إذن من المكتب السياسي للحزب بالسفر الي الهند لذر رماده في النهر المقدس. في مارس عام 1967 طلبت حق اللجوء السياسي لدي سفارة الولاياتالمتحدة في الهند عندما كانت تزور قبر زوجها الهندي. ورتب لها ترك الهند إلي روما مباشرة بعد أن رفضت السلطات الهندية السماح لها بالبقاء في البلاد خوفاً من إفساد العلاقات مع الاتحاد السوفيتي. ومنها إلي جينيف ورتبت الحكومة السويسرية لها تأشيرة سائحة ومنحها إقامة لمدة ستة أسابيع ثم إلي الولاياتالمتحدة التي استقرت بها. وفور وصولها في أبريل عام 1967 أعلنت للصحافة رفضها لحكم أبيها وللحكومة السوفيتية. وفي عام 1970 سافرت إلي أريزونا استجابة لدعوة من أرملة المعماري الأمريكي فرانك لوند رايت، ولجيفانا التي تؤمن بالأرواح ورأت في سفيتلانا تشابها كبيرا مع ابنتها التي توفيت في حادث سيارة. فقابلت زوجها بيترز وايت مساعد فرانك وانجبت ابنتها اوليجا. وفي عام 1982 سافرت مع ابنتها إلي كامبردج في انجلترا. ولما عادت سفيتلانا إلي موسكو بمناسبة الذكري الخمسين للانتصار علي النازية، لم يحفل بها أحد، واضطرت إلي الاستنجاد بجورباتشوف لكي تحصل علي إذن بمغادرة البلد الذي يقاوم أشباح الماضي. وعادت مرة أخري إلي أمريكا عام 1986. وفي عام 1990 عاشت لفترة طويلة في بروستل في إنجلترا. وعن الجانب المضيء في والدها تقول إنه لم يكن يرفض لي طلباً، وكنت اتعلق بعنقه طوال الوقت، ويغمرني بالقبلات ويمتدحني ويعطيني أفضل قطع اللحم علي المائدة.