يوسف إدريس يطل علي مهرجان «كان» نجوم فيلم "الشجرة" للكاتب الكبير يوسف إدريس قصة قصيرة باسم «أمه»، طفل فقد أمه فصار يذهب إلي شجرة متجهاً إلي تجويف أشبه بحضن الأم فأصبحت هي أمه.. المؤكد أن المخرجة الفرنسية والتي كتبت أيضاً سيناريو فيلم ختام المهرجان «الشجرة» لم تقرأ قصة يوسف إدريس «أمه» ولكن لأن الفكر الإنساني واحد فلقد كتبت «جولي بيرتشيلي» فيلمها الذي يبدو وكأنه تفريعة من قصة يوسف إدريس، حيث شاهدنا فيلم الختام في المهرجان ورأينا الطفلة هي التي تستبدل الأب الراحل بالشجرة وإن كانت قد صعدت فوق الفروع القوية وأقامت بيتها هناك لإحساسها أن أباها الراحل يقطن به ويأتي إليه بين الحين والآخر.. أمها أيضاً تشاركها نفس الحلم وتشعر أن الأب بين الحين والآخر يأتي لحماية أبنائه وزوجته.. «الشجرة» تمتد فروعها لتحتضن البيت مما يهدد الأسرة، ويبقي الحل الوحيد الممكن هو أن تتمرد الأسرة علي هذا الجنوح الذي تمارسه الأغصان إلا أنهم يزدادون تشبثاً.. يبدو الأمر في البداية وكأنه صراع بين قوتين، واقع وخيال والحقيقة أن الأم نفسها تعيش هذا الصراع الداخلي، لأنها تبدأ مشاعرها تخفق لرجل آخر يأتي للبيت لإصلاح بعض الأعطال إلا أنها سرعان ما تتراجع.. المخاطر التي تواجه البيت تأتي من الطبيعة، حيث تهب العواصف العاتية لتقلعه وتغادر الأسرة التي تتكون من الزوجة وثلاثة أبناء المنزل، بينما تأتي اللقطة الأخيرة والعربة تبتعد إلا أن قلب الأبناء والأم لا يزال متعلقاً بالشجرة.. الفيلم من الممكن أن تراه تفريعة عن قصة «أمه» ليوسف إدريس في مجموعة «العتب علي النظر» قصة قصيرة مكثفة من المشاعر بتدفق وإبداع، بينما جاء فيلم الختام في المهرجان مليئاً بالثرثرة، حيث إنه كان يصلح فقط كفيلم قصير ممتع.. جاءت البداية مخيبة للآمال بفيلم «روبن هود» ل «ريدلي سكوت» الذي عرض في افتتاح المهرجان وجاءت أيضاً النهاية بفيلم لا يقل عنه في خيبة الأمل وهو «الشجرة».. ولم تكن هذه فقط هي أحداث الختام فلقد عرض في اليوم الأخير داخل المسابقة الرسمية الفيلم الروسي «محروق بالشمس» الجزء الثاني، حيث قدم الجزء الأول قبل نحو 15 عاماً المخرج الروسي الشهير «نيكيتا ميخالكوف».. يعود مجدداً إلي عصر «ستالين» أثناء الحرب العالمية الثانية عندما أعلنت ألمانيا الحرب علي روسيا.. بالفيلم لمحات صادقة تقدم مشاعر تؤمن بالله وهكذا رأينا قسيساً يعمد بطلة الفيلم «نادية» وهي في الجزءين «الموت والحياة نادية» ممرضة في الجيش ويمنحها الصليب، واستمعنا إلي مجموعة تقيم الصلاة الإسلامية، نعم اختلط الأمر علي المخرج بين أذان إقامة الصلاة وبين صلاة العيد ولكن ما أراد «ميخالكوف» تأكيده هو أن الثورة البلشفية لم تستطع أن تمحو الإحساس بوجود الله لدي الروس.. بقدر ما يسخر الفيلم من حكم «ستالين» فهو أيضاً يدين «هتلر» ويطرح هذه المرة الإيمان بالله كقيمة اعتقد البعض أنها كانت غائبة عن الاتحاد السوفيتي، ولكن يبقي أن الفيلم لا يحمل أي طموح فني أو فكري أبعد مما شاهدناه من أفلام لنفس المخرج.. وهكذا جاء الفيلم الذي عرض في نهاية أفلام المسابقة وهو في حالة إبداعية متوسطة لتصبح بعض أفلام البدايات فقط هي التي سوف تظل أكثر في الذاكرة في هذه الدورة التي أتصور أنها تستحق أن نسأل عن أسباب خفوت نجاح أفلامها مع اشتعال القضايا التي كثيراً ما أثارتها.. كما أن أفلام «نظرة ما» والتي تعد الظاهرة الثانية في الأهمية بعد المسابقة الرسمية، هذه المسابقة حظيت بعدد مهم من الأفلام بعضها أكثر إبداعاً من تلك الأفلام التي حجزت لها مكاناً مميزاً في المسابقة الرسمية.. أعتقد أن هذه الأسئلة وغيرها سوف تطرح بقوة في نهاية هذه الدورة.. لنري «كان في 64» وهو بالتأكيد ليس «كان في 63» فلم يكن هذه المرة في تألقه المعتاد، صحيح اختفت السحابة البركانية التي كانت تخيم علي سماء المدينة قبل بداية المهرجان وهدأت أمواج شاطئ الريفييرا.. وأمطرت السماء مطراً غزيراًَ أعاد للسماء صفاءها ولكن لم تصفُ سماء أفلام المهرجان.