عندما يضيق الصدر بأحداث الحياة، وعندما تتجهم الدنيا وتتكاثر سحب الأحزان، أجد السلوي في قراءة السيرة العطرة وما فيها من أحداث، وتتجلي لي شخصية الرسول الآسرة، وصبره الذي بلا حدود وهو يدعو إلي دين الله.. وكم تحمل من حمق الجهلاء وبغي الظالمين، ومع كل ما تعرض له كان بالمؤمنين رءوفا رحيما، وكان يقول في دعائه: اللهم إنني بشر من البشر، أغضب كما يغضب البشر، فأيما رجل دعوت عليه، فاجعل ذلك له زكاة ورحمة، وصلاة وطهورا، وقربة تقربه إليك يوم القيامة. ويحكي لنا الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه »خاتم النبيين« كيف كان الرسول الأعظم يفيض قلبه بالرحمة والرأفة، وأن شفقته الأبوية التي لا تتعارض مع الواجب، أو لا يعارضها واجب من العدالة والتسوية بين الناس لتبدو في شفقته علي ابن زينب وهو يحتضر فقد أرسلت إلي أبيها نبي هذه الأمة، ولكن الرجل الشفيق خشي من ضعف الشفقة أن يري حفيده يحتضر، فأرسل إليها عليه الصلاة والسلام يقول لها: إن لله ما أخذ وأعطي، وكل شيء عنده مسمي، فلنحتسب لنعتبر، ولكنها تصر علي أن يحضر وتقسم عليه فقام إليها النبي وقام معه من بحضرته من صحابته، فوضعه عليه الصلاة والسلام في حجره ونفسه تخرج، ففاضت عينه عليه الصلاة والسلام فقال له سعد بن أبي وقاص: ما هذا يارسول الله؟ قال الرسول: هذه رحمة وضعها الله في قلوب من شاء من عباده ولا يرحم الله من عباده إلا الرحماء، ولقد كانت الشفقة مع القيام بالواجب تتجلي في موت ولده إبراهيم الذي وهبه الله تعالي علي كبر، ثم استرد الوديعة ، فما رئي رسول الله صلي الله عليه وسلم في حزن الأبوة، كما رئي في وفاة إبراهيم، إذ بكي من عبء ما أصيب به، وكان ثقيلا.. ولما رأي أسامة بن زيد محمد صلي الله عليه وسلم يبكي صرخ، فنهاه صلي الله عليه وسلم وقال له: يا أسامة البكاء من الرحمن والصراخ من الشيطان.