الطريشة هناك في الواحات بشر أحاطت بهم رمال الصحراء من كل اتجاه، وفي قلب الرمال تتحرك الأفاعي والعقارب والطريشة، هؤلاء البشر مجبرون علي الدخول في صراع يومي مع الطبيعة من أجل البقاء. من آلاف الحكايات عن معارك أهل الواحات مع الطبيعة، تبرز حكاية عم سعيد حمزة صائد الطريشة، الذي ذاع صيته بين أبناء الواحات، فهو الذي ينقذهم من شرور الطريشة؛ هذا الحيوان القاتل المميت. بعد مدينة الخارجة بكيلو مترات قليلة وبالتحديد في منطقة تسمي البرمودي، تجد عم سعيد ومعمله الخاص عبارة عن بيت من الطوب اللبن مسقوف بجريد النخل يحيط من حوله الغيط والصحراء والهدوء. خرج إلينا بابتسامة أهل الواحات الطيبين ليبادرنا قائلاً: «أنا سعيد أحمد محمد، وشهرتي سعيد حمزة، هوايتي صيد الثعابين». حمزة، يقول إن اصطياد الأفاعي مجرد هواية اكتسبها من والده الذي لم يكف طيلة حياته عن تتبع أثرها وسط الصحراء والأراضي الزراعية، مشيرًا إلي أن هوايته اكتسبها بشجاعة وهي خالصة لوجه الله ولا يتكسب من ورائها. سألناه، ما حكاية الطريشة؟ الطريشه الموجودة عندنا في الوادي الجديد هي أخطر الطريشات الموجودة مصر، فهي قاتلة وإذا لدغت إنساناً يتغير جسم الإنسان الملدوغ بسم الطريشة، وعلاجه بتر الجزء المصاب لإيقاف سرعة الانتشار، وذلك بعد مكان اللدغة بعدة سنتيمترات يتم بتر الجزء الملدوغ لإنقاذ المصاب، وكي الجرح بعد ذلك لإيقاف النزيف أي أن اللدغ في مناطق الجسم ليس له أي علاج، إلا أنه من سنوات قليلة اكتشفوا علاجاً جديداً وهو الكي بالنار بتسخين سكين لدرجة الاحمرار في نار حامية أو باستخدام موقد الأسرع فيهم لأن العلاج يجب أن يتم في خلال دقائق بسيطة بعد الإصابة وهذا العلاج طبعاً أفضل من البتر حتي يشفي المصاب وينجو من الموت وإن كان يشعر بعد ذلك سنوياً في نفس ميعاد اللدغة ببعض الأعراض حيث يصبح الجزء الذي أصيب فيه أكثر سواداً ويتورم قليلاً، ويتغير جسم الإنسان الملدوغ إلي اللون الأسود في بداية الأمر ثم يحدث تورم شديد في الجزء الملدوغ ويلقي المصاب حتفه إذا لم يتم علاجه، وأنا أعتبر الطريشة أكبر كائن فتاك في الأرض، والمصاب بلدغة الطريشة لا يشعر بسريان السم داخل جسده علي عكس سم العقرب، الذي يسبب اضطرابات شديدة وتهيجاً، وتستطيع الطريشة قتل الإنسان خلال ثلاثين دقيقة فقط. ما شكلها؟ رغم حجمها الصغير بالنسبة لبقية الأفاعي الأخري إلا أن أفعي الطريشة تعتبر من أخطر أنواع الأفاعي في سمها، ولا يوجد مصل أو علاج لسمها فالعلاج الوحيد لتجنب الموت من لدغتها هو بتر الجزء الملدوغ بشرط أن يكون في دقائق معدودة وإلا فالموت هو المصير المحتوم، وتعتبر الأفعي القرناء من الحيات السامة التي يجب تجنب عضتها، وهي لا تهاجم الإنسان وإن قرب منها هربت منه تزحف متثنية، وذلك لأنها تزحف زحفاً جانبياً، وهي قصيرة الطول عريضة الجسم والرأس، قصيرة الذيل، دقيقة الرقبة، وعلي جانبي الرأس العريض توجد غدد السم التي ساهمت في زيادة حجم الرأس، وإذا حوصرت الأفعي إلتفت حول نفسها وحكت حراشفها ببعض لتصدر صوتاً يسمي الكشيش، لتفزع أعداءها، وللطريشة نابان أماميان متحركان، وتستطيع الأفعي تحريك هذين النابين إلي الأمام خارج الفم وإلي الداخل لتدخلهما في لثتها، وهذان النابان يساعدانها علي سرعة توصيل السم للفريسة أيضاً علي رأسها قرنان جلديان ناعمان مرنان، يمكن بسهولة ثنيهما، ولا يعتبران سلاحاً تستطيع استخدامه، بينما تستطيع به إفزاع أعدائها، وقد يكونان لحماية عينيها الكبيرتين من الصدمات. كيف تصطادها؟ أسير وراء جرة الطريشة فهي تعيش في المناطق الرملية وبالقرب من الغيطان التي تساعدها في إيجاد مخبأ لها، وهي بحركات اهتزازية تستطيع دفن نفسها وتبقي عيناها خارج التراب لمراقبة فرائسها، والطريشة ليلية العيش تخرج ليلاً للبحث عن فرائسها من الزواحف والقوارض. وأنا أصطادها بخطة «اللقط» وهو عبارة عن ماسورة حديد رفيعة وعليها مقبض وتشبه المسدس الرشاش وحزام يتم من خلاله عملية الاصطياد وعند حدوث الإصابة بلدغة الثعبان. هل لديك معمل خاص تحتفظ فيه بصيدك؟ عندي معمل خاص أحتفظ فيه بمجموعة كبيرة من الطريشة عبارة عن غرفة من الطوب اللبن بها كمية كبيرة من البرطمانات البلاستيك يحوي كل برطمان علي طريشة حيه تتلوي داخل البرطمانات. وعند اصطيادي للأفاعي لا أقتلها لكن أحتفظ بها داخل أوعية زجاجية أو برطمانات بلاستيك داخل الحجرة التي أمتلكها داخل أرضي الزراعية، وذلك للاستفادة منها من خلال أخذ سمومها وخلطها بزيت الزيتون ودهنها لعمل علاج ومصلات لألم العظام والمفاصل. ما الفرق بين الطريشة والثعبان؟ الطريشة موجودة بكثرة بمحافظة الوادي الجديد وهي من أكبر المخاطر التي تواجه المزارعين وأهالي القري، ولها قرنان وسريعة الحركة والانقضاض والهجوم والتخفي، ومن الممكن أن تقطع عشرات الكيلو مترات خلال سعيها وراء فرائسها طوال الليل، كما أن لها صوتاً مسموعاً مثل آلة التنبيه تصدره طوال الوقت، ومن السهل اكتشاف مكانها. ما أداوتك في الصيد؟ حلة قديمة وشوية حطب حيث أشعل النار في الحطب وأضع بداخله دهون الطريشة مع زيت الزيتون لعلاج أمراض العظام والفقرات وآلالام المفاصل وحب الشباب وهناك جهات كبيرة جاءت من القاهرة لكي تأخذ مني الجركن الواحد بسعر 15 ألف جنيه لكنني رفضت، فأنا أمنحها للمحتاج مجانًا، وأقوم بسلخها وخصوصا الأنواع السامة منها لاستخراج الدهن لاستخدامه في علاج فروة الرأس وآلام العظام، كما أستخلص منها دهوناً لعلاج المرضي، وأستخلص دهونها وأخلطها بزيت الزيتون وأحولها لدواء يخفف آلام العظام والتهابات الروماتيزم المزمنة مجانًا ولوجه الله ولا أنتظر أجراً، وهناك تجارب كثيرة تمت وشفي ناس كثيرون من هذه الأمراض. أين تصطادها؟ أُمارس هوايتي وسط حقول المزارعين والذين أتلقي استغاثاتهم لاصطياد الأفاعي الموجودة في حقولهم، ودائماً ما أنصح المزارعين بتوخي الحذر خصوصا أثناء عملهم خلال فترة الليل، وذلك عن طريق لبس حذاء أثناء تجولهم وسط الزراعات بالإضافة إلي الإمساك بكشاف إنارة وعدم العمل في الظلام. وأنا لا أتقاضي أجراً علي ذلك العمل، والبعض أشاع عني أنني حاوٍ أو ساحر، وهذا كله مجرد افتراء فهذه المهنة تحتاج لقلب قوي ومؤمن وحريص، وذلك لتجنب شرور تلك الطريشة كما أن هذه المهنة تحتاج لإنسان صبور لكي يقوم بتتبع آثارها دون قلق. وهل لدغتك طريشة قبل ذلك؟ نعم، لُدغت منها وأخذت نصيبي من سمها، فلدغة الطريشة الواحدة بمائة عقرب، وأطلب من ربي أن يبعدها عن البشر خصوصاً أن ظهورها يكون ليلاً وليس بالنهار، وأنا أمشي وراء الأثر بالنهار إلي أن أصل لجحرها الذي تختبئ به، فهوايتي ربانية، أستخدم فيها قوة القلب مع العقل للإمساك بها، والإنسان الذي يلدغ منها ويعيش يكون كتب له عمر جديد.