يقول إن الجماد لا ينطق، ولا يشعر، فهو لم يقرأ القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فالجماد يسبح لله كغيره من المخلوقات وينفعل كالإنسان وهو ما جعل النبي صلي الله عليه وسلم يوصينا بالرفق بالجماد، ولا يمكننا أن نتخيل الحياة بدون جماد، أن نتصور العالم بدون ملابس، وبيوت، ووسائل مواصلات واتصالات، ولا نستطيع الإجابة عن السؤال: أين سيذهب الإنسان لو اختفت الشوارع، والجبال، والبحار والأنهار؟ الجماد هو الخادم الذي سخّره الله لنا، بواسطته نستطيع تدبير أمورنا وقضاء حوائجنا، وعن طريقه تستمر الحياة بأقل قدر من التعب وأكبر قدر من الاستمتاع. عرف الإنسان ما يمثله الجماد من قيمة فسعي إلي تطويره، حول قطعة الحديد إلي سيارة وقطار وطائرة، وصنع من الأخشاب المقعد والدولاب، والسرير والطاولة، ومن الحجر المعبد والتمثال والمسلة، ومن الأسمنت العمارات، ومن الألوان اللوحات، ومن القش الأوراق، واخترع الثلاجة والغسالة والتلفاز. وكلما تضاعف عدد البشر فطن الإنسان إلي أهمية الاستحواذ علي أكبر قدر من الجمادات، فسعي إلي شراء الأرض والبيوت والسيارات، والملابس والهواتف وادخار الأرصدة في البنوك ليشتري بها ما يشاء في الوقت الذي يريده، حتي صارت قيمة الإنسان تقاس بما يمتلكه من عقارات وأموال ومجوهرات، لكن البعض لا يعرف أن الرفق بالجماد أوامر إلهية ووصاية نبوية. يشير الدكتور صلاح العادلي، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إلي أن أجناس الموجودات في الكون أربعة مشهورة وهي من أدني إلي أعلي: جماد، نبات، حيوان، إنسان، وكل منها يخدم ما فوقه فالجماد مثل الشمس والماء يخدم النبات، والنبات يخدم الحيوان، والحيوان يخدم الإنسان، والإنسان بدوره يخدم بالعبادة التي تنقسم إلي اثنتين: الأول متجه إلي السماء، والثاني إلي الأرض حسب توجيه السماء، وهو يتمثل في عمارة الأرض وعلاقة الإنسان بالأجناس التي تحته ومنها النبات وتحدد علاقته بالسماء بالله عز وجل. ويضيف العادلي ل "دين دنيا": جمع القرآن الأجناس الأربعة مرة واحدة في الآية المشهورة في سورة الإسراء }وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم{، وقوله تعالي في سورة الحج }ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم{، وفي ضوء الآية نستطيع أن نستنتج أن كل جنس له مهمة إما تسخيرا وإما اختيارا، فمهمة الجماد تسخيرية ولذلك لا تقع منه معصية، وإنما تسبيح وطاعة وتسخر لما فوقه وأعلي منه. وتابع: بعد ذلك نجد السنة النبوية تخرج بعض أنواع الجمادات بالذكر وتبين أن له سماعا وتسبيحا وعبادة مثل الحديث الصحيح "أُحد جبل يحبنا ونحبه"، وفي حديث آخر أن النبي صلي الله عليه وسلم خاطب جبل أحد وسمعه الجبل فقال له "أثبت أحد فإن عليك نبيا وصديقين وشهيدين"، وهذا من النظرة الشرعية، وإذا طابقناها بالنظرة العلمية والتجريبية في العلم الحديث لوجدنا بالفعل أنه في داخل الجماد يوجد إحساس، فكان النبي صلي الله عليه وسلم إذا دخل بيته فتح الباب برفق وإذا خرج أغلق الباب برفق، وقال "ما وجد الرفق في شيء إلا زانه"، وشيء هنا تفيد العموم أي أننا مطالبون بالرفق مع كل شيء، ويتساءل: لماذا سمي سيدنا آدم بهذا الاسم؟ سمي حينما نفخت فيه الروح لأنه كان مادة، وبعد أن نفخت فيه الروح سمي آدم من الإدام والشاهد هنا أنه مكون من جزءين وهو الجماد أي المادة والروح التي تحل محل العاطفة فكلاهما متكاملان. من جهته، يوضح الدكتور أحمد عبد الله أستاذ علم النفس بجامعة الزقازيق، ل "دين ودنيا"، أن الحياة تتمحور حول الأشياء فيعتبر الإنسان أنه ينمو أو ينضج أو يتقدم في الحياة كلما زادت لديه الأشياء، ومثلا أنني الآن أعيش في شقة مساحتها 80 مترا، ومن المفترض أن يكون التطور الطبيعي بعد فترة أن أسكن في شقة 140 مترا ثم 200 متر وبعدها فيللا ثم شاليه وهكذا، وهذا هو المنظور الوحيد لمعني التقدم وغير ذلك في اعتقادهم هو الرجوع للوراء، ويلفت إلي أن النموذج البشري صاحب التفكير المادي لا يغمض له جفن ولن ينام مرتاح البال وسيظل في قلق سواء معه أو لا، فإذا كان يمتلك شيئا سيخاف من فقده وإذا لم يكن يمتلك سيظل يحاسب نفسه وينظر لما في أيدي الآخرين ، أما من ينظر إلي الحياة بطريقة أخري فسيعيش بشكل سوي وغير مضطرب. ويقول عبد الله: الكثير منا يتسمون بالنظرة المادية وهم أغلبية، والمشكلة أن هؤلاء البشر يتزايدون، وهو ما جعل البعض حول العالم يبحثون عن فكرة الزهد والبحث عن الحياة الطبيعية غير المتكلفة، وقد تزايد عددهم في الفترة الأخيرة في الكثير من أنحاء العالم، ولهم تمثلات مختلفة والكثير من الاتجاهات المختلفة، وهم يميلون للاجتماع ببعضهم البعض في عطلات نهاية الأسبوع بدون ملابس ويخرجون بأماكن طبيعية بعيدة عن الفنادق بأكلات بسيطة دون تكلف لاقتناعهم بأن هذه هي طبيعة الإنسان التي خلق عليها، وهو نوع من أنواع التطرف ضد المادية، وتعيش هؤلاء الجماعات داخل خيم بسيطة جدا ويطلقون علي أنفسهم الطبيعيين، وينقسمون فيما بينهم إلي تشكيلات فهناك من لا يدخنون أو يتناولون الكحوليات وهدفهم الاستغناء عن كل ما جلبته الحضارة الحديثة وكل ما هو ضار، والبحث عن أساليب الحياة الطبيعية، وهناك أكثر من مدخل لهذه الحياه فهناك من يعيشها من خلال الطاقة الحيوية وغيرها والعلاج البديل، ويرثون لحال من يتفاخرون أمامهم بالمادة بل ويثير ضحكاتهم.