البابا تواضروس يكرم خريجي مركز القديسة ڤيرينا للتمريض    مطران الأراضي المقدسة والقدس والضفة الغربية والأردن ل «البوابة»: وقف إطلاق النار في غزة ثمرة رؤية القاهرة الثاقبة    الخطيب يهنئ «رجال يد الأهلي» ببطولة إفريقيا    صدمة فى فرنسا بعد سرقة متحف اللوفر.. سرقة قطع نادرة من معرض «جاليرى دابولون» الذي يضم جواهر التاج الفرنسي    مهرجان الموسيقى العربية يختتم أعماله بإعلان توصيات تؤكد التوازن بين الإبداع الإنساني والابتكار التكنولوجي    مكاسب جنونية.. 130 جنيها زيادة في أسعار الذهب اليوم 20 أكتوبر    الأهلي يتوج ببطولة أفريقيا لكرة اليد رجال في المغرب    سان دييجو المملوك للمصري محمد منصور يصنع التاريخ في الدوري الأمريكي ويتأهل لأبطال كونكاكاف    التحفظ على والد المتهم والنيابة تطلب تحليل DNA للطفل    إنقاذ الأرواح نجاة أسرة من حريق بالطابق ال 16 فى عقار بالإسكندرية    جامعة قناة السويس تعلن نتائج بطولة السباحة لكلياتها وسط أجواء تنافسية    ترامب: الولايات المتحدة تمتلك أسلحة متطورة لا يعلم الآخرون بوجودها    تامر هاشم يدعم صديق عمره أمير عيد في عزاء والدته    هل يشترط وجود النية في الطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجب القنوت في صلاة الوتر؟.. أمين الفتوى يجيب    هل تجوز الأضحية عن المتوفى؟.. أمين الفتوى يجيب    أول وحدة لعلاج كهرباء القلب بالفيوم    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يفتتح الملتقى الثاني لعُلماء باكستان "تنسيق المواقف ووحدة الكلمة"    منتدى أسوان للسلام منصة إفريقية خالصة تعبّر عن أولويات شعوب القارة    روني: لن أتفاجأ برحيل صلاح عن ليفربول    حقيقة مفاوضات حسام عبد المجيد مع بيراميدز    بريطانيا تتراجع 5 مراتب في تصنيف التنافسية الضريبية العالمي بعد زيادة الضرائب    رئيس جامعة كفر الشيخ يتفقد معامل ومدرجات الطب البيطري لمتابعة أعمال التطوير    وكيل تعليم الفيوم يشيد بتفعيل "منصة Quero" لدى طلاب الصف الأول الثانوي العام.. صور    نقابة الأشراف تعليقا على جدل مولد السيد البدوي: الاحتفال تعبير عن محبة المصريين لآل البيت    هيئة السكة الحديد تعلن مواعيد قطارات المنيا – القاهرة اليوم    محافظ أسوان يتفقد مركز الأورام ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل    محمد الحمصانى: طرحنا أفكارا لإحياء وتطوير مسار العائلة المقدسة    نساء 6 أبراج تجلبن السعادة والطاقة الإيجابية لشركائهن    أمينة الفتوى: الزكاة ليست مجرد عبادة مالية بل مقياس لعلاقة الإنسان بربه    تكريم ستة فائزين بمسابقة المنصور الجامعة للأمن السيبراني    المغرب يستضيف بطولة للكرة النسائية بمشاركة تاريخية لمنتخب أفغانستان    «القومي للبحوث» يناقش تطوير علم الجينوم بمشاركة خبراء من 13 دولة    انطلاق الدورة الرابعة من ملتقى التميز والإبداع العربي لتكريم رموز الفن    هشام جمال يكشف تفاصيل لأول مرة عن زواجه من ليلى زاهر    مصدر من الأهلي ل في الجول: ننتظر حسم توروب لمقترح تواجد أمير عبد الحميد بالجهاز الفني    قرار وزارى بإعادة تنظيم التقويم التربوى لمرحلة الشهادة الإعدادية    ليست الأولى.. تسلسل زمني ل محاولة اغتيال ترامب (لماذا تتكرر؟)    مركزان ثقافيان وجامعة.. اتفاق مصري - كوري على تعزيز التعاون في التعليم العالي    الأمين العام الجديد للشيوخ يجتمع بالعاملين لبحث أليات العمل    تشغيل 6 أتوبيسات جديدة غرب الإسكندرية لتيسير حركة المرور    «العمل»: التفتيش على 1730 منشأة بالمحافظات خلال 19 يومًا    مجلس إدارة راية لخدمات مراكز الاتصالات يرفض عرض استحواذ راية القابضة لتدني قيمته    لعظام أقوى.. تعرف على أهم الأطعمة والمشروبات التي تقيك من هشاشة العظام    وزير الصحة يطلق جائزة مصر للتميز الحكومي للقطاع الصحي    المنظمات الأهلية الفلسطينية: الوضع كارثي والاحتلال يعرقل إدخال المساعدات لغزة    اتصالان هاتفيان لوزير الخارجية مع وزيري خارجية فرنسا والدنمارك    الرئيس السيسي يوجه بمواصلة جهود تحسين أحوال الأئمة والخطباء والدعاة    طالب يطعن زميله باله حادة فى أسيوط والمباحث تلقى القبض عليه    تأجيل محاكمة 3 متهمين بالتنظيم الثلاثي المسلح لسماع أقوال شاهد الإثبات الأول    علي هامش مهرجان الجونة .. إلهام شاهين تحتفل بمرور 50 عامًا على مشوار يسرا الفني .. صور    «نقابة العاملين»: المجلس القومي للأجور مطالب بمراجعة الحد الأدنى كل 6 أشهر    موانئ البحر الأحمر: تصدير 49 الف طن فوسفات عبر ميناء سفاجا    روح الفريق بين الانهيار والانتصار    حبس المتهم بانتحال صفة موظف بخدمة عملاء بنك للنصب على مواطنين بالمنيا    تقارير: اتحاد جدة ينهي تجديد عقد نجم الفريق    التنظيم والإدارة يعلن عن مسابقة لشغل 330 وظيفة مهندس بوزارة الموارد المائية    أسعار البقوليات اليوم الاثنين 20-10-2025 في أسواق ومحال محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد الطيب: الأزهر يُنجِّيكم من كل فكر ضال منحرف
نشر في اليوم السابع يوم 01 - 01 - 2015

ينشر اليوم السابع، نص كلمة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، التى وجهها إلى الأمة بمناسبة عيد المولد النبوى، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى، وإلى نص الكلمة:
الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسول الله صاحب الذكرى العطرة والمولد الشريف، وعلى آله وصحبِه ومن دعا بدعوته.
السيد الرئيس/ عبد الفتاح السيسى - رئيس جمهورية مصر العربية حفظه الله ورعاه.
الحفل الكريم!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد؛
فمنذ ألف وثمانين وأربَعَمِائةِ عامٍ هجري، ظهر إلى الوجود نور أضاء العالم كله شرقًا وغربًا، ولايزال يضيئه، وسيظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. ذلكم هو نور سَيِّد النَّاس/محمدٍ صلى الله عليه وسلم، الذى أشرق على البشرية جمعاء، وكان مولده رحمة للعالمين، وبركةً على الإنسانية كلها، جاءها هاديًا ومنقذًا، بعد أن أشرفت على الزوال، وبعد أن بدا واضحًا أن الجنس البشرى كله أوشك على العودة إلى حالة من الهمجية، أصبحت معها «كل قبيلة وكل طائفة عدوًا لجارتها، لا يعرفون لهم نظامًا ولا يتبينون لهم قانونًا»([1]).
نعم لقد فقد العالم آنذاك نظام الدولة، كما فقد هَدْى الدين، واستبدل بكل ذلك حالة من الفوضى والضياعِ، وسيطرةِ القوة، واستباحة حرمات المستضعفين، والسخريةِ من كل عظيم وكبير ومقدس، وتحوَّلت الدعواتُ الدينية فى تلكم العصور إلى دعوات قومية، ونعرات عرقية، تقوم على سُنَّة التفرقة، والتمييز فى الدِّين وشرائعه بين شعب الله المختار، وبين باقى الأمم والأجناس الأخرى.
فى هذا الوسط الموبوء بكل أمراض الحضارة وأدوائها وعللها، بُعث محمد صلى الله عليه وسلم، بدعوة إلهية، ورسالة حضارية طالت عنان السماء، وعمَّت أرجاء الكون، فى زمن قياسي، ظل معقد دهشةٍ واستغرابٍ من كِبار عُلَمَاء التَّاريخ حتَّى يومنا هذا. فقد استطاع هذا النبى الكريم أن ينقل العالم كله، فى فترة وجيزة، من حالة الموات والسكون والركود، إلى حالة الحياة والحركة والنهوض، ومن حالة الفوضى والاضطراب إلى حالة النظام والاستقرار، ولم يَنقُلِ العالَمَ هذه النقلةَ قبل محمد ولا بعده أحد من الأنبياء أو الرسل أو أصحابُ الدعوات أيًّا كانت دعواتهم([2]).
ونحن بدورنا نَفهمُ ما يقوله عُلَمَاء التاريخ، انطلاقًا من النص القرآنى الذى حدَّد الله فيه الهدف الأسمى من رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وحصرها فى غاية واحدة، هى «الرحمةُ» بالكونِ كله، وانتشالُه من كل ما أوشك أن يقع فيه مِن فوضى وظلام وحيرة وضلال، فقال مخاطبًا نَبيِّه: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» {الأنبياء: 107}.
والذين يفقهون أساليب القصر فى بلاغة اللغة العربية، يعلمون من نَصِّ هذه الآية الكريمة، أن رسالته صلى الله عليه وسلم من ألفها إلى يائها تدور على محور الرحمة بالإنسان والارتفاق بالكون وصحبته والحنو عليه، وهذا ما أكده هو نفسه صلى الله عليه وسلم وهو ينادى الناس وبأسلوبِ القصر البلاغى أيضًا ويقول: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ»([3])، وكان نعته الذى يُنعَت به من بين سائر الأنبياء «أنه نَبى الرحمة»([4])، إذ بسطت رحمته رداءها على الكون كله، ولم يُحرَم منها كائن حى أو غير حيّ.. وهذا ما تدل عليه كلمة «العالَمين» فى الآية الكريمة، فإنها لم ترد بصيغة المفرد، بل وردت بصيغة الجمع لتنطبق على العوالم كلها: عالم الإنسان والحيوان والنبات والجماد، ثم جاءت سيرته تأكيدًا لسعة هذه الرحمة النبوية وشمولها: فأمَّا الإنسان فقد أعلن صلى الله عليه وسلم كرامته على الله، وتكريمه وتفضيله على باقى المخلوقات، وصدع فى الناس فى مجتمعات تقوم أنظمتها الاجتماعية على السخرة والرق والاستعباد بقوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا «{الإسراء: 70}.
كما أعلن حرمة الاعتداء على الإنسان وعلى دمه وماله وعرضه([5])، بل حرَّم مجرد تخويفه وترويعه، حتى لو كان ذلك على طريق المزاح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منْ أشارَ إلى أخيه بحديدةٍ، فإنَّ الملائكةَ تلعنُهُ حتَّى يَدَعهُ وإن كان أخاه لأبيهِ وأُمِّهِ»([6])، وقال أيضًا: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أن يُرَوِّعَ مُسْلِمًا»([7]).
وكان عطوفًا رحيمًا بأصحابه وبأعدائه على السَّواء، وكان هذا دأْبَه مع كل ضعيف، قريب له أو بعيد، تقول سيرته الشريفة إنَّه ما نهر خادمًا، ولا ضرب أحدًا، وأن أنسًا ڤ خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال له: أُفٍّ قط، وَلا لشيء فعله لِمَ فعله؟ وَلا لشيء تركه لِمَ تركه؟ ([8]).
وكان يَهَش للأطفال ويضاحكهم، ويتألم لآلامهم ويُسرعُ فى صلاته حين يسمع بكاءهم من خلفه، روى أنس عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنِّى لأَدْخُلُ فِى الصَّلاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِى صَلاتِى مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ»([9]) وكان يحمل حفيدته «أُمامة» بنتَ زينب ڤ على عاتقه الشريفِ وهو يصلي، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ أَعَادَهَا ([10]).
وكان يطلب من أصحابه إذا صَلَّوا بالنَّاس أن يخفِّفوا فى صلاتهم رحمةً بمن وراءهم من الضُّعفاء والمرضى وذوى الحاجات، وكان يقول: «لا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلا مِنْ شَقِيٍّ»([11]) و «لا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لا يَرْحَمُ النَّاسَ» ([12])، و «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا» ([13]).
وكان يكره الغدر والخيانة ويمقت الغادرين والخائنين والفاجرين فى خصوماتهم وقد نهى عن الغدر حَتَّى مع العدو، فكان إذا أمَّر أميرًا على الجيش يوصيه بتقوى الله فى خاصته ومَن معه مِن المسلمين ويوصيه بمراعاة مبادئ الأخلاق فى الحرب مع العدو، وهى مبادئ خلقية لم تُعرف لغير نبى الإسلام والمسلمين، كان يأمر قادة الجيش ويقول لهم: «لَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا...»([14]).
وعلى ذلك سار خلفاؤه من بعده، فأوصى أبو بكر الصديق ڤ، جيش أسامة بقوله: «...لا تَخُونُوا وَلا تَغُلُّوا، وَلا تَغْدِرُوا وَلا تُمَثِّلُوا، وَلا تَقْتُلُوا طِفْلا صَغِيرًا، وَلا شَيْخًا كَبِيرًا وَلا امْرَأَةً، وَلا تَعْقِرُوا نَخْلا وَلا تُحَرِّقُوهُ، وَلا تَقْطَعُوا شَجَرَةً مُثْمِرَةً، وَلا تَذْبَحُوا شَاةً وَلا بَقَرَةً وَلا بَعِيرًا إِلا لِمَأْكَلَةٍ، وَسَوْفَ تَمُرُّونَ بِأَقْوَامٍ قَدْ فَرَّغُوا أَنْفُسَهُمْ للعبادة، فَدَعُوهُمْ وَمَا فَرَّغُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ...»([15]).
نعم ها هنا رحمة بالضعفاء والعُبَّاد والأطفال والشيوخ والنبات والحيوان، حتى لوكان كل ذلك فى جيش العدو الذى يحمل السلاح فى وجه المسلمين.
وقد بلغ رفقه بالحيوان أنه رأى مرَّة جملاً مرهَقًا، تذرف عيناه الدموع، فاستدعى صاحبه وقال له: «أفلا تتقى اللهَ فى هذه البهيمة التى مَلَّكَكَ الله إياها؟ فإنه شكى إلى أنك تُجيعه وتُدئبه»([16]) أى تتعبه وتشق عليه، وأخبر «أنَّ الله غفرَ لِامْرَأَةٍ بَغِى مِنْ بَغَايَا بَنِى إِسْرَائِيلَ رأت كَلْبًا يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ (أى ببئر)، كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا (أى خفها) فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ، فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ»([17]). وقال أيضًا «دَخَلَت امْرَأَةٌ النَّارَ فِى هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَا هى أطْعمْتهَا، وَلَا هى أرسلتها تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ حتى ماتت هزلاً أي: "هُزالاً "»([18]).
ولا ينبغى أيُّها السَّادة الفُضَلاء أن نستبعد على الأنبياء والمرسلين هذا التواصلَ الحى بينهم وبين الكائنات الأخرى من حيوان ونبات وجماد، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم أثبت علاقة مودة ومحبة بين جبل أُحد وبينه صلى الله عليه وسلم وصحابته فى قوله: «أُحد جبل يحبنا ونحبه»([19])، وأصرح من ذلك قوله: «إِنِّى لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَى قَبْلَ أن أُبْعَثَ إِنِّى لَأَعْرِفُهُ الْآنَ»([20]).
والحجةُ فى كلِّ ذلك أن القرآن الكريم صريح فى أن الأكوان لا موات فيها، لأن كل شيء فيها يسبح لله، والتسبيح لا يمكن أن يوصف به ميتٌ لا إدراك له ولا حياة فيه، ولا مفر من أن يثبت للمسبِّح إدراك ما، أو نوع حياة ما، قبل أن يصح وصفه بالتسبيح وصدقُه عليه، والآيات التى تنص على أن كل ما فى السماوات والأرض يسبح لله، يضيق المقام عن ذكرها، وأكتفى منها بقوله تعالى: «وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا» {الإسراء: 44}، وقوله تعالى فى سورة الحج: «أَلَمْ تَرَ أن اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ» {الحج: 18}، وقوله فى سورة سبأ: «وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ» {سبأ: 10}، ومعنى أَوِّبِي: «رجعي» معه الذكر والتسبيح، ثم قوله فى سورة النور: «أَلَمْ تَرَ أن اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ»{النور: 41}.
سيادة الرئيس: نهنئكم ونهنئ أمتنا العربية والإسلامية وشعبَ مصر العزيز بمولد نبى الإنسانية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ونشدّ على أيديكم فى جهودكم المخلصة من أجل تحقيق ما تصبو إليه مصر العزيزة ويأمَلُه شعبها العريق من تنمية شاملة لاحت بشائرها منذ توليتم مسؤوليتكم... فامض على بركة الله، والله معكم يوفقكم وينصركم ويسدد خطاكم.
وإننا إذ نحتفل بصاحب الذكرى الخالدة التى خص مصر وشعبها بقوله الشريف: «اسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا»([21]) وقال فى أقباطها: «اللهَ اللهَ فِى قِبْطِ مِصْرَ»([22])، لا يسعنا إلا أن ندعو الله سبحانه فى هذا اليوم المبارك لأمتنا الإسلامية والعربية، أن تتوحد وتجابه خطر الإرهاب بكل صوره وأشكاله، والذى لا شك فى أنه إنما نجم وتغذى على فرقتنا نحن العرب والمسلمين، وعلى تمزيق وَحدتنا وتنازعنا واختلافنا على أنفسنا، ونؤكد أنه لا عاصم من شر هذا البلاء، ولا نجاة من خطره إلا بوحدة هذه الأمة وجمع شملها ويقظتها لما يُدبَّر لها من قوى البغى والطغيان..
وفى ختام كلمتى أُؤكد للمصريين والمسلمين جميعًا أن الأزهر الشريف بكلياته ومعاهده وهيئاته العلمية إنما يعلمكم عقائد دينكم وشرائعه كما أرادها الله خالصة نقية من تحريف الجاهلين وتضليل المضلين، ويأخذُ بأيديكم إلى طريق مستقيم مجمع عليه، ويُنجِّيكم من كل فكر ضال منحرف غير مختلف عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.