تحلم كل فتاة بزوج يضمن لها حياة أسرية سعيدة ويحمل عن كاهلها كل الآلام والهموم ويحميها من غدر الزمان، ألا أن حلمها الوردي قد يتحول إلي كابوس لا تستطيع الفكاك منه، فالزوج تزوجها لتنفق عليه وليحقق من ورائها مكاسب مادية تجعله يستطيع الإنفاق علي ملذاته وشهواته من مخدرات وخمور دون أن يهتز له شارب أو تطأ قدمه أرض الشارع، وإذا اعترضت وأبدت تبرماً أو حتي حاولت الهروب من قفص الزوجية يكون نصيبها علقة موت قد تصيبها بعاهة مستديمة أو بحرمانها من أطفالها. الخدمة في البيوت والتسول والأعمال المنافية للآداب أبرزها العنوسة والبطالة أهم سببين لسيطرة الزوج علي راتب زوجته الكارثة أن معظم تلك الأعمال المجبرة عليها تضعها تحت طائلة القانون وتزج بها خلف السجون كأعمال التسول والدعارة أو حتي النشل والسرقات لتنتهي قصتها وراء الأسوار مخلفة أطفالاً في مهب الريح يكون مصيرهم الحتمي الشارع لينضموا إلي طابوره اللانهائي مخلفين وراءهم أباً تجرد من مشاعره الإنسانية وأصبح همه البحث عن فريسة أخري وعندما تخرج تجد جميع الأبواب موصدة أمام تلك «المجرمة» فتعود بإرادتها الحرة إلي عملها السابق دون الشعور بالندم أو وخز الضمير أو يوجهها شيطانها للانتقام من تاجر اللحم لتقتله وتعود لسجنها مرة أخري ويظهر ذلك جلياً بالمجتمعات الفقيرة كسكان العشوائيات. أما في المجتمعات الأكثر تحضراً فلا يختلف الحال كثيراً، فبسبب انتشار البطالة والدخول المتدنية أصبح الشاب لا هم له سوي العثور علي فتاة أحلامه التي تحمل وظيفة مرموقة أو وظيفة حكومية لتكون عوناً له وتساعده في بناء الأسرة الصغيرة دون النظر لنسبة جمالها أو أصل عائلتها، ولا يكاد يختلف الأمر عند الفتاة فبسبب انتشار العنوسة وارتفاع سن الزواج توافق هي الأخري علي إتمام الزيجة دون النظر للمشكلات التي يمكن أن يخلفها التباين في الدخول بين كليهما أو الخلافات الزوجية التي ستنشأ إذا اعترضت علي الإنفاق من مرتبها وفضلت الاحتفاظ به. ولا يطلب الأزواج من زوجاتهم العمل تشجيعاً لهن أو لتكون الزوجة فاعلة ولها دور في المجتمع، فبحسب الدراسة الصادرة من مركز قضايا المرأة هناك 45% من الرجال يجبرون زوجاتهم علي العمل للإنفاق عليهم، وجاءت مهنة الخادمات في المرتبة الأولي بنسبة 59% تلتها مهن التسول والأعمال المنافية للآداب ولكن الغريب أن تشمل الدراسة العاملات بالوظائف الحكومية والأعمال الحرة والمفترض أنهن ينتمين لطبقات عليا وصاحبات فكر مستقل فأزواجهن يجبرونهن علي الإنفاق علي مصروفات المنزل ويتعدي ذلك للإنفاق علي ملذاتهم ومتطلباتهم الشخصية دون إبداء اعتراض من الزوجة التي تقوم بذلك بدافع الحفاظ علي استقرار حياتها الزوجية وخوفاً من فقدان الحائط الذي تستند عليه بأوقات الأزمات أو حملها لقب مطلقة. وأشارت الدراسة إلي أن الأزواج الذين يعتمدون علي عمل زوجاتهم بالقاهرة وصلوا إلي 170 ألفاً وجاءت محافظة الجيزة في المركز الثاني فوصلوا إلي 169 ألفاً أما عن عمل هؤلاء الأزواج فقد شكلت 21% منهم من يعمل عملاً متدنياً فيجبر الزوجة علي العمل والسيطرة علي دخلها و48% منهم منحرفون و23% عاطلون عن العمل و7% «طمع وحب للثروة» لينضم رجال مصر إلي فئة تجار البشر وعلي الرغم من أن الدين الإسلامي صان ودعم حق المرأة في الاحتفاظ بمرتبها وميراثها وعدم الإنفاق علي بيتها أو حتي أبنائها إلا أن الأزواج يتهمونها في تلك الحالة بالنشاز وإغضاب «سي السيد» ويبشرونها بلعنة الله عليها وسخطه، مستغلين ضعف الزوجة وجهلها بعقيدتها فسرعان ما تتخلي عن قرارها هذا، بل وتقوم بتسليم تركتها وإرثها له دون وجود عقد شرعي يحمي حقها ويصونه. تستيقظ «سندس» مبكراً، تلك الزوجة التي لم تتعد السبعة عشر عاماً علي ركلات وضربات زوجها المتتالية لتلحق بعملها كخادمة في إحدي شقق مدينة نصر, هذا الرجل الذي يكبرها بعشرين عاماً ويدعي نبوي الضرس أحد اللصوص العتاولة الذين فضلوا التقاعد بعد قضاء أكثر من خمسة عشر عاماً داخل سجن أبي زعبل ووجد مبتغاه في الزواج من شابة فقيرة تعمل بمهنة ثابتة تستطيع الإنفاق علي شهواته وكيفه من مخدرات وحشيش، وبمجرد أن عرض اقتراحه هذا علي شلة الأنس حتي رشحوا له «سندس» فهي فتاة يتيمة تقطن بعزبة أبو قرن وتعيش مع والدتها وزوجها بغرفة صغيرة وتعاني من سوء معاملته لها، كما أنها تعمل كخادمة بمدينة نصر ففرح «الضرس» لتلك الصيدة السهلة والعروسة اللقطة. وتمت الزيجة بأسرع مما كان يتصور فزوج الأم يبذل قصاري جهده للتخلص من تلك المصيبة أما الأم فقد كانت مشاعرها متناقضة فزوجها سريع الغضب ويكيل لابنتها أقذع الشتائم ولا تدري كيف تحميها كما أن العريس له سوابق ويمتلك سجلاً إجرامياً طويلاً ولكنها تناست ذلك بعد أن لمحت الفرحة تطل من وجه ابنتها التي اعتقدت أنه خلاصها من الجحيم ومكافأة القدر لها، خاصة أنه كان يغمرها بسيل من الكلام الحلو والوعود الزائفة. ومرت أيام العسل سريعاً لتفاجأ العروس بوجه عريسها الآخر فقد تحول إلي جلاد يلهب ظهر ضحيته بسياط الغضب والشر، وأجبرها علي العودة إلي عملها مرة أخري للإنفاق علي ملذاته وسهراته مع أصدقائه، التي تبدأ مع ساعات الليل الأولي لتنتهي مع خيوط الفجر، ومرت الشهور حتي ضاق الحال بها وحاولت إعلان ضيقها وتبرمها فنالت علقة ساخنة تركت آثارها وبصماتها علي جسدها الغض. ولم تكن «سندس» وحدها ضحية البيئة الفقيرة والزوج معدوم القلب، فمحاسن زوجة تعدت الأربعين عاماً وتعمل بأحد مصانع الغزل والنسيج، وقد بلاها القدر بزوج لا يقدر قيمة الحياة الزوجية ومسئولياتها الجسيمة فيعمل بأحد مصانع المواد الغذائية إلا أنه غير منضبط بعمله ودائم إثارة المشكلات والقلاقل مع رؤسائه ليكون نصيبه جزاءات متتالية أو خصماً لأيام، الغريب أنه يفعل ذلك دون أن يحمل هم مصروفات بيته ومتطلباته فزوجته الجسورة تتحمل تلك المسئوليات عن طيب خاطر ورضا هذا ما يعتقده إلا أن «محاسن» ينتابها غضب وقلق ولكنها لا تعلن ذلك حفاظاً علي استقرار بيتها ومصلحة أبنائها الأربعة. تقول الدكتورة عزة كريم، أستاذ علم الاجتماع: تعاني المرأة في المجتمعات الفقيرة والعشوائية من كثير من الصعوبات أهمها عمالتها وإجبار الزوج لها علي الإنفاق عليه وعلي ملذاته من مخدرات وكيف خاصة إذا كانت تعمل بمهنة ثابتة تدر عليها دخلا معقولا تجعله يحجم عن العمل أو البحث عن عمل؛ مستغلا فقر أهلها وضعفهم في حمايتها وخوفها هي الأخري من شبح الانفصال وهدم الحياة الزوجية فتضطر إلي مواصلة عملها وحياتها دون إبداء أي تبرم أو ضيق. أما حمدي الحناوي الباحث بمركز قضايا المرأة وصاحب تلك الدراسة فيقول: «تم إجراء الدراسة في عدة محافظات مع تباين المستوي الاجتماعي للأسر المبحوثة، ووجدنا أن الأزواج ينقسمون إلي عدة أنواع فبعضهم يكون عاطلاً عن العمل برغبته وبعضهم لظروف خارجة عن إرادته كإصابته بمرض مزمن أو لفقره المدقع فتقوم الزوجة بمساعدته لتستمر الحياة بينهما أما المثير حقاً أن يكون الزوج قادراً علي العمل إلا أنه يجبر زوجته علي العمل لكي تنفق عليه مستغلاً ضعفها وخوفها من شبح الانفصال ليمارس جبروته عليها والسيطرة علي كافة أموالها وعدم الرحمة بها والإشفاق عليها إذا ألم بها مرض أو أصابها ظرف طارئ فيكون من نصيبها علقة ساخنة أو سيل من الشتائم لتصاب الزوجة في حالات كثيرة بكراهيته وأمراض نفسية متعددة كالاكتئاب أو الإقدام علي محاولات الانتحار أو ارتكاب جريمة قتله ليزج بها في غياهب السجون ويضيع عمرها هدراً. ويضيف: وهناك أزواج يجبرون زوجاتهم علي ممارسة أعمال منافية للآداب كإدارة بيوت الدعارة وبيع أعضائهن أو امتهان مهن التسول للإنفاق علي «كِيفهم» وسهراتهم المشبوهة وعادة ما يتم القبض علي الزوجة التي هي في الأساس ضحية لذلك الرجل. ويتفق معها في الرأي الدكتور محمود ناصر أستاذ العقيدة فيقول: راتب الزوجة حق أصيل لها تنفقه كيفما شاءت في جميع أوجه الحلال وليس للزوج أن يطالبها بشيء منه، كذلك إرثها فلا يجوز له الاقتراب منه أو إجبارها علي الإنفاق منه.