الآثار هوية شعب وحضارة أمة، ومنذ خمس سنوات وآثار مصر سواء الفرعونية أو الإسلامية تتعرض لكافة أشكال الإهمال من سرقة ونهب، وتخريب للمتاحف، وتوقف مشروعات وطنية، بينما شهدت السنوات القليلة الماضية مرور خمسة وزراء علي حقيبة الآثار لم يستطع أي منهم مواصلة المشوار، واكتفوا جميعًا بلقب وزير سابق للآثار. الأجانب ليسوا أعداءنا.. ومؤتمر توت حافظ علي مصداقية مصر أمام العالم لا أبحث عن نفرتيتي وإنما عن الحقيقة مُنذ أسابيع جاء إلي وزارة الآثار من المتحف المصري الدكتور خالد العناني ليشغل منصب الوزير, هذا الرجل الذي عاش بين رائحة تاريخ مصر التي تفوح من جدران هذا المتحف العتيق، وقام بجولات في بدرومه الذي يحوي تاريخا مازال مجهولًا ومهجورًا منذ سنوات، عاش طويلًا مع تاريخ ملوك مصر الفراعنة عندما نقب عن تاريخهم من داخل غرفة المومياوات الملكية. هل ينجح العناني في إدارة تاريخ وحضارة مصر؟، وهل سيمنع سرقة آثارنا؟، وهل يعيد اكتشاف حضارة مصر؟، وهل سينقذ معابدنا التي بدأت تنهار نتيجة لترميمات خاطئة؟، وهل يوقف العبث الذي يحدث في الحفائر من البعثات الأجنبية؟ كل هذه الأسئلة وغيرها الكثير يجيب عنها وزير الآثار في حوار خاص ل«آخر ساعة». قبل لقائنا مع الدكتور خالد العناني، عاتبنا علي مهاجمته عندما قالت «آخر ساعة» في عددها الأخير أنه غّير تصريحاته في أقل من 24 ساعة بعد توليه وزارة الآثار، وكان غاضبًا جدًا من انتقادنا لمشروع ريفز، والعبث بمقبرة توت عنخ آمون، وقال الوزير «فوجئت بكل الجرائد تقول عكس التصريحات التي قلتها في المؤتمر الصحفي وكبار الأثريين خرجوا علي القنوات الفضائية، وقالوا عكس ما صرحت به 180 درجة لأن المعلومات وصلت من شخص لآخر وتناقلوا التصريحات دون سماعها رغم أن هناك رسائل إلكترونية جاءت من علماء المصريات الأجانب بالخارج أعربوا فيها عن إعجابهم الشديد بالمصداقية العلمية، وحرصي العلمي الذي فتح الموضوع للنقاش العالمي، والدكتور زاهي حواس حدثني تليفونيًا وقد أعجب بتصريحاتي كثيرًا». سألناه، وما موقفك النهائي من حديث ريفز عن أن مقبرة نفرتيتي موجودة داخل مقبرة توت عنخ آمون؟ - أنا لا أبحث عن غرف خفية لكنني أبحث عن الحقيقة وراء مقال علمي نشر، أما حكاية أنه جاء ليحصل علي شهرة عالمية فأنا لا أجري وراء أحد وهو الذي حضر متطوعًا، أما الحديث عن التكلفة المادية أو العبث بمقبرة توت فهو كلام بلا أساس من الصحة، الدولة تعهدت أمام العالم بمؤتمر صحفي يوم الجمعة من نهاية الشهر الماضي، في الوقت الذي جئت فيه أنا وزيرا للآثار يوم الخميس، وكان من الممكن إلغاء المؤتمر الصحفي بقرار سريع, لكن تخيل مصداقيتك أمام العالم وكيف ستهتز, فحافظت علي مصداقية الدولة، وهذا ما قمت به حتي الآن، وكل التصريحات حول دراسة ريفز التزمت فيها بالمنهج العلمي كاملًا. وما نتائج المسح الراداري الأخير؟ - قيل إن هناك بعض المؤشرات التي ترجح احتمال وجود فراغ وليس مقبرة خلف الحائط الشمالي والغربي وكلها افتراضات ومؤشرات، فشكلت لجنتين من كلية الهندسة جامعة القاهرة، وتم عمل مسح مرتين بالأشعة تحت الحمراء وتجربة بالرادار الأفقي «جي بي آر»، وأكدا احتمال وجود فراغات أيضا, وأن بعض الألوان قد اختلفت مما يؤكد وجود أجزاء عضوية أو معدنية مع تأكيدهم بأنها كلها افتراضات. هنا قررت القيام بمرحلة ثالثة بعد المرحلة الأخيرة التي عملوا فيها 11 ساعة رادار يوم المؤتمر الصحفي وأيضا كانت النتيجة احتمالات فقط، واتفقت علي مسح راداري رابع يذهب إلي 40 مترا رأسيا ويسجل هل هناك فراغات أم لا، وطلبت حوارا عالميا ونأخذ النتائج العلمية ومصر ترحب بأي نشاط علمي عالمي علي أرضها, وأيضا مصر لن تغامر إلا بعد قواعد ملموسة وأكيدة حفاظا علي الآثار ومصداقية مصر, ونحن لا نغلق الباب في وجه أي باحث يريد الوصول للحقيقة. لكن هناك بعض علماء الآثار المصريين شككوا في الرادار الياباني؟ - الرادار الياباني ليس له علاقة بالعمل في علم المصريات هذا مجرد رادار يكشف الأشياء فقط, وأنا ضد سياسة التخوين من أجل التخوين أو من أجل أن أصبح وطنيًا بحجة أنني أحافظ علي الآثار، وأريد من الذين يتحدثون عن ذلك الأمر إذا كان أي منهم قد عمل بالآثار يومًا وقطع التعامل مع الأجانب أن يخبرني بذلك، وأثق أن أحدًا منهم لا يجرؤ علي ذلك لأنه لو حدث ذلك تكون سياسة انغلاق وجهل وتخلف، فنحن تعلمنا علم المصريات من كتب كبار علماء الآثار الأجانب والمصريين، ودرسنا مراجع أجنبية إذًا هم ليسوا أعداء لنا بل شركاء معنا في العملية العلمية. كيف دخل الرادار الياباني إلي مقبرة توت؟ - أي أجهزة قبل دخولها للمقبرة لابد من حصولها علي موافقات أمنية أولًا، وهذا ما تم بالفعل، وفي النهاية هذه جهة أجنبية دخلت لعمل مسح للمعلومات والبيانات كاملة، وستقوم بتحليلها ثم تأتي من جديد بها إلي مصر إجباريًا ودون نقاش. وكيف لنا أن نثق في هذه النتائج التي تأتي من الخارج؟ - نحن أمام خيارين إما اعتماد مبدأ التخوين لكل الأجانب الذين يحضرون للعمل عندنا في الحفائر، ونتهمهم جميعًا بالعبث بآثارنا، وهنا علينا اتخاذ قرار بمنع التعامل مع كل الأجانب, رغم أن لدينا أكثر من 200 بعثة أجنبية تعمل في مصر، وتدخل بعد موافقات أمنية شديدة، ويعلمون المصريين، ونستفيد منهم علميًا بدرجة كبيرة للغاية، وأضف إلي هذا أن هناك ثلاثة تخصصات لا تدرس في الجامعات المصرية، وهذه كارثة حقيقية، وهي علم المتاحف، وعلم إدارة المواقع الأثرية، وعلم الحفائر، لكنني سأعمل في الفترة المقبلة علي معالجة هذا الأمر بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي وأساتذة كلية الآثار. أما الخيار الثاني، فهو التعامل بذكاء لأري أمامي من يعمل من هذه البعثات بصورة حقيقية، ومن يريد مصلحة شخصية، ومن يريد العلم والمعرفة، ومن يريد العبث والاستهتار، ولذلك أي بعثة لا بد أن تحصل علي موافقة اللجنة الدائمة للآثار قبل قدومها للعمل، وهي تضم متخصصين من كل المجالات بكل جامعات مصر، وهذا هو عملهم الأساسي القائم علي منح الموافقات واختيار البعثات الأجنبية القادرة علي خدمة الآثار المصرية. البعض يتهم هذه اللجنة بأنها لا تُنفذ سوي طلبات الوزير؟ - أنا لست غريبًا عن الآثار وخبرتي في الوزارة تجعلني لا أستطيع أن أحكم عليهم هذا الحكم القاسي، وأفترض فيهم جميعًا حسن النية، وأنا واثق في وطنيتهم، وهم حريصون جدًا علي قراراتهم ومصداقيتهم. وعمومًا أنا دائمًا حريص علي الشفافية وإظهار الحقيقة مهما تكلف الأمر، وإذا ثبت لديّ أن هناك أي قصور في وزارة الآثار فلن أسمح بوجود هذا القصور، لأنني أعلم جيدًا أن منصب وزير الآثار منصب مؤقت، وأن وضعي العلمي هو الدائم، وأنا حريص عليه، وهو الذي أتي بي وزيرًا في هذه المرحلة العمرية المبكرة. أمامك عشرات الملفات الشائكة فما هي أولوياتك؟ - أريد أولًا تأسيس بنية تحتية ممتازة للآثار حتي ننطلق منها، وهذا عمل جماعي يحتاج للتعاون وتكاتف الجميع لحماية آثارنا، لكن الغريب أن تجد هجوما شديدا علي شيء لم يحدث ونبدأ نأخذ وقتا وطاقة للتبرير، ونجد هناك ضغوطا تمنعنا عن العمل، وهناك هجوم من بعض الأثريين علي شخص الوزير وكلهم مدعو وطنية وشرف. وأنا أعترف أن هناك قصوراً في أماكن كثيرة وليس بوزارة الآثار فقط، ويوميًا أنا أقوم بجولات كثيرة للمناطق الأثرية وأتواصل مع المحافظين والمسئولين للحفاظ علي الآثار، وفي إحدي جولاتي بالصعيد وجدت أن هناك مشكلة أثرية متوقفة علي 500 ألف جنيه فسارعت بحلها، خاصة أن الرقم المالي صغير، أما لو كان الرقم ضخماً كنت سأتوقف عن المشروع . أيضًا أنا مهتم كثيرًا بتدريب الأثريين الذين يعملون تحت ضغوط نفسية صعبة، وأيضًا تدريب أمناء المعهد الأثريين، ولابد من تدريبهم مع المرممين، وسأعمل في كل هذه الملفات علي قدر المستطاع، كما سأعمل أيضًا علي ملف عودة آثارنا المنهوبة من الخارج، وإيقاف عمليات سرقات الآثار عن طريق توثيق آثارنا ومواقعنا الأثرية من خلال سجلات كاملة.