محمية طابا أكد الدكتور جمال جمعة؛ رئيس قطاع حماية الطبيعة بوزارة البيئة، أن الوزارة بصدد تنفيذ استراتيجية جديدة تعتمد علي طرح حقائب استثمارية داخل المحميات الطبيعية. كاشفًا في حواره ل"آخر ساعة" أن هذه الخطوة سيتم اتخاذها عن طريق إنشاء شركة مساهمة تتولي إقامة أنشطة اقتصادية لتعظيم استغلال الموارد والثروات الطبيعية للمحميات ولتحقيق التنمية المستدامة داخلها، مُشددًا علي أن ذلك سيتم من خلال معايير واشتراطات تضعها وزارة البيئة ممثلة في قطاع حماية الطبيعة. وأكد أن القطاع يحتاج مزيداً من القوي البشرية لإدارة منظومة المحميات بشكلٍ أكثر فاعلية، ولمواجهة التعديات التي تتعرض لها. ما الاستراتيجية التي تتبعها وزارة البيئة في إدارة المحميات الطبيعية؟ - أود أن أُشير بداية إلي أن المحميات تُمثل ثروة طبيعية هائلة لم يتم استغلالها في السابق كما يجب، فلدينا 30 محمية طبيعية تُمثل 15% من مساحة الجمهورية. هذه المحميات يكمن ثراؤها في تعدد البيئات الطبيعية التي تحويها والتي تتنوع بين الصحاري وشواطئ البحار والمُسطحات المائية العذبة، غير الأعداد الهائلة من الكائنات الحية التي تعيش داخلها. لذا نعمل علي تحقيق الاستغلال الأمثل لهذه الثروات الطبيعية. فهناك مفاهيم جديدة في التعامل مع المحميات الطبيعية عالميًا، تكمن في استغلال جميع المقومات البيئية المُتاحة من التضاريس الجغرافية كالجبال والهِضاب وغيرها في حماية هذه المناطق. هذه المفاهيم تطوّرت من فكرة الحماية إلي الصون مرورًا بتحقيق التنمية المستدامة للموارد الطبيعية، ووصولاً إلي تعظيم المنافع الناشئة عن هذه الموارد. ما جعلنا نطوّر استراتيجيات الإدارة البيئية للمحميات وذلك في إطار التزامنا أيضًا بالاتفاقات الدولية التي وقعت مصر عليها منذ سنوات، ومن أهمها اتفاقية التنوع البيولوجي التابعة للأمم المُتحدة. هذه الاستراتيجيات تُعزز من أنظمة الإدارة والتمويل الذاتي للمحميات، عن طريق الخطط التي وضعناها لاستحداث آلية للاستثمار وممارسة الأنشطة الاقتصادية داخل المحميات الطبيعية. * حدثنا عن هذه الخطط. -نحن بصدد إنشاء شركة مُساهمة تتولي إدارة الأنشطة الاقتصادية التي يُمكن إقامتها داخل المحميات، عن طريق طرح حقائب استثمارية علي شركات مُتخصصة في التنمية المُستدامة للثروات الطبيعية، وفق شروط ومعايير صارمة تضعها وزارة البيئة تضمن الحفاظ علي الثروات الطبيعية، حتي لا يظن البعض أن هذه الاستثمارات سيكون لها انعكاسات سلبية علي المحميات، فالاستثمار في الطبيعة له خصوصية شديدة ويجب أن يتم بناء علي دراسات دقيقة يجريها خبراء متخصصون لكل محمية علي حدة. ما الحقائب الاستثمارية التي يُمكن طرحها في المحميات؟ - هناك العديد من المُقترحات التي وضعناها في هذا الصدد، وتكمن أهمها في إمكانية إقامة مراكز زوار جديدة في المحميات. كما يُمكن إقامة فنادق بيئية تُماثل البيئة المُحيطة بها، حيث تُعد هذه النوعية من الفنادق المُقامة بخامات مُستمدّة من الطبيعة من أهم عوامل الجذب السياحي، وخاصة في محمية "وادي الجمال" الواقعة جنوب مدينة مرسي علم. غير أننا نعد لمحطات مراقبة الطيور يُمكن إنشاؤها في العديد من المحميات، علي رأسها محمية "الزرانيق" الواقعة ببحيرة "البردويل" في محافظة شمال سيناء، والتي تعد من أهم محطات هجرة الطيور في مصر. وهو ما نحاول استغلاله حيث هناك أعداد هائلة من الطيور المُهاجرة تعبر سنويًا تصل إلي سبعة ملايين طائر، منها ما يستقر هُنا بينما يُكمل الجزء الأكبر منها هجرته إلي وسط وجنوب أفريقيا. حيث تتركز هذه الهجرات في موسمي الربيع والخريف حيث تأتي خلال شهري سبتمبر وأكتوبر. وهناك مجموعات من الوزارة تُراقب مسارات هذه الطيور وترصد أنواعها في أماكن انتشارها. كما نعمل علي الترويج السياحي لما تم إنجازه خلال الفترة الأخيرة داخل المحميات لطرحه علي هذه الشركات. وربما يُعد متحف "الحفريات والتغيرات المُناخية" الذي أقامته وزارة البيئة داخل منطقة وادي الحيتان بمحمية وادي الريان الواقعة في محافظة الفيوم أبرز الأعمال التي أنجزناها مؤخرًا. لما يحويه من حفرياتٍ نادرة لهياكل حيتان وكائنات بحرية عاشت في المنطقة قبل 40-60 مليون عام، كما يوثّق للتغيرات المناخية التي حدثت في المنطقة عبر ملايين السنين. فالثراء الذي يتمتع به الموقع جعله ضمن المواقع الفريدة المُصنّفة علي مستوي العالم، كما تم تسجيل المتحف في منظمة اليونسكو كمتحف للتراث الطبيعي. وكذلك نحاول استغلال المحميات التي لها صدي كبير علي مستوي العالم، مثل محمية "رأس محمد" بمحافظة جنوبسيناء، حيث كانت وما زالت أعلي المحميات الطبيعية في الموارد وعدد الزوار. البعض قد يتخوف من أن تكون هذه الخُطط الاستثمارية بمثابة خصخصة للمحميات؟ -من المهم أن نوضح أن وزارة البيئة لا تمتلك المحميات الطبيعية، فأرض المحميات وكُل ما يقع في نطاقها من ثروات طبيعية تؤول ملكيتها إلي الدولة وبالتالي هي ملك للشعب المصري. الوزارة ممثلة في قطاع حماية الطبيعة تتولي فقط مهمة إدارة هذه المحميات وحمايتها وتنميتها. وبالتالي من المستحيل أن يتم خصخصتها لصالح جهات بعينها أو التصرف فيها بأي طريقة كانت. فهذا الاتجاه للاستثمار لا يستهدف بالأساس تحقيق الأرباح المادية، لكّنه يعتمد بالدرجة الأولي علي تنمية هذه المحميات بما يكفل الحفاظ علي مواردها. هل هناك معوقات تواجه منظومة العمل داخل المحميات؟ - بالطبع هناك معوقات نعمل علي التغلب عليها للوصول إلي درجة أعلي من الكفاءة في إدارة منظومة المحميات الطبيعية. فرغم أن لدينا فِرقاً مُتخصصة في جميع المجالات المتعلقة بإدارة المحميات، منهم مختصون في الأحياء المائية والطيور والحيوانات والنباتات البرية غير مجال الجيولوجيا. إلا أن القوي البشرية المُتاحة غير كافية تمامًا، لتغطية 30 محمية طبيعية تمتد علي مساحات هائلة. فعدد الأفراد داخل قطاع حماية الطبيعة لا يتجاوز 700 موظف ما بين خبراء وإداريين، وحُراس المحميات الذين يتواجدون بشكلٍ ميداني داخلها. هؤلاء بالطبع يواجهون ظروفًا صعبة في العمل، ويتحمّلون مشاق التواجد في مناطق نائية لأن أغلب المحميات الطبيعية بعيدة عن العُمران، ما يستدعي ضرورة تحسين أوضاعهم. ما طبيعة المخاطر التي تتعرض لها المحميات الطبيعية؟ -هناك العديد من المخاطر التي تواجه المحميات الطبيعية. فالمشكلة تكمن في أن الضرر البيئي لا يمكن تعويضه، وهو ما يتم تدميره في الطبيعة أو ما يتأثر بشكلٍ سلبي بسبب النشاط الإنساني الخاطئ، ما قد يؤثر علي التنوع البيولوجي في الطبيعة أو يؤدي إلي تغيير التكوين الجيولوجي أو الجغرافي للمنطقة. فكثير من التعديات التي تتعرض لها المحميات تتركز بشكل كبير في الصيد الجائر أو صيد أصناف من الحيوانات والطيور مُهددة بالانقراض. غير التعديات الأخري المُتمثلة في أعمال الردم، وتعديات التحجير التي تتعرض لها علي سبيل المثال محمية "الغابة المُتحجّرة" الممتدة علي مساحة سبعة كيلو مترات في منطقة القاهرة الجديدة، وتُعد أثرًا جيولوجيًا فريدًا حيث تضم أخشابًا يرجع عُمرها لملايين السنين. إلا أنها للأسف كانت تتعرض لتعديات مستمرة.