من يبحر فى سياحة بربوع محميات مصر الطبيعية يصطدم بمفارقات غريبة، ولا نقصد هنا هذا الزخم والتفرد الذى تزخر به عناصر التنوع الإيكولوجى الهائل من نباتات وحيوانات وشعاب مرجانية وأحياء بحرية وأسماك وحفريات جيولوجية ضاربة فى أعماق التاريخ لملايين السنين، ومناظر ساحرة تحتضنها مساحات شاسعة تناهز خمس الخريطة المصرية فى ثلاثين محمية طبيعية قابلة للزيادة.. لكن الغرابة فى أن لغة الأرقام تؤكد أن كل ذلك لم يُستغل الاستغلال الأمثل. من هنا جاءت توصية الخبراء بإنشاء هيئة لحماية الطبيعة بعد اجتماعات مطولة بإشراف الدكتور خالد فهمى وزير البيئة، وافق عليها المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء، لتكون بمثابة طوق النجاة لما تتعرض له المحميات من انتهاكات، وتصبح بمثابة نقطة انطلاق نحو تنمية حقيقية لها، وكي تصبح أهم دعائم الاقتصاد المصرى. وعن مهام تلك الهيئة، يقول الدكتور محمد طلعت - رئيس الإدارة المركزية لحماية الطبيعة بوزارة البيئة -: من المهم أن يكون تمويل تلك الهيئة ذاتياً دون تحميل الدولة أي أعباء، وأن يتسم نظامها الإدارى بمرونة تسمح بتشجيع فرص الاستثمار بالمحميات الطبيعية، ويحافظ على كنوز مصر. ويشير إلى أن قطاع المحميات الطبيعية بوزارة البيئة قام بالفعل بإعداد أول حقيبة استثمارية بالمحميات الطبيعية للعام المالى الحالى 2014م - 2015م، وأنه تم إعداد الشروط والمواصفات الفنية لعرضها على مستثمرى القطاع الخاص، مشيرا إلى أن الحقيبة تضم سبعة مشروعات تنموية بتكلفة استثمارية تقارب 155 مليون جنيه، وتوفر أكثر من خمسة آلاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة داخل المحميات. وعن محتويات الحقيبة الاستثمارية، يؤكد الدكتور محمد طلعت تنوع المجالات والأنشطة الاقتصادية المطروحة بالحقيبة الإستثمارية، علاوة على مشروعات غير تقليدية كإنشاء ممشى تحت الماء بمحمية رأس محمد بجنوب سيناء يتيح لغير القادرين ممارسة هواية الغطس والاستمتاع بمشاهدة الشعاب المرجانية والأحياء البحرية، ويخفف من الضغوط البيئية على الكائنات البحرية الفريدة والنادرة، كما تم إعداد دراسة مشروع تطوير الخدمات بشاطئ حنكوراب بمحمية وادى الجمال، الذي يعد من أهم المقاصد السياحية بالمحمية، وهو محروم تماماً من الخدمات. ويضيف: »يهدف هذا المشروع لتوفير المزيد من فرص العمل والإقامة والإنفاق بالمحمية وإنشاء فندق بيئى ومطعم سياحى بنفس المحمية، أما بالنسبة للتنمية الزراعية فى المحميات فهناك مشروعان للحقيبة: الأول خاص بإكثار وصون وزراعة وتسويق النباتات الطبية والعطرية بمحميتى سانت كاترين ووادى العلاقى، والمشروع الثانى خاص بالزراعة العضوية بمحمية وادى الريان بالفيوم، أما بالنسبة لمجال التنمية الثقافية والاجتماعية فتحتضن الحقيبة مشروعا لإقامة مركز المحميات الثقافى والاجتماعى بمحمية الغابة المتحجرةب. ويتابع أن كل هذه المشروعات لا تكلف الدولة أى أعباء مالية، ويتم تمويلها من خلال مشاركة حقيقية مع القطاع الخاص، بحيث تستفيد المحميات والدولة من العائد المادى لها الذى يصل عند اكتمال أعمال الإنشاء والتشغيل إلى نحو 300 ألف جنيه سنوياً مما يتيح آلية جديدة للتمويل الذاتى للمحميات الطبيعية، وكذا استثمار جزء من هذا العائد داخل المحميات لصنع المزيد من فرص العمل، ودعم منظومة الصون والحماية. ويشير إلى أنه بدأ بالفعل طرح الأنشطة السياحية لمحمية وادى الجمال بحق الانتفاع لمدة عشرين عاماً، وتليها خطوة منح التراخيص اللازمة، والبدء فى التنفيذ وفق الشروط المحددة التى تراعى الصون الكامل لجميع عناصر المحمية، وتنميتها تنمية مستدامة. وعن التحديات التى تواجه المحميات يقول: إن تأسيس الهيئة وطرح حزمة مشروعات الحقيبة هو بداية للتغلب على تلك التحديات التى تأتى على قمتها مشكلة التعدى على أراضى المحميات، وعمليات الصيد الجائر للأنواع الحيوانية النادرة والمهددة بخطر الانقراض، وكذلك الجمع غير المرُشد للأنواع النباتية النادرة والمهددة أيضاً، والمعوقات الإدارية، وضعف الإنفاق، وقلة عدد العاملين، إذ إن معدل الإنفاق على المحميات الطبيعية المصرية، وعدد العاملين بها؛ بعيد كل البعد عن المعدلات العالمية المتعارف عليها، كما يشكل تسرب باحثى البيئة (الرينجرز)، وهم صفوة الكوادر الفنية المدربة، وعلى درجات كفاءة عالمية للعمل بالخارج بحثاً عن عائد مادى مجز.. يمثل تحديا آخر. ويضيف: من هنا لابد من وقفة جادة أمام هذا الإهدار للكنوز والكفاءات والموارد المصرية ووضع حلول غير تقليدية لهذه المشكلات بعيداً عن التعقيدات الإدارية، ومن هنا انبثقت فكرة إنشاء هيئة حماية الطبيعة.