لسنوات طويلة ظلت مشكلة ندرة الأراضي الصناعية تعوق ضخ استثمارات مباشرة في شرايين الاقتصاد المصري, فرغم تعاقب الحكومات المصرية منذ ثورة 25 يناير، وإصدارها العديد من التشريعات والقوانين، التي تناولت ملف الأراضي الصناعية وتطويرها ، إلا أنها فشلت في التوصل إلي حل جذري ينهي العقبات التي تقف بوجه المستثمرين، التي يأتي علي رأسها التوسعات في الأراضي الصناعية وصعوبة الحصول عليها. مُستثمرو العبور: المدينة بحاجة لتوسعات تعادل مساحة الأراضي الموجودة حالياً مستثمرو 6 أكتوبر: المشكلة قائمة بالمدن الصناعية المحيطة بالقاهرة اتحاد الصناعات: الأراضي الصناعية المطلوبة تفوق أضعاف المتاح رغم مناداة البعض بتعميم تطبيق نظام المطوِّر الصناعي الذي يضطلع بإمداد الشركات والمصانع بالكهرباء والغاز, وتقديم الخدمات اللوجيستية والأمنية وأعمال الصيانة لها، والقيام بتسويق منتجاتها محليا وعالمياَ، باعتباره حلاَ موضوعياَ يمكنه المساهمة في تطوير الأراضي غير المرفقة، ويحل مشكلة ندرة الأراضي الصناعية، إلا أن هذا النظام قوبل بانتقادات متعددة باعتباره السبب في زيادة أسعار الأراضي الصناعية، بسبب ما يتم فرضه علي المستثمرين من مبالغ مالية باهظة مقابل الخدمات والصيانة التي يتم تقديمها لهم. البيروقراطية في استخراج تراخيص مشروعات الاستثمار الصناعي تضاف إلي قائمة ما يعانيه المستثمر المصري نتيجة تشتتها بين الجهات المالكة والمانحة للأراضي، فبينما تقع الأراضي المرفّقة للأنشطة الصناعية ضمن نطاق مسئولية هيئة التنمية الصناعية، تتبع المناطق الاستثمارية وزارة الاستثمار، مما قد يدفع المستثمر في كثير من الأحيان للتراجع عن فكرة الاستثمار في الأنشطة الصناعية أو توجيهها لدول أخري لا يوجد بها نفس الكم الهائل من الروتين. "آخرساعة" تواصلت مع حالات متعددة لمستثمرين صناعيين من أجل إلقاء الضوء علي ما يعانونه من أزمات، ومن بينهم ممدوح عبدالرازق، صاحب مصنع للمسبوكات المعدنية في القليوبية، الذي أكد أن معاناة المستثمرين في الحصول علي الأراضي الصناعية لا تنتهي، فحتي إذا ما تمكن المستثمر من الحصول علي قطعة أرض، يواجه عقبات لا حصر لها فيما يتعلق بإدخال المرافق الصناعية إلي مصنعه من كهرباء وماء، أما إذا ما أراد زيادة القدرة التشغيلية لمصنعه لابد من أخذ تصريح مباشر من المحافظة التي تتبعها المنطقة الصناعية ليدخل بذلك في متاهات حكومية شديدة التعقيد.. تابع: رغم قيامي بدفع حق تخصيص الأراضي ورسوم المرافق التي تشمل توصيل المياه مجاناَ إلي المصانع، قمت بتحمُّل تكاليف شراء المعدات ومد خطوط مواسير المياه إلي المصنع، وكذلك الأمر بالنسبة لتركيب تلك المعدات التي ترفض الشركة الحكومية تركيبها. بينما أكد أحد المستثمرين في مدينة العبور، الذي رفض ذكر اسمه، أن الأمل في إحداث نهوض اقتصادي بالبلاد يعتمد بصورة كبيرة علي مساندة الصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر، التي تُعدُّ صناعات مغذية للصناعات الكبري سواء من ناحية الإنتاج أو من النواحي الفنية، ومع ذلك هناك عراقيل تقف في وجه المستثمر الصغير الذي يفاجأ بأسعار خيالية للأراضي الصناعية تتراوح بين 1500 إلي 3000 جنيه للمتر الواحد في منطقة العبور الصناعية, بجانب المغالاة في قيمة وثائق التأمين التي تُتخذ كضمان لإثبات جدية المشروع الصناعي، بينما المقياس الحقيقي لجدية المشروع يكمن في ضخ الاستثمار، وإقامة المنشآت الصناعية المخطط لها خلال المهلة الممنوحة للمستثمر. ويتفق معه في الرأي، راشد توكل صاحب مصنع لقطع غيار السيارات في المنطقة الصناعية بالعبور، الذي انتقد بشدة ما أسماه بالأنظمة المعوقة للصناعة والاستثمار، والتي تضعها هيئة المجتمعات العمرانية ووزارة الصناعة في وجه المستثمرين، موضحاً أنه قام بالتقدم بطلب لمد شبكة كهرباء لمصنعه منذ حوالي 10 أشهر، ولم يتمكن حتي الآن من توصيلها, بحجة أن مبني المصنع لم يتم الانتهاء منه ولابد من إعادة تشطيبه مرة أخري، مما اضطره للقيام بإعادة تشطيب المصنع بصورة كامل. تابع: انتهيت من كافة الإجراءات المطلوبة في شهر أكتوبر من العام الماضي، ولكن الجهات المختصة حتي الآن لم تقم بإعادة معاينة المصنع من أجل تحديد نوعية الأجهزة الكهربائية التي يحتاجها، وحتي إذا ما تمت المعاينة لابد من الانتظار حوالي 3 أشهر أخري حتي يتم توريد الأجهزة التي سيتم الاتفاق عليها، وذلك في الوقت الذي أريد فيه البدء في الإنتاج من أجل تغطية نفقات المصنع المتزايدة. آراء العديد من المختصين خلصت إلي أن حل مشاكل الأراضي الصناعية يستوجب رؤية استراتيجية بعيدة المدي قائمة علي إيجاد المزيد من التشريعات التحفيزية للمستثمرين, ما يحتِّم إيجاد آلية للتواصل بينهم وبين والجهات الحكومية لإزالة كافة المعوقات التي تواجههم, وفي هذا السياق يوضح محمد جنيدي رئيس جمعية مستثمري 6 أكتوبر، أن المستثمر يضع دراسة جدوي يقيِّم فيها التكاليف الكلية بما في ذلك سعر الأراضي التي سيقام عليها المصنع قبل أن يبدأ في إقامة مشروعه الخاص، ولكن عندما يجد سعر متر الارض قد تضاعف عما تم تحديده في الدراسة قد يتراجع عن فكرة شراء الأرض، علاوة علي أن نظام توزيع الأراضي الصناعية يتم بنظام قد يعطي الفرصة لاستغلالها وللمتاجرة بها من قبل السماسرة وتجار الأراضي. أضاف، أن المطوِّر الصناعي يضع شروط إذعانٍ للمستثمرين مع هيئة التنمية الصناعية وبناء عليها يفرض رسوم خدمات وصيانة باهظة علي الأراضي الصناعية, وهو ما أدي إلي وصول سعر الأرض من 700 و800 جنيه للمتر الواحد إلي 1500 جنيه في الوقت الذي لا يتعدي فيه سعر متر الأراضي الصناعية في الولاياتالمتحدة 90 جنيها، وفي ألمانيا 200 جنيه، فتخصيص الأراضي للمستثمرين يجب أن يتم وفق النشاط الصناعي، مع إيصال المرافق لها بسعر التكلفة أسوة بباقي الدول المجاورة التي تقوم بإعطاء الأراضي للمستثمرين مجاناَ أو بأسعار رمزية. تابع: قمنا بمطالبة وزير الصناعة بعدم قصر توزيع الأراضي الصناعية علي مطوِّر صناعي واحد، مع السماح بإقامة شركة تكون مهمتها تطوير الأراضي الصناعية وترفيقها ثم توزيعها علي أصحاب المصانع من أجل المساهمة في حل هذه المشكلة. من جهته، أوضح محمود برعي أمين عام جمعية مستثمري 6 أكتوبر، أن مشكلة نقص الأراضي الصناعية تتركز في المدن الصناعية المحيطة بالقاهرة مثل مدينة السادس من أكتوبر والعاشر والعبور وبدر, وفي المقابل هناك وفرة للأراضي الصناعية في محافظات الصعيد ولكن لايوجد بها بنية تحتية قوية، مضيفاً أن المدن الصناعية الجديدة عندما يتم إنشاؤها لا يتم تخصيص مساحات للصناعات الصغيرة بها، في حين أن المستثمر الشاب لايستطيع بدء مشروعه الصناعي علي مساحات كبيرة تقارب 5000 و10000 متر بسعر يقارب 1000 جنيه للمتر الواحد في الأراضي، أي أنه مطالب بإنفاق 5 ملايين جنيه علي شراء الأرض علي الأقل، والحل يكمن في إنشاء مجمّعات صناعية لصغار المستثمرين علي مساحات خمسة آلاف متر إلي مائة ألف متر ويتم تقسيمها إلي وحدات صناعية تتراوح مساحتها من 100 الي 600 متر، ويتولي تمويلها بعد ذلك الصندوق الاجتماعي للتنمية بالاشتراك مع البنوك المصرية. بينما أكد محمود حنفي المدير التنفيذي لغرفة الصناعة المعدنية باتحاد الصناعات المصرية, أن أعداد طالبي الأرض الصناعية تفوق كمية الأراضي المتاحة فعلياَ، مرجعاَ أصل هذه المشكلة إلي الالتباس في التصرف في بعض الأراضي الصناعية نظراَ لتعدد الجهات التي تتبعها تلك الأراضي، سواء هيئة التنمية الصناعية أو هيئة الاستثمار أو هيئة المجتمعات العمرانية، وكذلك هناك أراضٍ يتم منحها للمطوِّرين الصناعيين من أجل مدها وتزويدها بالمرافق، ولكنهم يغالون في أسعارها بعد ذلك نظراَ لندرة الأراضي الصناعية المطروحة للاستثمار للحد الذي تصبح معه أسعارها غير جاذبة للاستثمار في القطاع الصناعي. ويقر سيد الجنايني نائب رئيس جمعية مستثمري العبور، بعدم وجود أراضٍ صناعية متوفرة في منطقة العبور الصناعية، مشيراَ الي أن منطقة العبور بحاجة إلي توسعات مماثلة لمساحة الأراضي الصناعية الموجودة بها حالياَ من أجل تلبية احتياجات المستثمرين مع مدها بالمرافق الأساسية، بحيث تكون الأولوية في تخصيص الأراضي الصناعية الجديدة لمستثمري العبور، والباقي يتم عرضه علي المستثمرين من خارج المدينة. تابع: من الصعب علي المستثمر أن يكون لديه مصنع قائم في العبور ويذهب إلي إقامة توسعات في مدن صناعية أخري تبعد عنه بمائة كيلو متر, فذلك الأمر يضعف من قدرته علي مباشرة و إدارة أعماله، مشدداً علي ضرورة إعادة نظام توزيع الأراضي الصناعية إلي ما كان عليه في السابق، حينما كانت الدولة تقوم بتجهيز الأراضي الصناعية وتوزيعها علي المستثمرين, فالمستثمر كان يتقدم الي جهاز المدينة بطلبات تملك الأراضي، ليتم التخصيص له بصورة مباشرة دون الحاجة إلي وسيط أو مطوِّر صناعي أو جهات اختصاص متعددة تتصارع مع بعضها علي الحصول علي الفوائد المادية للأراضي الصناعية.