رئيس المهرجان والفنان الكبير دى كامى وحفل الختام هذا ما طرحته بشجاعة منقطعة النظير المخرجة والممثلة الفرنسية «آن فونتان» التي ولدت في «لوكسمبورج» في فيلمها الأخير «البريئات».. وهو فيلم أثار جدلا كبيرا في الفاتيكان.. ووسط الرهبان والراهبات في أوروبا عندما شاهدوه في عرض خاص. وأيا كان ما قيل عن الفيلم وعن التحفظ عليه من قبل البعض إلا أنه أثار الإعجاب وكما قال الراهب «جان ببير لونجاه» الذي رأس مؤتمر الرهبان.. والراهبات:» إن هذا الفيلم رغم الألم الشديد الذي يحمله والموضوع الذي أثار أوجاع الأسرة الدينية إلا إن فيه شفاءً للكنيسة من أحد أوجاعها الشديدة». الفيلم تدور أحداثه عام 1945 في أحد الأديرة النائية في بولندا.. وهو دير كان شديد الصرامة تعيش فيه الراهبات حالة من السكون والهدوء النفسي الشديد.. لكن في أحد الأيام يقتحم الدير مجموعة من الجنود السوفييت ويقتلون عشرين راهبة ويقومون باغتصاب خمسا وعشرين راهبة أخري ممارسين معهن أقسي أنواع الوحشية في الاغتصاب. ألم نفسي وجسدي وشقاء روحي عاشته هؤلاء الراهبات في صمت شديد.. فلا واحدة منهن قادرة علي أن تتحدث مع أخري عن مدي معاناتهن إلي أن يأتي اليوم الذي يخترق سكون الصمت صرخات مدوية من حجرة إحدي الراهبات.. ما يدفع راهبة أخري للهرب واللجوء إلي الصليب الأحمر الفرنسي لتطلب مساعدة طبيبة فرنسية التي ترفض في البداية إلا أنها تذهب في النهاية مع الراهبة.. وفي الدير تتضح عمق المأساة.. إن الراهبة في حالة وضع.. هذا الاكتشاف يربك الجميع. وتحاول الراهبة الأم أن تثني الطبيبة عن الحضور لمتابعة حالة الأم الضحية إلا أن الأخيرة ترفض لأن الراهبة كانت في حالة سيئة.. وتبدأ الطبيبة في اكتساب ثقة الراهبة الأم.. ومساعدتها.. لتكتشف كل هذا العدد من الراهبات الحوامل. وتزداد المأساة بعد ذلك عندما يحين وضع باقي الراهبات لذا تستعين بأحد زملائها بالطبع مما يثير السخط.. لكنها تقول لهن إنها تحاول إنقاذ حياتهن.. ولأن الراهبة الأم أخذت الرضيع وألقت به وحيدا في الغابة وكذبت أن أخبرتهن أنها أعطته لإحدي القريبات ..تكبر المأساة مع وصول أكثر من ستة من الأطفال حديثي الولادة.. لتقرر الطبيبة اصطحاب مجموعة من الأيتام الصغار ليعيشوا في الدير ومع الأطفال الرضع لتعتني بهن الراهبات وبالتالي لن يتساءل أحد عن سر وجود مواليد صغار في الدير.
الفيلم أكثر من رائع مليء بالمواقف الشديدة الإنسانية.. مليء بالمشاعر المتناقضة لحياة الرهبنة.. ولحظة الميلاد واحتضان الصغير المولود.. لقد نجحت المخرجة «آن فونتان « في وضع صورة صادقة لحياة الرهبنة وأحسنت اختيار ممثلاتها وعلي رأسهن الفنانة (ليا لياج) التي قامت بدور الطبيبة.. وكذلك الممثلة البولندية «أجاثا كوليزا» التي قامت بدور الراهبة الأم.
آن فونتان التي بدأت حياتها الفنية كممثلة في بداية الثمانينيات استطاعت أن تضع بصمة فنية واضحة علي تاريخها الفني من خلال هذا الفيلم الذي استحق بجدارة جائزة الجمهور وهي تعادل الجائزة الكبري للجنة التحكيم. الجدير بالذكر أنه رغم تعاطف الجميع مع هذه الحكاية بغض النظر عن تحويلها إلي فيلم أو من عدمه.. إلا أن جميع الأديرة رفضت السماح للمخرجة بأن تصور داخل أي منها.. وكان عليها أن تختار بقايا دير مهجور وتستكمل بناء بعض الأجزاء المهدمة لتستطيع التصوير.
لم تعد الجوائز هي المعيار الوحيد في المهرجانات لكي يصبح الفيلم واحدا من أهم وأفضل الأفلام.. لأن هناك كثيرا من الأفلام تظلم بسبب تحيز لجنة التحكيم وخضوعها لاعتبارات كثيرة جدا.. لذا فإن الفيلم الجميل لا يضل الجمهور الطريق إليه أبدا. وفي مهرجان هذا العام كان التواجد المصري موجودا بفخر شديد من خلال فيلم «نوارة» الذي عرض في إطار أضواء من العالم.. وحقق نجاحا كبيرا عند عرضه وحرص علي حضوره معظم ضيوف المهرجان.. بالإضافة إلي الكثير من النقاد والعاملين في الحقل السينمائي.. ولقد شرفت لمدة أسبوع بالتواجد مع هالة خليل مخرجة الفيلم الرائعة وزوجها المهندس «إيهاب».. وكنا في آخر ساعة انفردنا منذ فترة بتقديم الفيلم عندما عرض في مهرجان دبي السينمائي الأخير. إن هالة نموذج مشرف علما وخلقا لجيل كامل من المخرجين والمخرجات الجدد الذين يساهمون في إنعاش السينما المصرية وإنقاذها من أفلام المقاولات الرخيصة. والحقيقة إن فيلم مثل «نوارة» يشرفنا في المهرجانات العالمية ويعيد هو وأمثاله من هذه النوعية للأفلام الجادة كل التقدير والاحترام للسينما المصرية.
والألم النفسي العنيف الذي قد يتعرض له أي إنسان هو فقدان «الابن» أو «الابنة» في حياة والديهما خاصة إذا كانا صغيرين.. وهو ما شاهدناه ربما بالصدفة في فيلمين يحملان نفس المضمون ويتناولان نفس الموضوع وإن كان بأسلوبين مختلفين لكن كل منهما يحاول أن يغوص بعمق شديد في النفس البشرية وتحديد مسار الألم وهو من الممكن أن ينتهي فعلا. الفيلم الأول من شيلي وهو «ذاكرة الماء» إخراج «ماتياس بزيه» والثاني الفيلم التونسي «حدود السماء» للمخرج «فارس نعناع» وهو أول فيلم روائي طويل يقوم بإخراجه. «ذاكرة الماء» يروي قصة زوجين يتوفي ابنهما الصغير مما يؤدي إلي صدع كبير في علاقة الزوجين.. وكأن كلا منهما يذكره بالطفل الذي رحل.. وخاصة الزوجة التي لا تستطيع البقاء في المنزل وتحاول الابتعاد عن الزوج والمنزل.. وهو يحاول أن يناشدها في أن في بقائهما معا نوعا من الصمود والمقاومة.. وحتي عندما يمر الوقت ويلتقيان ويستعيدان معا قصة الحب التي ربطت بينهما يوما.. يستكثران علي نفسيهما هذه اللحظات السعيدة.. ليعودا من جديد في الانغماس في فراقهما.. لأنهما لا يحتاجان للنسيان حيث يعد بمثابة الخيانة للابن الراحل.