عروسة فى سن الطفولة وقد تفشت الظاهرة بصورة مرعبة بسبب الفقر وتدني الأحوال المعيشية لكثير من الأسر التي تري في تزويج بناتهم خلاصاً من عبء ظل جاثماً علي صدورهم لأكثر من اثني عشر عاماً أو يقل فبحسب الدراسة التي أجرتها الأممالمتحدة حول تلك الظاهرة وجدت أن هذا النوع من الزواج يمثل 14% من حالات الزواج في مصر وتصدرت المحافظات الحدودية والصعيد المراكز الأولي ووصلت النسبة بها إلي 33%. أما القاهرةومحافظات الدلتا فوصلت النسبة إلي 21% مما يمثل صافرة إنذار، خاصة أن قانون الطفل الذي صدر عام 2008 كان سبباً في ازديادها فهو ينص علي معاملة من بلغ 18عاماً باعتباره طفلاً مما يجرم زواج الفتاة التي لم تصل لهذه السن فيرفض الكثيرون تطبيق ذلك القانون ويتحايلون عليه خوفاً من شبح العنوسة والفضائح فهم ينظرون للبنت علي أنها عار لابد من إخفائه والتخلص منه فالفيصل عندهم هو بلوغ الضحية واكتمال معالم أنوثتها فيلجأون لإبرام عقد عرفي يكتب علي يد المأذون أو بدونه وبحضور الشهود لكنها لا تدرج في مكاتب الشهر العقاري لحين بلوغ الفتاة السن القانونية ومقابل ذلك يتم كتابة إيصال أمانة أو شيك يوقع عليه العريس وأهله ويودع لدي المأذون ويتم تقطيعه بعد العقد الرسمي. وفي حالة العقد الرسمي يقوم المأذون بتزوير عمر العروس ليصل إلي 18 باستخدام القلم الجاف ثم يتوجه إلي القلم الشرعي للمحكمة التي يتبعها لختم العقد وتسجيله ثم يقدم للزوجين نسختين أما النسخة الثالثة فلابد أن يسلمها لإدارة الأحوال المدنية لتسجيل الزواج إلا أنه يقوم بتمزيقها خوفاً من المساءلة القانونية فتلك الوثيقة غير معترف بها من قبل الدولة فلا يستطيع الزوجان استصدار بطاقات هوية لهما أو شهادات ميلاد رسمية لأطفالهما ويتقاضي المأذون أو السمسار نظير تلك الزيجة أكثر من ألفي جنيه وفي بعض الأحيان خمسة آلاف جنيه فتنطلق الزغاريد وتقام الأعراس دون النظر للكوارث التي تحيق بالزوجة من ضياع لحقوقها الشرعية في حال حدوث الطلاق. وتمتلئ أروقة محاكم الأسرة بمثل تلك القضايا ناهيك عن عدم إمكانية استخراج شهادات ميلاد للأبناء أو شهادة صحية تكفل له حقه في التطعيمات الدورية مما يجعله فريسة للكثير من الأمراض كذلك المشكلات الصحية التي تواجه تلك الطفلة فلم يشتد بنيانها لتقاوم متاعب الحمل والولادة التي تهدها وتجعلها تشيخ في عز شبابها كما أن بعضهن لا يستطعن مقاومتها فيرحن ضحايا لجهل وجشع آبائهن. الغريب أن هناك الكثير من الشيوخ ورجال الدين خاصة السلفيين وأعضاء الجماعة الإرهابية يشجعون مثل هذه الزيجات ويباركونها من خلال الخطب والدروس التي يلقونها في مساجد القري والعشوائيات المسيطرين عليها فيغسلون أمخاخ هؤلاء البسطاء الذين يجهلون دينهم ويعانون من الفقر والأمية، ولك أن تعلم أن بعض هؤلاء الشيوخ يمدونهم بالأموال اللازمة لإتمام الزيجة ويكونون شهوداً عليها لبث الطمأنينة في قلب أهل العروسين، فالأساس في الزواج الشرعي هو الإعلان والإشهار. وبالرغم من الدور التوعوي الذي يقوم به المجلس القومي للمرأة والجمعيات المختصة في شؤون المرأة إلا أنه فشل في تحجيم تلك الظاهرة واستئصالها وكشف تقرير سابق لمنظمة العدل والتنمية لحقوق الإنسان بقنا، أن ما لا يقل عن 15 ألف جمعية أهلية تابعة للسلفيين تساهم بشكل خطير في تفشي ظاهرة الزواج المبكر وزواج السنة غير الموثق وتجرم تنظيم الأسرة، خاصة في محافظات الصعيد والمحافظات الحدودية. "آخرساعة" رصدت تلك الظاهرة التي أصبحت بمثابة شبح يهدد مجتمعنا ويفرز لنا عشرات الآلاف من الأطفال المحرومين من حقوقهم الطبيعية التي يكفلها القانون والدستور من تعليم ورعاية صحية, كما نوضح دور الجمعيات القانونية والنسائية لمواجهة مثل تلك الظاهرة. طبل وزينة ومزمار.. نساء تزغرد بصورة هيسترية، ينظرن إلي ذلك الشاب اليافع قوي البنية والذي يعد بمثابة فارس زمانه يمصمصن شفاههن حسرة وندما علي ضياعه من بناتهن اللائي يكبرن العروس بعام أو عامين علي الأكثر"، فسعاد تلك الطفلة التي لم تصل إلي الرابعة عشرة وقد ظهرت معالم أنوثتها علي استحياء كأنها لم تقتنع بعد بوجوب ظهورها كانت متفوقة علي قريناتها في لعب الحجلة وصيادية السمك وكان وجهها يشع براءة وسماحة جذبت إليها أنظار الخطاب وتهافتوا علي نيل قلبها، لكن هيهات فطفلتنا أو عروستنا الحالية قلبها متعلق بلعب "الكوتشينة" و"السلم والثعبان" ووقع اختيار "عماد" عليها لتكون شريكة عمره, هذا الشاب الذي أتم السابعة عشرة ويعمل سائق ميكروباص بأحد مواقف الأجرة بمدينة الزقازيق ويمتلك والده عدة فدادين وعندما فاتحه في شأن الخطبة وافق الأب وأثني علي اختيار ولده. وبحسب قوله فإن البنت (العروس) "خام" ويمكن تشكيلها كعجين طري فقام علي الفور بمفاتحة والد العروس في الأمر فلم يفكر الوالد بل وافق دون استشارة ابنته أو دراسة الأمر بعين العقل فالعريس "زينة الشباب" علي حد قوله، كما أن بنات أخيه تزوجن في مثل هذه السن كما أنه يعتقد أن ابنته "فارت" ونضجت فتم الاتفاق علي أن يتولي الشيخ "فرج" مأذون القرية مهمة عقد القران الذي سيكون زواجا عرفياً بشهود لهم ثقل كالعمدة وشيخ البلد كما هو متبع ويقوم العريس ووالده بتوقيع إيصالي أمانة علي بياض يستردانهما بعد وصول العروس للسن القانونية حيث يتم الزواج الرسمي ويسجل بالشهر العقاري مع كتابة قيمة المؤخر. وبمجرد وصول الشيخ فرج إلي دار العروس حتي خرج الأب مصطحبا معه طفلته الصغيرة والتي كتب عليها أن تخلع رداء الطفولة وترتدي ثوب الزوجة وقد اصطبغ وجهها البكر بألوان الطيف علها تفلح في إخفاء ملامحها الغضة فرحة بكل ما حولها، فهي إلي الآن لم تدرك حقيقة ما يدور، فبحسب خيالها الطفولي هو مجرد حفل صاخب كالذي شهدته مع صديقاتها مؤخراً، دون أن تدري أنه حفل اغتيال براءتها مطالبة والدتها بباقة ورد حمراء مثل صديقتها "رشا" التي تزوجت منذ شهر أما الأم فتقف سعيدة وراضية بتلك الزيجة التي أنعم الله علي ابنتها بها فالعريس "جيبه مليان" فالرجل علي حد قولها لا يعيبه إلا جيبه وهي لم تتعد الثالثة والثلاثين فقد تزوجت هي الأخري في نفس سن ابنتها وأنجبت خمسة أبناء ثالثهم "سعاد" فشقيقتاها الكبيرتان حظيتا بنفس المصير، وبالرغم من المخاطر الصحية التي واجهتهما إلا أن تلك الأم تستبعد تكرارها مع "سعاد" فبنيانها قوي وعودها "فارع". وبعد انتهاء مراسم عقد القران وانتهاء الزفة اصطحب العريس عروسه إلي بيت الزوجية كأنهما طفلان انتهيا لتوهما من ألعابهما وقد أنهكهما التعب دون أن يعيا بمستقبلهما والمسئولية الجسيمة التي سيتحملها كل منهما. ولم تكن "سعاد" هي الضحية الوحيدة في نفس القرية فهناك العشرات مثلها أصبحن ضحايا للأب والأم اللذين لا يكفان عن إخافتهن من شبح العنوسة الذي لا يتصيد إلا الجامعيات اللائي فضلن استكمال تعليمهن والبحث عن وظيفة مناسبة ففاتهن قطار الزواج غير ناسين بتذكيرهن بالظروف المعيشية السيئة التي يعيشون فيها وقد كانت "هدير" إحدي الضحايا فوالدها عامل تراحيل بسيط يعاني من ضيق ذات اليد، فهو يعمل يوماً واحداً كل أسبوعين ناهيك عن والدتها التي تعمل "خبازة" لسيدات القرية مقابل أجر زهيد. اقتنعت هدير بضرورة ترك المدرسة في سن الثانية عشرة وانتظار ابن الحلال؛ الذي قد يجود به الزمان ومرت الشهور حتي جاء "سيد" الذي تجاوز السابعة والثلاثين ليتزوج منها وعلي الرغم من كونه متزوجاً من سيدتين أخريين إلا أنه يملك عدة فدادين وسوبر ماركت كبير فهللت الأسرة الصغيرة وفرحت بهذا الرزق الوفير وسرعان ما تمت الزيجة وبعد ثلاث سنوات مات الزوج في حادث ورفض أهله إعطاءها ميراثها الشرعي ولكن بعد عدة محاولات من أهل الخير تم إعطاؤها حصة بسيطة من ميراثها. أما نورا وهي فتاة من إحدي قري القليوبية متزوجة وعمرها 17 سنة فتقول: لم أكن أعلم طريقة الزواج ولا ضرورة وجود مأذون لتوثيقه وكل ما عرفته أن كبار عائلتي قاموا بقراءة الفاتحة، وسيدات القرية قامت بتزييني وتجهيزي لحفلة الزفاف، وبعدها سمعت من زوجي ضرورة أن يتم توثيق عقد الزواج حتي يستطيع إثبات نسب المولود الذي كان في بطني، ولكن وبعد علمه بالمبلغ الذي سيدفعه للمأذون، والذي يصل أقله إلي 500 جنيه، وهو "أرزقي علي باب الله" تجاهلنا الأمر، وقررنا أن نستمر كما هو حال آبائنا. تتابع نورا: أدركت حقيقة المشكلة عندما أنجبت طفلي، ولم أستطع استخراج شهادة ميلاد له يستطيع من خلالها الحصول علي حقوقه من تطعيم ورعاية صحية وغيرها، وبعد رؤيتي لعدد من الأطفال بالقرية مصابين بشلل الأطفال بسبب عدم التطعيم، فحاولت عمل شهادة الميلاد بكل الطرق فلجأت لصديقة لي تعمل بالوحدة الصحية وقمت بدفع بمبلغ من المال حتي أستطيع عمل شهادة الميلاد. وحول رأي المختصين في تلك الظاهرة يقول الدكتور سعيد شنب أستاذ علم الاجتماع: هذه الظاهرة آخذة في الانتشار خاصة في ظل الزيادة السكانية والفقر، فيلجأ الكثير من الآباء لتزويج بناتهم للتخلص من تلك الأعباء بالإضافة لقناعتهم أن التعليم لافائدة ترجي منه فتكون الفتاة هي الضحية الأولي لتلك الجريمة فتتحمل أعباء ضخمة في سن مبكرة فتقتل براءتها وحيويتها لتهرم وتشيخ وتصبح ناقمة علي المجتمع الذي اغتال أحلامها وجعلها سلعة تباع وتشتري دون حفظ كرامتها وصونها. ويضيف شنب: كما أن إعلامنا كسول لا يهتم بمثل تلك الظواهر ويناقشها بجدية للوصول إلي حلول جذرية تقضي عليها أو تحد منها فالإعلام الهادف لابد أن يعمل علي محو الأمية وإعلاء قيمة العلم ويخصص خطاً ساخناً لمناقشتها والوصول إلي حل مع المتخصصين، كما أن هناك عدة قوانين تمت صياغتها للقضاء عليها؛ لكنها لا تطبق ولا يتم معاقبة الجناة بصورة حازمة ليكونوا عبرة لغيرهم. أما الدكتورة بثينة علي أستاذة علم النفس فتقول: تزويج الطفلة بتلك الطريقة يؤدي إلي شعورها فيما بعد بإهانة كرامتها وتجريح آدميتها فقد حرمت من أبسط حقوقها بتزويجها بعقد رسمي كباقي السيدات خاصة في ظل المشكلات التي تواجهها بعد ذلك فتشعر بعقدة النقص ناهيك عن شعورها باغتيال آدميتها خاصة فيما يتعلق بالاتصال الجنسي مع زوجها، فتصدم في البداية لجهلها بكافة أشكال الثقافة الجنسية فتشعر كأنه نوع من أنواع الاغتصاب تحت ستار الزواج. تضيف بثينة: تصاب الزوجة الصغيرة بأمراض نفسية عديدة كالتشنجات وانفصام في الشخصية وقد يتفاقم الأمر؛ خاصة أنها لا تجد من يستوعبه ويستمع إلي شكواها فوالدتها تحفزها علي العيش كباقي الفتيات تطبيقاً لمقولة "الست مالهاش إلا بيتها وزوجها"، والأب "ودن من طين وودن من عجين" فقد ارتاح من هذا العبء الجاثم علي صدره كذلك الزوج الذي أصبح غريباً عنها ويظل مشهد اغتصابه لها عالقاً في ذاكرتها إلي الأبد. أما س.ع أحد مأذوني الدقهلية فقال: العادات والأعراف هي التي تحكم مثل هذا الزواج فتكلفة المأذون ليست سبباً للجوء إليه فينتشر في القري البعيدة عن المدن أو المناطق العشوائية لارتباطهم بالعادات والتقاليد فهم يرون أن البنت بمجرد بلوغها فهذه إشارة لوجوب تستيرها وإعفافها بالزواج كما أن هناك بعض الأرامل التي تلجأ لهذا الزواج لحماية معاشها وفي هذه الحالة اتفق العلماء علي شرعيته دون أن يبتوا في شرعية المال. ويضيف: حسب مذاهب الأئمة الأربعة نميل إلي بطلان هذا النوع من الزواج لعدم توافر الشروط والأركان الحقيقية للزواج كما أننا يمكننا اعتبارها استغلالاً جنسياً للفتاة من قبل الولي الذي يعتبر غير معتد به شرعياً فلا يزج بابنته في ذلك إلا ولي فاسق وجاهل فهذه الطريقة لا تعتد بالكفاءة التي هي أساس الزواج وقد أصدرت دار الافتاء فتوي بأن هذا الزواج يتعارض مع الشرع. فيما يقول محمد زارع المحامي والناشط الحقوقي إن القانون يمنع زواج الفتيات الأقل من 18عاماً ويعاقب كل من يقوم بذلك لفترة تتراوح من 6 شهور إلي 25 سنة وهذا الزواج لا يحمي حقوق الزوجة عند اللجوء للقضاء فيكون من الصعب إثبات الزواج لدي المحكمة فهي في وجهة نظر القضاء قاصر لذا يكون والدها هو المنوط برفع الدعوي ضد الزوج ولا توجد مادة في قانون الأحوال الشخصية تجرم تصرف الوالد في تزويج ابنته القاصر وفي حالة تقديم بلاغات إلي النيابة يتم حفظ التحقيق كقناعة من أعضاء النيابة بضرورة تستير البنات وتزويجهن.