لا أتدخل في عمل البرلمان ولكن لديّ بعض الملاحظات، ولازم أتكلم لأن مصر مسئولة منا وأمانة في رقبتنا"، كلمات قالها الرئيس عبدالفتاح السيسي في خطابه خلال ذكري الاحتفال بعيد الشرطة، ورغم أن الحديث عن أزمات البرلمان، والتشريعات والقوانين، أمر بعيد عن تلك الاحتفالية إلا أن أهمية إقرار قانون الخدمة المدنية أو رفضه فرض علي الرئيس التحدث عنه، وعدم تأجيله. لم يوافق الرئيس السيسي، علي هذا القانون الذي عرض عليه من قبل الحكومة إلا بعد مراعاة ثلاث نقاط رئيسية، هي الإبقاء علي جميع الموظفين، وعدم الاستغناء عن أي منهم، ومراعاة الزيادة السنوية في الرواتب، وعدم تقليصها. تعجب الرئيس السيسي، من مطالبة الشعب له دوماً بمزيد من التقدم والإنتاج، متسائلاً "كيف يحدث هذا بعد رفض البرلمان لأحد قوانين الإصلاح الإداري الهامة؟"، وتابع قائلاً: "علي الجميع أن يعلم أني بمفردي لا أقدر.. الأمر ليس سهلاً نحن 90 مليون مواطن". د. النحاس: إعادة النظر في القانون "واجبة" فهو أحد أهم إصلاحات الجهاز الإداري شُكر: يجب طرحه للنقاش المجتمعي وإشراك أصحاب المصلحة د. سلام: وزير التخطيط السبب وأطالب بإقالته لأنه أضاع علي الدولة 17 مليار جنيه "ادرسوا الموضوع كويس والإصلاح أمانة من أجل الأجيال المقبلة.. مصر لديها في الجهاز الحكومي 7 ملايين موظف ولا نحتاج منهم سوي مليون فقط.. أمال لو قلت لكم تعالوا نتنازل شوية هتقولوا إيه.. الشعوب لا تحيا بالمجاملة أو بالمزايدة بل بالإخلاص والشرف والتصدي والتضحية"، تلك كانت رسالة الرئيس لأعضاء البرلمان، التي تحولت إلي جرس إنذار يدق في أذهان معظمهم ممن رفضوا القانون مسبقاً، ليعيدوا النظر في الأمر برمته. بات الأمر سجالاً بين القانونيين والتشريعيين، وكذلك خبراء السياسة والاقتصاد، الذين تبادرت كلمة الرئيس حول أهمية إقرار هذا القانون إلي أذهانهم، فهو يُعد وفقاً للكثيرين من الخبراء أحد أهم قوانين الإصلاح الإداري، الذي سيُحدث بالتبعية نقلة اقتصادية في مصر. نعم للقانون كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسي، المُتعلقة بقانون الخدمة المدنية، كان يرددها العديد من الشخصيات السياسية والاقتصادية وحتي نواب البرلمان، ممن درسوه جيداً، وهؤلاء كانوا يساندون القانون منذ الإعلان عنه قلباً وقالباً، وبعد صدوره، وكانوا حريصين علي دعمه وإيضاح مزاياه للمواطنين كي لا يشعروا بالظلم أو عدم الإنصاف بعد تطبيقه. من هؤلاء الدكتور صفوت النحاس، رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة السابق، الذي أكد أن هذا القانون يأتي في مصلحة الوطن والمواطن والموظف، رغم أن بعض مواده تتطلب تعديلاً، فضلاً عن أن إقراره الآن والموافقة عليه بات أمراً حتمياً وضرورياً لأنه سيتعامل مع المشكلات الموجودة بالجهاز الإداري للدولة، التي كان القانون 47 لسنة 1978 عاجزاً عن التعامل معها. النحاس، أكد أن القانون رقم 18 لسنة 2015، جيد للغاية، ويهدف لإصلاح الجهاز الإداري للدولة، حيث إنه يُغلق كل أبواب الواسطة والمحسوبية، كما أنه يقضي علي المشكلة الرئيسية في قانون 47، والمتعلقة بفرق الدخول بين العاملين بالوزارات المركزية، والعاملين بالمحليات، فالحوافز تتخطي ال10 أمثال، الأمر الذي خلق احتقاناً شديداً من العاملين بالمحليات ضد العاملين بالوزارات المحلية، موضحاً أن القانون كان سيعمل علي تقريب الدخول بين الطرفين خلال 5 سنوات علي الأكثر. امتيازات شخصية الأزمة التي أثارها النواب حول القانون بين بعضهم ليست منطقية وغير مبررة فهذا القانون مثل غيره له ما له وعليه ما عليه، وبالفعل له إيجابيات ضخمة جداً لا يمكن حصرها، وبه أيضاً سلبيات لكنها قليلة للغاية، ويُمكن تداركها وإصلاحها، هذا ما أكده النحاس، مشيراً إلي أن السبب وراء رفض ومواجهة هذا القانون بضراوة داخل المجلس هو وقوف مجموعة من العاملين الكبار الذين يحصلون علي امتيازات كثيرة، التي سيمنعها عنهم القانون الجديد حال الموافقة عليه. النحاس، وضع طريقين للتعامل مع الأزمة الحالية والخروج منها دون خسائر، أولهما إقرار القانون مع إدخال بعض التعديلات علي البنود التي اعترضت عليها لجنة القوي العاملة بالاتفاق معها، ويستمر العمل بالقانون دون تغيير، لافتاً إلي أن هذا هو أنسب الطرق للخروج من الأزمة. أما ثاني طرق المواجهة فيتمثل في رفض القانون الحالي، والعودة للعمل بالقانون القديم رقم 47 لعام 1978، مع إقرار مجلس النواب للآثار المترتبة علي القانون منذ إصداره في مارس الماضي، والبدء في صياغة قانون جديد، لافتاً إلي أن لمجلس النواب الحق في تقرير مصير القرارات التي اتخذت بناء علي القانون منذ إقراره سواء بالإلغاء أو الموافقة عليها. واقترح النحاس رفع العلاوة الدورية المقررة ب5% من الأجر الوظيفي إلي 7%، بالإضافة إلي أن يتم الإعلان عن الوظائف الجديدة في الدولة ليس عن طريق الاختبارات فقط، ولكن بوضع 50% من نسبة القبول في الوظائف مرتبطة بالاختبارات، و50% الأخري يتم وضعها بناء علي التاريخ التعليمي والتدريبي السابق ويكون شرطاً للقبول في الوظائف الإدارية للدولة. سيناريوهات الرفض وفي حال رفض مجلس النواب قانون الخدمة المدنية لعام 2015 بشكل نهائي، كما حدث فيعني هذا أننا سنعود للعمل بقانون 47 لعام 1978، وعلي هذا فسيتم صرف مرتبات العاملين بالدولة وفقاً لقانون 47، وذلك من تاريخ رفض قانون رقم 18، علي أن يتم حساب ثلثي الشهر علي القانون المرفوض. أما الحاصلون علي ترقيات بموجب القانون المرفوض فسيحتفظون بترقيتهم، وذلك تنفيذاً للنص الدستوري الذي يعطي للبرلمان الحق في رفض القانون مع الإبقاء علي الآثار المترتبة، مؤكداً أن حالة الارتباك ستكون في الآثار المالية فقط، أما الجانب الإداري فسيتم تداركه. المناقشة المجتمعية من جانبه، قال عبدالغفار شكر، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن المجلس يقف علي مسافة واحدة من كل الأطراف وينحاز بالدرجة الأولي لصالح المواطن، وأوضح أنه المجلس القومي لحقوق الإنسان، عقد عدة جلسات عمل مطولة بحضور ممثلي منظمات المجتمع المدني والخبراء، لمناقشة عدد من القوانين التي يستعرضها البرلمان حاليًا، وأبرزها قانون الخدمة المدنية لافتًا إلي أن هناك تبايناً بين أعضاء القومي لحقوق الإنسان ما بين مؤيد ومعارض للقانون. وقال شكر: "رفض البرلمان للقانون جاء استجابة لتوجهات الرأي العام، وأصوات النقابات العمالية والمهنية وأصحاب المصلحة وهي ظاهرة إيجابية تجلت في قرار البرلمان، والحكومة الآن بات لديها خياران فقط الأول دعوة مجلس النواب لإعادة مناقشة القانون، والثاني أن تقوم الحكومة بتقديم مقترح بقانون جديد لعرضه علي البرلمان، مع ضرورة طرح القانون بشكل جاد للمناقشة المجتمعية بين أصحاب المصلحة". مُنذ طرح القانون للمناقشة في مارس 2015 لم يظهر في الصورة معارضون للقانون غير العاملين بمصلحة الضرائب، كونه يهدد مصالحهم ويقضي علي مستقبلهم الوظيفي والتأميني وكذلك المعاش مستقبلاً، هذا ما أكده الدكتور صلاح سلام، عضو مجلس حقوق الإنسان، مضيفاً "الآن وبعد طرح القانون للتصويت عليه في البرلمان قوبل بالرفض من أكثر من ثلثي الأعضاء، وانضم إليهم العاملون بالمجتمع المدني، وكذلك المنشغلون بصالح المواطن البسيط الذي لن يجد قوت يومه بعد إقرار القانون - حسب وصف هؤلاء ". آليات وخطوات إعداد قانون الخدمة المدنية، بحسب سلام افتقدت إلي الحوار المجتمعي مع العديد من الفئات الاجتماعية، مما جعله أكثر عرضة للإلغاء ووضعه في دائرة الاتهام من قبل الشعب، كما أنه تم الاكتفاء بالاستماع والنقاش مع أجهزة الدولة دون الأطراف الأخري المعنية بهذا القانون. وأوضح سلام، أن المجلس سبق وناشد كلاً من رئاسة الوزراء ولجنة الإصلاح الإداري بتنظيم حوار واسع وجاد بشأن اللائحة التنفيذية، لتدارك ما شاب آلية إعداد القانون من تجاهل الحوار المجتمعي، خاصة مع ممثلي العاملين والمخاطبين بأحكامه. ولفت، إلي أنه في حال الموافقة علي إلغاء القانون يتم الاستناد إلي اللائحة التنفيذية للخدمة المدنية ويظل مفعولها ساريًا لمجرد تسيير الأمور فقط، لحين إقرار تشريع جديد يتناسب مع ظروف المواطن، أو وضع قانون مؤقت لفترة انتقالية مدتها 3 أشهر يتم فيه استدعاء أية مميزات أو نوايا للتطوير في الجهاز الإداري للدولة شريطة أن يتضمن نصًا يبقي علي الأجر الأساسي للموظفين، أو الاستعانة بالقانون 47 الموجود قبل الخدمة المدنية. وطالب سلام، الدكتور أشرف العربي وزير التخطيط ومساعديه، والمشاركين في إعداد وعرض القانون، بتقديم استقالتهم بشكل فوري، خاصة أن رفض القانون كلف الدولة 17 مليار جنيه، وهو ما يجب محاسبة الوزير وأعوانه عليه. الدكتورة مني مينا وكيل نقابة الأطباء، أكدت أن قانون الخدمة المدنية يعصف بحقوق العاملين بالدولة، لافتة إلي أن هناك 29 نقابة مهنية وعمالية ومستقلة رفضت هذا القانون في أبريل 2015 ولا تزال عند موقفها من الرفض. وأوضحت مينا، سلبيات هذا القانون في عدة نقاط منها أنه يثبت الأجور المتغيرة عند قيمتها في 30-6-2015، وهذا معناه انخفاض سنوي لقيمة الأجور المتغيرة للموظف بحوالي 12% نسبة التضخم السنوية، وبالفعل من طبق عليهم القانون لاحظوا أن قيمة العلاوة علي الأجر الوظيفي أصبحت حوالي ربع إلي خمس العلاوة قبل ذلك لأن الحوافز كانت تزيد مع زيادة الأجر الأساسي، كما أن القانون يجعل "روح" الموظف في يد الإدارة، علاواته، ترقياته، بقاؤه في العمل أو إنهاء عمله، وذلك عن طريق تقرير الكفاءة، الذي تضعه لجنة أغلبيتها الكاسحة من الإدارة العليا، كما يحاول القانون أن يحل مشكلة زيادة أعداد العاملين المدنيين بالدولة، وذلك عن طريق تسهيل إجراءات الفصل. مينا قالت "يُسهل القانون الجديد فصل الموظف، والحقيقة أن القانون وضع لحل مشكلتين تشتكي منهما الحكومة، أولهما زيادة نسبة الأجور في ميزانية الدولة، وموضوع تحويل الحوافز لمبلغ ثابت ستتكفل بحل المشكلة، حيث ستتآكل نسبة الأجور عاماً بعد عام بفعل التضخم".