د. شوقى السيد تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شُكلها الرئيس عبدالفتاح السيسي، والذي كشف مدي تضخيم حجم الفساد الوارد في تقرير المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، والذي قدره ب600 مليار جنيه، سيعقبه علي الفور تحرك سريع للبرلمان لتشكيل لجنة لدراسة وإعداد تقرير وإصدار توصيات قانونية يتم إحالتها إلي النيابة العامة لإثبات صحة الوقائع من عدمها، هذا ما أكده الفقيه الدستوري والقانوني، الدكتور شوقي السيد، مشيراً في حواره ل"آخرساعة" إلي أنه لو ثبت عدم صحة الأرقام التي ذكرها جنينة فيمكن عزله من منصبه أو إحالته الي الجنايات، مُشددا علي أنه من الأساس يُحظر علي رئيس الجهاز مُخاطبة الرأي العام، كما أن جنينة لم يرسل التقارير إلي الجهات المختصة، ولم يتخذ إجراءات قضائية بشأن وقائع الفساد التي ذكرها إذا كانت صحيحة كما يدعي. وحول التقرير وأبعاده القانونية، والخطوات الواجب اتباعها ضد المستشار هشام جنينة، وغيرها من الأمور القانونية، يتحدث الدكتور شوقي السيد ل"آخرساعة" في سطور الحوار التالي.. هل تؤيد قرار مجلس النواب بعرض قضية تقرير المستشار هشام جنينة بشأن حجم الفساد في مصر إلي النيابة العامة للتحقيق؟ أنا أري ضرورة إرسال التقرير الصادر من الجهاز المركزي للمحاسبات، وكذلك تقرير لجنة تقصي الحقائق بعد المناقشة وتقرير البرلمان خلال جلسة مجلس النواب، إلي سلطة التحقيق المختصة، والمُمثلة في النيابة العامة، وعندما أُطالب بتدخل سلطة تحقيق قضائية فهذا لا يعني أنه تعدي حصانة المستشار هشام جنينة، فهذا الأمر ليس له علاقة بهذا الشأن، فلا أحد فوق المساءلة، وبالتالي عندما تكون صفته كرئيس جهة رقابية، وهي الجهاز المركزي للمحاسبات، فهذا لا يمنع سلطة التحقيق أن تُحقق معه، وتناقش الأدلة سواء كانت أدلة ثبوت أو أدلة اتهام أو أدلة نفي، وإذا انتهت إلي ثبوت وجود بيانات مضللة، أو بث شائعات مقصود بها الإضرار بالاقتصاد القومي، يحول جنينة إلي محكمة الجنايات فوراً. وهناك قانون ينص علي محاكمة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ومساءلته، وهو قانون محاكمة الوزراء، وهو حتي الآن لم يخرج للنور، لكن السوابق القضائية حتي محكمة النقض تقول إنه ليس معني عدم وجود قانون ألا تتم مساءلته، ومادام القانون غير موجود فتصبح المساءلة وفقا لقانون الإجراءات الجنائية، وقانون العقوبات، وتختص المحاكم الجنائية العادية بمساءلة ومحاكمة أي شخص مهما كان منصبه. كما كان يُمكن إحالة التقرير وتقرير تقصي الحقائق إلي سلطة التحقيق القضائية، وهي التي تملك بشأن هذين التقريرين وجه القيد، والوصف، والثبوت في مواجهته، وتتخذ الإجراءات بشأنه، ويتخذ وقتها قراراً بصمت الإعلام بشأن القضية، وحظر النشر فيها، نظراً لما أحدثه التقرير من ضجة شغلت الرأي العام، وإحداثه حالة من الفزع بين الناس. ما سلطات الجهاز المركزي للمحاسبات المحددة وفق القانون؟ الجهاز منذ نشأته عام 1942 كان يطلق عليه ديوان المحاسبة، ثم أطلق عليه في عام 1964 ديوان المحاسبات، ثم في سنة 1975 أطلق عليه الجهاز المركزي للمحاسبات، واختلفت تبعيته مرة إلي رئيس الجمهورية، وأخري إلي مجلس الشعب، واستقرت الآن تبعيته إلي رئيس الجمهورية، وتقاريره يجب أن تصدر إلي رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، وإذا كانت هناك جريمة في رأي رئيس الجهاز فيستطيع وفقا لسلطاته أن يحولها إلي سلطات التحقيق دون وضع توصيف محدد لها، فلا يُوَصِّف في هذه الحالة الجريمة بأنها جريمة فساد، ولكن يذكر أن هناك جريمة مثل الاستيلاء علي المال العام، أو جريمة إهدار مال عام، أو غيره من الجرائم المالية، ثم يحولها لسلطات التحقيق وهي المسئولة عن التحقيق فيها، وتحديد ما إذا كانت صحيحة أو غير صحيحة، ويحدد المسئول عنها دون مخاطبة الرأي العام مباشرة. هل يقتصر دور الجهاز علي كشف الفساد الحكومي؟ دور الجهاز مُراقبة سلامة الإنفاق الحكومي، ومناقشة الميزانية، وكيفية صرف بنودها، ومناقشة القرارات التي تصدر من الحكومة ليري إذا ما كانت تتفق مع القانون من عدمه، وله أن يراقبها سواء في الموازنة العامة للدولة أو في الجهات الحكومية أو الهيئات التابعة لها أو الشركات التي بها مال عام، وهي تكون تقارير سنوية أو بشأن مناسبة معينة، ويرسلها إلي رئيس الجمهورية، ومجلس النواب، ومجلس الوزراء، وإذا كانت هناك جريمة يستطيع أن يحيلها إلي سلطات التحقيق لكي تحدد هي إذا كانت بالفعل جريمة أم لا. هل محظور علي الجهاز مخاطبة الرأي العام؟ ليس من حق رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات مطلقا مخاطبه الرأي العام، ومن حقه أن يتحدث فقط بشأن وقائع ثابتة، وهذا الثبوت ليس من جهته هو، ولكن من جهات سلطات التحقيق بعد عرض التقارير علي الجهات المختصة، وهنا يستطيع النائب العام أن يعلن بأنه تم التحقق من وقائع فساد معينة، بعد ورود تقرير الجهاز، ويرسلها في هذه الحالة إلي محكمة الجنايات. ما التوصيف القانوني لواقعة المستشار جنينة بعد إعلان تقريره للرأي العام؟ رئيس الجهاز خاطب الرأي العام، وهو لا يملك ذلك قانوناً، كما لم يرسل التقرير إلي الجهات المعنية، ولم يتخذ إجراءات بشأنها إذا كانت صحيحة في نظره، فهو لم يُبلغ بها السلطات القضائية للتحقيق، وأنا أؤكد أن لا أحد فوق المساءلة، صحيح أن قانون الجهاز يحظر إقالة رئيسه خلال مدة شغله للمنصب، لكن تم تعديل هذا النص فأصبح يجوز إعفاؤه بقرار قانون في مرتبة التشريع صدر من رئيس الجمهورية، وهو رقم 89 لسنة 2015 والذي حدد حالات إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم في 4 حالات تتمثل في إنه إذا قامت بشأنه دلائل جدية علي ما يمس أمن الدولة وسلامتها، أو إذا فقد الثقة والاعتبار، أو إذا أخل بواجبات وظيفته بما من شأنه الإضرار بالمصالح العليا للبلاد أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، أو إذا فقد أحد شروط الصلاحية للمنصب الذي يشغله لغير الأسباب الصحية، ومع ذلك حتي هذه اللحظة لم يستخدم رئيس الجمهورية سلطته المقررة في هذا القانون. ماذا سيحدث في حالة التأكد من صحة تقرير لجنة تقصي الحقائق؟ بعد أن يثبت التحقيق صحة الواقعة التي أكدها تقرير لجنة تقصي الحقائق يجوز أمران، أولهما إقالة جنينة من جانب رئيس الجمهورية، وثانيهما يجوز إحالته للجنايات بواسطة سلطة تحقيق قضائية، وهي النيابة العامة، التي تملك إحالته للمحكمة الجنائية شأنه شأن أي وزير تثبت مخالفته للقانون. ما حدث من جنينة خطأ مهني أم جريمة يستحق عليها المساءلة الجنائية؟ يمكن أن نقول إنه خطأ مهني جسيم قد يشكل جريمة لأنه بث شائعات بمعلومات غير صحيحة، وأثار الفزع في المجتمع، الأمر الذي من شأنه الإضرار بالاقتصاد القومي، وكل هذه وقائع في حاجة للتحقيق الفوري من النيابة العامة. هل تري أنه أساء استخدام كلمة فساد في تقريره؟ الفساد وفقا لاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد المنضمة إليها مصر، وهي الدولة رقم11 بها، تتحدث عن استغلال النفوذ، أما عن كلمة فساد نفسها فلا يستطيع رئيس الجهاز أن يوصف بها أحداً، وإذا وصفها لا يستطيع أن يُطلقها علي الرأي العام، وإنما بعد أن تتأكد سلطات التحقيق من صحة الوقائع التي كشفها رئيس الجهاز. وهل المفترض أن تتم محاسبة الفاسدين أولاً أم التحقق من تقرير الجهاز؟ الأمران معاً، فتتم المحاسبة والمساءلة عن التقرير الذي خاطب به رئيس الجهاز الرأي العام وأثار به الشائعات، وأيضا تتم محاسبة الفاسدين بعدما تثبت التحقيقات أن هناك فسادا، وتحدد من هو الفاسد، وتوجه إليه الاتهامات، وتتخذ بشأنه الإجراءات، وبالتالي لا تستر علي فساد أو فاسد. تقرير تقصي الحقائق لم ينف الفساد ولكنه قال إن هناك تضخيماً، فكيف نُسيطر علي منظومة الفساد بمصر؟ بالطبع يوجد فساد في مصر ويحتاج إلي رقابة محلية، وتعاون دولي لمكافحته، والمشكلة الحقيقية كيف نواجه هذا الفساد، وبالتأكيد هذا لا يحدث من خلال الإثارة أو بث الطلقات في الهواء أو نشر الشائعات، ولكن من باب المسؤلية والموضوعية والدقة. وكيف استمر كل هذا الفساد في ظل وجود أكثر من جهاز رقابي بالدولة؟ نحن متفقون أن هناك فساداً أياً كانت نسبته، ونحن لدينا أجهزة رقابية متعددة، والمطلوب أن تتحدد اختصاصات كل منها حتي لا تؤدي ذات الأعمال وتتصارع وتتناقض وتتصادم، مثلما هو حادث الآن، ويؤدي لضعف مواجهة الفساد، وأنا أتمني تطبيق النصوص الواردة بالدستور، وإصدار القوانين اللازمة للأجهزة الرقابية لنري وحدة للأجهزة في مكافحة الفساد. لماذا تم تضخيم القضية بهذا الشكل؟ تضخيم القضية يأتي وفقاً لمكانة رئيس الجهاز كقاض جليل، فالمسألة لا يجب أن تمر مرور الكرام، فهو ليس شخصا عاديا إنما قاض، وتم اختياره لمنصبه من هذا الأساس فاختيار رئيس الجهاز قاضياً هدفه أن يتعامل بروح وعقل وضمير القاضي، ويفحص، ويتأكد، ويلتزم، ويوجه خطابه للجهات المعنية، وبعدها يصمت حتي انتهاء التحقيقات فيما يرسله من تقارير يري أن بها مخالفات. كيف تري تعامل الرئيس مع هذه الأزمة؟ الرئيس تعامل مع القضية بقدر كبير من المسئولية والحكمة، ولم يصمت وشكل لجنة، وظل منتظراً تقريرها، ولم يتخذ إجراء انفعاليا، وحتي الآن ينتظر النتائج بعد مناقشة مجلس النواب. هل مطلوب من رئيس الجهاز عرض المزيد من الإثباتات أمام الرأي العام؟ لست مع مخاطبة الجهاز للرأي العام مرة أخري، وأري أن عليه التزام الصمت والهدوء إلي أن تثبت الحقيقة، كما أطالب الإعلام أيضاً بالتوقف عن الحديث في القضية حتي لا نزيد صخب الرأي العام.